الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نفط ويأس وحلقات الفشل

ساطع راجي

2012 / 5 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


تتزايد بإستمرار الايرادات المالية الداخلة الى خزينة الدولة سواء بسبب التزايد المستمر للصادرات النفطية أو لإرتفاع أسعار النفط وفي مقابل ذلك هناك يأس متصاعد بين المواطنين من إمكانية حصول تأثير إيجابي على مستوى الخدمات والوضع الاقتصادي وتوفير فرص العمل، ومن جانبها لا تنكر القوى السياسية الموجودة في السلطة وجود مفارقة بين الاموال المتوفرة وما يحصل عليه المواطن سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة من هذه الثروة.
موازنات إنفجارية ترصد كل عام تواجهها شكوى من قبل المؤسسات بقلة التخصيصات ثم تصدمنا هذه المؤسسات بعدم إنفاقها لجزء كبير من مخصصاتها لنكتشف إن الشكوى من قلة التخصيصات ليست الا ذريعة سهلة للرد على الانتقادات ومحاولة لاخفاء الفشل، هذه الصورة تعتبرها الحكومة سوداوية فهي تقول بإستمرار إن هناك مشاريع أعمار وإعادة بناء للبنية التحتية، الحكومة الاتحادية وكذلك الحكومات المحلية تعتبر توقيع مذكرات تفاهم وعقود مع شركات واقامة معارض وتبادل الزيارات مع الدول الاخرى إنجازات حقيقية تستحق عليها الثناء، أما وضع لبنة مشروع او انجاز تصاميمه الاولية فذلك نصر إقتصادي لامثيل له، ومن بين كل عدة مشاريع فشلت أو إلتهمها الفساد يتم الاحتفال بمشروع ما من فترة لأخرى ويقال عنه مثلا "إنه الاكبر في الشرق الاوسط" ومن الواضح إن المتفوهين بهذه العبارة لا يعرفون غالبا معنى "الشرق الاوسط" ومع مرور الوقت يثبت أيضا إنهم لم يطلعوا في يوم ما على مشروع مثيل في أي دولة ثم يتبين إن الشركة "العالمية" التي حصلت على مقاولة المشروع ليست الا مكتب صغير شكله عراقي مقرب من مسؤول في إحدى العواصم المجاورة وربما قدم رشوة لشركة ما ليحصل على إسمها، هذا إن كان المقاول المقرب شديد الحرص.
الحكومة تتحدث عن مشاريع عملاقة ورصد أموال طائلة لكنها تنسى او تتجاهل إن هذه المشاريع لاتنجز غالبا وتتوقف في منتصف الطريق وما يعلن عن إنجازه يكون غالبا غير مطابق للمواصفات ويظهر إن كلفته المالية أكبر مما يجب، والوعود الحكومية بالقطف القريب لثمرة المشاريع "العملاقة" غير قابلة للتصديق فالسنوات تمر والاموال تصرف والوعود تنسى ومع كل يوم نبدأ من الصفر في إطلاق الوعود وتلقيها، ومن ذلك الحديث منذ عدة سنوات عن تأهيل بضعة شوارع في قلب العاصمة (المريض) حتى تحولت هذه الشوارع الى حفر تبتلع الاموال رغم القص المستمر لأشرطة الافتتاح.
الساسة، في البرلمان والحكومة، يتحدثون يوميا عن قائمة المعرقلات السياسية والامنية والتشريعية والادارية التي تعترض تنفيذ المشاريع في العراق أو تحسين الأوضاع الاقتصادية والخدمية، وهم يكتفون بتكرار هذه القائمة على مسامع المواطنين دون أن يفعلوا شيئا لإزاحة أي واحدة من هذه المعرقلات ليستولي بذلك الساسة على وظيفة الخبراء والمحللين.
القوى السياسية تنشغل أو تتشاغل بصراعاتها الاعلامية عن حقيقة فشل مؤسسات الدولة في تبني هوية إقتصادية محددة تكون أساسا لإدارة الثروة، بل إن مفهوم العدالة الاجتماعية يغيب تماما عن الخطاب السياسي العراقي بالمعنى الحقيقي لا الشعاراتي وحتى المقترحات البسيطة التي يمكن أن تكون أساسا لنمط جديد من إعادة توزيع الثروة، تصطدم (المقترحات) بالشغب السياسي والتسابق الساذج بين الفرقاء على تحقيق "مكسب" ولذلك يقف كل طرف بالمرصاد لأي مقترح يمكن أن يكون مكسبا لطرف آخر، لكن هؤلاء الفرقاء المختلفين على حقوق المواطنين يتفقون على توزيع حصصهم من المال العام، لقد عدنا الى المربع صفر في علاقة المواطنين والحكام بالثروة العامة، هذه الثروة التي تنزل بطيئة الى جيوب الناس وتنزلق سريعا الى جيوب النخبة السياسية.
في العراق نحن أمام منهج يقوم على تخصيص الاموال للمشاريع التي لاتنتهي نهاية طبيعية وبالتالي لاتبقى أموال يمكن منحها للبطاقة التموينية والصحة والوظائف الجديدة والمتقاعدين والعاطلين والمشمولين بالرعاية الاجتماعية، لكننا أيضا نفتقد للاموال اللازمة لتسليح الجيش والاجهزة الامنية وبناء المشاريع الستراتيجية ولا نمتلك ما يكفي لاستيراد الكهرباء أو لبناء محطات توليد حقيقية وليس لدينا ما يكفي لبناء مساكن أو مدارس أو مراكز صحية، لكننا رصدنا أموالا طائلة لكل هذا وانفقناها وعقدنا اتفاقيات والتقى مسؤولونا بمسؤولي دول وشركات وإلتقطوا معهم الصور التذكارية وأقاموا مآدب طعام شرفية، وبقينا دون كفايتنا من الماء الصالح للشرب وللكهرباء والشوارع المعبدة والمستشفيات والبيوت والاسلحة.
عشر سنوات من الانفاق الانفجاري منحتنا هذه الفوضى والغبار والحفر والنقص في كل شيء، مئات المليارات أنفقت لإنجاز هذا الهدر العظيم، لقد عدنا لمعادلة (أثرياء لكن فقراء)، وهي معادلة ينتجها الفشل المقصود والفساد المخرب الذي يكتنز أمواله ويبني مشاريعه في دول أخرى خلافا لأي فساد آخر على وجه الارض.
لقد فشلت منظومة إدارة الاقتصاد وتوزيع الثروة في البلاد ونحتاج لشجاعة رسمية للاعتراف بهذا الفشل ولعبقرية تقترح بديلا عن كل هذه الفوضى، وقبل كل ذلك نحتاج لإرادة سياسية تفتح هذا الملف من صفحته الاولى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استمرار البحث عن مروحية كانت تقل الرئيس الإيراني ووزير الخار


.. لقطات تحولت ا?لى ترندات مع بدر صالح ????




.. التلفزيون الرسمي الإيراني يعلن هبوط مروحية كانت تقل الرئيس ا


.. غانتس لنتنياهو: إذا اخترت المصلحة الشخصية في الحرب فسنستقيل




.. شاهد| فرق الإنقاذ تبحث عن طائرة الرئيس الإيراني