الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدولة الكاملة هي التي تنصت لهمس الضمير

عبد القادر ملوك

2012 / 5 / 12
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


هذه واحدة من الخلاصات التي انتهى إليها العروي في فقرة من مؤلفه حول "مفهوم الدولة" و هو بصدد تحليل موقف الفيلسوف إيريك فايل من مفهوم الدولة كما تَمثله هيغل في مؤلفه "فلسفة الحق". و رغم أن العروي كان يتغيى الإمساك بمفهوم الدولة كمفهوم نظري خالص و ليس الدولة الزمنية، التي هي واحدة من تجسيدات هذا المفهوم، بما يعتريها من نقص، حتما هو طائلها مادام مجال الواقع هو مجال تصارع الرذيلة و الفضيلة، الخير و الشر... إلا أنني سأحاول أن أتصدى، بعجالة، لزاوية تتعلق بالدولة كواقعة استحوذت في الآونة الأخيرة، و لازالت، على جل المشاهد؛ الإعلامية ،السياسية، الثقافية، الفنية...الخ بل و باتت حديث الصغير و الكبير لاسيما في ظل ما بات يصطلح عليه بالربيع العربي، مهتديا في ذلك بالإشكالات التالية:
إلى أي حد يمكن أن نعتبر أن الدولة الحالية، الدولة الواقعية (المغربية في حالتنا هذه)، تنصت لهمس ضمير أفرادها؟ ثم إلى أي حد تعترف هذه الدولة بحرية الذات في أن تفعل ما تريد في انسجام تلقائي مع القانون العام؟
في الدول التي تحيد عن مسارها الطبيعي(بالمعنى الموضوعي لا المعياري) ينكشف، لامحالة، ذلك التباين الصارخ بين مجال تصرف الذوات و صلاحيات القانون العام، فيبدو أن في الأمر تناقضا مرده إلى عيب يطال حتما أحد طرفي هذه المعادلة؛ فإما أن الفرد لم يستوعب أن الدولة كيان يضبط إيقاعه على مقتضيات الإرادة الجماعية و ليس الفردية، التي رغم ذلك ينالها من الأجر ثواب، حنينا منه (الفرد)إلى حالة الحرية المطلقة التي سادت افتراضيا في حالة الطبيعة. و إما أن الدولة استبدادية ظالمة حادت عن قوانين الطبيعة التي هي قوانين العقل.
يتفق معظمنا على أن الدولة التي يكثر فيها اللغط و تكثر فيها الاحتجاجات و المطالبات، هي دولة تنطوي على سوء انسجام بين الفئة الحاكمة و الفئة المحكومة، إذ بصرف النظر عن مشروعية هذه الحركية الاجتماعية من عدمها، لابد و أن هناك ضرورة لطرح سؤال لماذا؟
هذا الموقف ينطوي بالطبع على قناعة مفادها أن الدولة الفاضلة هي التي تربي الفرد على الاستغناء عنها و توجهه لخدمة ما هو أسمى منها، و بالتالي لا تجد هناك تعارضا بين الطرفين (الدولة و الفرد)ما دام التكامل و الانسجام هو السمة الطاغية على العلاقة التي تحكمهما، و ما دام الاحترام المتبادل هو الميسم الذي يسم تلكم العلاقة، بدل القهر و التسلط الذي يٌركع و يدل طرفا هو الفرد في الغالب الأعم و يعلي من شأن الطرف الآخر.
لكن رب معترض يقول إن الدولة التي تستحق فعلا أن تسمى دولة بالمعنى القوي للكلمة هي التي تحتمل التناقض و تتجاوزه، بل و تجعل منه وسيلة للحفاظ على الوحدة، فالتناقض و الصراع يصبحان هنا مسألة صحية جدا تعكس دينامية و حركية الأفراد (الشعب) من جهة و تفهُم الدولة من جهة ثانية، ثم إن الدولة بالنهاية ليست كيانا ملائكيا مفارقا و متعاليا عن عالم الدنس، بل هو تجسيد واقعي لما في البشر من خير و شر، من سلبيات و إيجابيات، من عقل و غريزة. هذا أمر مفهوم و يستوعبه الجميع، لكن ما لا يستوعب أحيانا هو كيف تتعنت الدولة بل و تصر على سماع صوت الغريزة و تجاهل صوت العقل و إرضاء مطامع فئة و تغييب و تجاهل مطامح أخرى، و بكلمة واحدة كيف لا تكلف الدولة نفسها عناء الإنصات لهمس ضمير شعبها، أو أنها تجزم بأن هذا الهمس لا يعدو كونه زبدا سرعان ما سيذهب جفاء.
حقا لا يمكن للدولة أن تقترب من الكمال، الذي لا يعني أكثر من مقبوليتها لدى الأفراد و رضاهم عنها، إلا إذا أنصتت لهمس ضمير أفرادها و أدركت أنها دولة الجميع لا دولة فئة بعينها و إلا سيهمس هذا الضمير، و هو حتما يفعل، بعبارة فيختة الشهيرة :هل طلبت الدولة موافقة أي واحد منا، كما كان واجب عليها؟ إذن لسنا مقيدين بأي قانون سوى قانون...) و من يدري، ربما هذه المرة قد يمكث هذا الهمس في الأرض و لن يذهب جفاء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران تتوسع في إفريقيا.. والسودان هدفها القادم.. لماذا؟ | #ا


.. الجزيرة ضيفة سكاي نيوز عربية | #غرفة_الأخبار




.. المطبات أمام ترامب تزيد.. فكيف سيتجاوزها نحو البيت الأبيض؟ |


.. حماس وإسرائيل تتمسكان بشروطهما.. فهل تتعثر مفاوضات القاهرة؟




.. نتنياهو: مراسلو الجزيرة أضروا بأمن إسرائيل | #غرفة_الأخبار