الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ديموقراطية أم تسوية خلاف

عبد القادر ملوك

2012 / 5 / 10
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


لماذا يَلزم الدول في معظم الحالات، إلا تلك التي تحترم شعبها، و قبله تحترم نفسها، اندلاع ثورات و قيام حركية اجتماعية شديدة، أو في بعض الأحيان مجرد إحساس بان المستقبل يخبئ شيئا من هذا القبيل، لتهرول مسرعة نحو القيام بتعديلات و مراجعات لفصول دستورها و بنوذ قوانينها؟ لماذا، و خصوصا في حالة دولنا العربية، لا نحسم في خيار الديمقراطية كقناعة تفرزها ضرورة احترام الإنسان المواطن، و نجعل منها في أغلب الأحيان مجرد قضية تسوية خلاف؟
لربما، و هذا هو الأرجح، أن الأمور تسير وفق ما نظر لها كارل شميت و هو المنظر الذي لم يكن يشق له غبار إبان الحكم النازي، و هو الخبير بكواليس السياسة، حين اعتبر أن حالة الاستثناء أهم من الحالة العادية، إذ الحالة العادية لا تدل على شيء، بينما الاستثناء يدل على كل شيء، و هو ليس يؤكد القاعدة فقط، بل إن القاعدة تحيا بفضله.
إن ذلكم الوضع هو حتما ما ينطبق على البلدان العربية و من جملتها المغرب، الذي بمجرد ما وقع الاستثناء العربي موسم 2011 و بمجرد ما بدأت بوادره تلوح في سماء الساحة المغربية، حتى سارع ولاة الأمر إلى إقرار دستور بتعديلات، قيل أنها ستسوي الخلاف الدائر منذ أمد طويل... و إقرار الديمقراطية. هل أصبحت ديمقراطيتنا، و في انزياح خطير عن معناها الأصلي، تعني تسوية الخلاف؟ إنه لأمر غريب حقا!!!
أليست تسوية الخلاف مجرد بعد من أبعاد النقاش الديمقراطي؟ إن تسوية الخلاف لا تضعنا في صلب الديمقراطية بشكلها المتعارف عليه دوليا، بقدر ما تتم داخل الإطار الاجتماعي و القانوني المرسوم سلفا، أما الديمقراطية الحقة فهي تتجاوز تسوية الخلاف هادفة إلى الاقتناع بالآراء المقدمة بشكل عقلاني لتحقيق التفاهم و الاتفاق و الإجماع، فلا وجود كما يقول ألان تورين لديمقراطية بدون مواطنة كما لا مواطنة بدون توافق، ليس فقط توافقا حول المساطر و المؤسسات (ديمقراطية الواجهة) و إنما حول المضامين أيضا. و هو ما لم يحدث حول الدستور الجديد، الذي خلقت التعديلات التي طالت بعض فصوله، انقساما بين مواقف مكونات المجتمع المغربي، في الوقت الذي كان مخططا لها أن تخلق إجماعا بين هذه المكونات ؛ فبين رافض لهذه التعديلات التي لم ير فيها سوى نوعا من در الرماد في العيون، سرعان ما سيعجل بعودة حليمة إلى عادتها القديمة، و بين متفائل حد الثمالة بتغييرات رآها متقدمة بشكل كبير عما هو عليه الحال لدى الجيران العرب (و للغرابة نحن لا نقارن أنفسنا بالجيران الغرب، إذ نؤمن بعدم جدوى المقارنة مع وجود الفارق)، و بين متشائل يثمن الخطة الإصلاحية و لكنه يبقي بداخله على نوع من عدم الرضا المشوب بالحيطة و الحذر، قلت بين هذا الموقف و ذلك، ضاعت الديمقراطية و استبدلت ببحث عن تسوية خلاف، قيل أنه مفتعل بين مكونات نفس البلد.
حتى لا ندخل في توصيف لما هو عليه الوضع السياسي المغربي من تشردم أقله على مستوى الفئات الاجتماعية ذات النزوع و الفضول السياسي، لا يسعنا إلا أن نتساءل: هل يغير الدستور الجديد شيئا من الدستور الحقيقي المفعل على أرض الواقع و الذي تعمل الدساتير المكتوبة باستمرار تحت غطائه؟ إن دولة ما حينما تهم بإعطاء دستور لشعب ما، حتى لو افترضنا جدلا أن مضمونه معقول، فإننا في الواقع نهمل أن هناك أمورا أخرى لا مناص منها، هي من تكسب هذا الدستور فعاليته و تجعل منه أكثر من تسوية خلاف.
ربما نكون نغالي في استنتاجاتنا، و ربما نحن في حاجة إلى نوع من التريث و التروي قبل إصدار الأحكام، بل ربما لا نملك، إلا أن نردد مع العروي بأن كل شعب يملك دائما الدستور الموافق له، المتلائم مع ظروفه.
لكن ما نحن على يقين منه، هو أن الدولة التي تحترم نفسها و تحترم شعبها، تسعى نحو تطبيق ديمقراطية بمكنتها تحويل الحياة الطبيعية (الحيوانية) للإنسان إلى شكل ما من الحياة تعثر فيه على حياة الإنسان في الحيوان، على حد تعبير المرحوم أحمد محفوظ، و هذا ما لا يمكن أن يفَعل على أرض الواقع إلا إذا وعى الحاكم و المحكوم أن الديمقراطية شيء أكثر من مجرد... تسوية خلاف








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حملة ترامب تجمع تبرعات بأكثر من 76 مليون دولار في أبريل


.. القوات الروسية تعلن سيطرتها على قرية -أوتشيرتين- في منطقة دو




.. الاحتلال يهدم مسجد الدعوة ويجبر الغزيين على الصلاة في الخلاء


.. كتائب القسام تقصف تحشدات جيش الاحتلال داخل موقع كرم أبو سالم




.. وزير المالية الإسرائيلي: إبرام صفقة استسلام تنهي الحرب سيكو