الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشجرة التي حاولتم اغتيالها لم تمت,فلا تفرحوا

مصطفى ملو

2012 / 5 / 11
الادب والفن


جلست الشجرة,عفوا فالأشجار لا تعرف الجلوس,بل وقفت تتأمل وتفكر سارحة بخيالها عما حولها,ثم خاطبت نفسها قائلة"أنا بنت هذه الأرض لم آتيها لا من الشرق و لا من الغرب,الذين غرسوني,فعلوا منذ قرون خلت,غرسوني و سقوني بدمائهم,فإذا بي أشق تربة هذه الأرض,أبي لم يغتصب أما لتلدني,أنا لست بنت زنا,أنا بنت الأصل و الفصل,ولن أسمح لأحد بأن يفتض بكارتي,أو يمزق أحشائي أو يجهض ما أنا به حالمة و ما به حاملة من أزهار و ثمار حان قطافها".
ذات يوم قررت مجموعة من المتوحشين بتواطؤ و مساعدة من حارس الغابة الخائن,العديم الضمير و الاعتبار الذاتي,الهجوم على الشجرة لافتضاض بكارتها و اقتلاعها من الجذور و محو أثرها من الوجود.أقبلوا على جريمتهم تلك بذريعة أن"السيدة الشجرة",التي أرادوا منها أن تتحول إلى دمية بأيديهم يلعبون و يتلاعبون بها كما شاؤوا, مجرد عاهرة,فاسقة,عميلة,خائنة,مهددة لرونق الغابة و تناغم ألوانها,و السبب حسب زعمهم أنها تختلف عن شجرتهم التي يحاولون غرسها و سقيها بماء حرام يمنعونه على أمنا الشجرة,ليطعموه سما قاتلا لشجرتهم,التي يعتقدون أنها أفضل الأشجار,ووحدها من تستحق الحياة,أما غيرها فلا يستحق إلا أن يصير حطبا.
إنهم أعداء الحياة,أعداء الطبيعة,الذين كلما سقوه شجرتهم بالماء الحرام كلما زادت ذبولا و اضمحلالا,وفي المقابل كلما أزهرت و أينعت شجرتنا.
الحسد أعمى قلوبهم و الغيرة غشيت عقولهم و أبصارهم و تدمير الطبيعة عقيدتهم,فلم يتبق لهم سوى حمل الفؤوس,حتى من طرف الذين لم يسبق لهم أن حملوا فأسا,أو جربوا مواجهة,لاستئصال هذه الجرثومة الخبيثة في رأيهم و إراحة شجرتهم و فصيلتها منها,كل ذلك و حارس الغابة جالس لا يحرك ساكنا,ويا ليته يفعل,بل إنه لا يتواني في تقديم كل المساعدة و الدعم لهم حتى و إن لم يطلبوا منه ذلك,فكيف إذا طلبوا؟
وهم على ذلك النحو,وفي اللحظة التي شرعوا في توجيه ضربات فؤوسهم إلى جذع الشجرة الصلد,الذي لم تكن ضرباتهم تنال منه قيد بعوضة أو أقل,هب أبناء الشجرة التي كانوا يعتقدون أنها وحيدة غريبة لا عائلة و لا أقارب لها في هذه الغابة التي تحولوا فيها إلى وحوش مفترسة,الغابة لهم لا لغيرهم.
هب أعمامها و أخوالها إخوتها و أخواتها,كل عائلتها من أشجار أركان و الأرز و كل أشجار الأطلس و سوس و الريف,حتى أشجار الطلح و نباتات الحلفاء القادمة من الجنوب الشرقي و الصحراء,لم يمنعها العطش من الزحف على المفترسين,لنجدة الشجرة و رد ضربات المفترسين,الغاصبين.
حمي الوطيس و تعالى الصراخ,فجأة انسحب المهاجمون مهرولين,فابتلعتهم الغابة و غاب أثرهم بين أدغالها و غياهبها.
شاخت أمنا الشجرة,حيث السنون لعبت فيها ألاعيبها,فطفقت أوراقها تتساقط الواحدة تلو الأخرى,وبدأت أغصانها تذبل,إنه حكم الحياة في الخلق جار,إذ لا محالة أنها شرعت في توديع الحياة صوب مثواها الأخير,ولكن ليس قبل أن تفرخ الملايين من أبنائها و بناتها,ستخلفهم ليس ليترحموا عليها أو أن يبكوها,ولكن ليأخذوا الدروس من صمودها و مقاومتها,وليغرسوا المئات و الآلاف و الملايين منها.
كانت المرحومة تؤمن قيد حياتها أن وفاتها لن يؤثر بشيء في الغابة إذا توحدت و اتحدت أشجارها و تشابكت أغصانها وجمع أبناؤها و حفدتها لكمتهم و شمروا على سواعدهم لصد ضربات الأعداء,الذين لا شك سيعاودون الهجوم مرات و مرات.
ماتت الشجرة أو هكذا اعتقدوا,ماتت شامخة واقفة,فكذلك تموت الأشجار,ماتت موتة العز والكرامة,ماتت موتا عضويا بيولوجيا,أو هكذا خيل لهم,لكنها مازالت حية في القلوب و العقول,أو الأصح أنها لم تمت,إنما انتقلت فقط من عالم إلى عالم آخر,لأخذ قسط من الراحة,بعد أن اطمئنت على أن أبناءها قادرين على حمل المشعل,وزرع شتائل من فصيلتها في كل ربوع هذه الأرض,وبذلك يضمنوا لها الاستمرارية والخلود,فهل ماتت الشجرة؟
بينما شرع المفترسون مبتهجين مغتبطين في إعداد الكفن لدفنها,وفي ذهول منهم,خاطبتهم"عذرا أيها المفترسون,كنت أمزح وحسب,فلا تفرحوا,الشجرة لم تمت ولن تموت,كنت أمزح و أجس نبضكم لعل أنفسكم تسول لكم الهجوم مرة أخرى,فأريكم ربيعا في عز الصيف,أنا هاهنا باقية,ها هنا باقية".
أعداؤها منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر,في حين أن الشجرة هاهنا باقية هاهنا باقية,فلا تفرحوا,هكذا قالت ثم أضافت مخاطبة أبناءها:"تحية لأبنائي الأحرار ممن لم يخونوا الحليب الذي رضعوه من ثديي,تحية لكم ألف تحية,أنا بدوري أعيدكم بأني هاهنا باقية,صامدة,مقاومة,أصلي ثابت و فروعي في كل شمال إفريقيا,كلما قلموا غصنا من أغصاني,نمت وترعرعت أغضان أخرى,أكثر نضارة و أكثر تشبثا و أملا في المستقبل,وكلما رموني بروثهم كلما منحوني المواد العضوية الضرورية للاخضرار و الازدهار,وإن قرروا إحراقي ببترولهم,فسأقاوم بأظافري و سيحترقون بنار حطبي,المهم أني لن أستسلم,هاهنا باقية,هاهنا باقية,رغم الأعداء الداء الذي أصيبت بهذه الأرض,وكلما فرحوا معتقدين أني على سكرة الموت,كلما استعددت أكثر فأكثر لربيع صيفي,سيحرقهم و ينعشكم,فدمتم أوفياء".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس


.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل




.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة