الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أدونيس في مرمى شباك الظلام.

حمزة رستناوي

2012 / 5 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


الدعوات لتكفير المثقفين من مفكرين و مبدعين و التحريض عليهم ليس بجديدة في التاريخ العربي الاسلامي المعاصر , هذه الدعوات التي تتحصّل في الواقع إلى افعال أحيانا يطلقها رجال دين و اتجاهات اسلاميّة تكفيرية , لا تؤمن أساسا بالديمقراطية و التعدديه و اختلاف الرأي , اتجاهات تحمل لواء التكفير و التخوين و التحريض على التصفية الفكرية و الجسدية.

إن السلطات الاستبدادية القائمة حاليا في العالم العربي و خاصة ذات الإيديولوجيات القومية و الحداثويّة البائد منها و الباقي كما في العراق و ليبيا و الجزائر و سوريا و مصر و تونس لعب دورا ايجابيا في لجم الفكر الجوهراني الاحادي لرجال دين و اتجاهات اسلاميه تكفيرية في المجتمعات , و لكن هذه السلطات لم تقم بذلك إيماناً و دفاعا عن التنوير و الثقافة التعدّدية بل قامت بذلك خدمة لما يضمن بقائها في السلطة , من حيث لجم القوى المعارضة ذات التوجّه الاسلامي التكفيري , و في أحيان غير قليلة كانت هذه السلطات تقوم بالتضحية بهؤلاء المثقفين أو نتاجاتهم كرشاوى للجماعات الاسلامية و الموالين لها فكريا بغية استمالتهم كما في حالة المفكر الراحل نصر حامد أبو زيد في مصر و علي كذلك الشهيد محمود محمد طه الذي أعدم بتهمة الردّة عام 1985م في السودان.

هذه ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها أدونيس للتكفير و التخوين فقد تعرّض لهكذا اتهامات من قبل رجال دين و اتجاهات اسلامية تكفيرية في الماضي , و كذلك تعرض للتخوين من قبل مثقفي السلطة السورية تحت مسمّيات التطبيع مع اسرائيل , و يُسَجّل لأدونيس كونه لم يكن من شعراء و مثقفي البلاط الاسدي .

بغض النظر عن الموقف من النتاج الفكري و الشعري لأدونيس , إن الدعوات التحريضية ضد أدونيس - و بغض النظر عن مصداقيتها - هي جزء من رؤية شاملة لاتجاهات اسلامية لا تؤمن بالاختلاف و احترام حرية الرأي و التعبير و قبلها حق الانسان في الحياة , هي اتجاهات اغتنمت فرصة الربيع العربي و ما رافقه من فوضى , اغتنمت مطالب الشعوب بالحرية السياسية و حقها في حكم نفسها لتسويق نفسها و خطابها القاصر عن تلبية متطلبات الشعوب العربية في الحرية و العدالة.

استندت الدعوى التحريضية الأخيرة على الشاعر أدونيس على حجج من قبيل:

*أوّلاً : الانتماء الديني الفئوي : المذهب العلوي:

و لكن متى كان الانتماء الديني لفرد مبرراً للإقصاء و القتل في عرف العقلاء الراشدين , و كيف يمكن بناء وطن سوري متعدد الانتماء الديني على أسس المواطنة المتساوية في شرع هؤلاء , و من وكّلهم بمهام الوكيل الحصري لشؤون الله في الأرض

*ثانياً : التهجم على الدين الاسلامي

بغض النظر عن الخلاف أو الوفاق مع أدونيس حول تقيمه للتراث العربي الاسلامي , و هذه قضية مجالها الثقافة تحتمل الخلاف و الاختلاف , و يمكن لمن لا يعجبه رأي أدونيس و تنظيراته مقارعة الحجة بالحجة , فأدونيس لم يحمل مسدّس و سكين , و لم يقتل أحد و لم يدعوا لقتل أحد أو استخدام العنف . أما فيما يخص نصوصه الشعرية فللشاعر الحرية في تناول ما يشاء من المواضيع بالطريقة التي يشاء , و أي تقييد لحرية الابداع هو مشعر للقصور الحضاري للأمة فنجد في التراث العربي الاسلامي نصوص شعرية تقارب كل المحرمات سواء كانت الدينية أو الجنسية أو السياسية , نجد أبياتا و قصائداً ما يزال العرب يرددونها بعد مرور القرون و القرون , و لم يستطع المعارضون و التكفيريون تقيدها و تغيبها و هي لكبار شعراء العربية ممن نفتخر بهم امرؤ القيس و أبو نواس و الحلاج و ديك الجن الحمصي و نزار قباني .

*ثالثاً : التهجم على اللغة العربية:

و هذا اتهام مثير للاستغراب و الشفقة , فأدونيس أحد أهم شعراء العربية في العصر الحديث و هو من مطوري لغة الشعر العربي , و صاحب ما يقارب خمسين مؤلّف باللغة ..كلها كتبت باللغة العربيه, و ترجمت أشعاره من العربيه إلى لغات العالم ؟! و قد قام بترجمة 12 من روائع الأدب العالمي و نقلها إلى العربيّة

فهل مثل هذا يتهجّم على اللغة العربية؟ ماذا فعل هؤلاء التكفيريون , و ما الذي قدّموا للغة العربية ؟!

*رابعاً : التشبيح:

مصطلح التشبيح يعرفة السوريون ,و هو يرتبط بجماعات و مليشيات تستخدمها السلطة السورية لقمع الحراك الاحتجاجي المعارض , و تُنسب إليها أعمال وحشيّه , و قد تمّ التوسيع في استخدام مصطلح التشبيح ليشمل أولئك الاعلاميين المدافعين عن السلطة الاستبدادية , و ينطبق هذا الوصف على أبواق الاعلام السوري كطالب ابراهيم و شريف شحادة و بسام أبو عبد الله ..الخ و باقي الجوقة من المرتزقة اللبنانيين..الخ

و لكن هل وصل الأمر بهم لاتهام أدو نيس بالتشبيح ؟!

فأدونيس قدّم خطابا عموميّا – شخصيا أختلف معه – و لكنّه قد يكون أقرب إلى موقف الحياد بين السلطة و معارضيها من قوى الحراك الشعبي , لم يحرض على قتل المتظاهرين , و دعى إلى ضرورة الحكمة و و المراجعة و نبذ ثقافة الاقصاء و الإيديلوجيا , و يمكن مراجعة مثلا رسالته للرئيس الاسد :

"رسالة مفتوحة إلى الرئيس بشار الأسد " الإنسان ، حقوقه و حرياته ، أو الهاوية..."

http://www.assafir.com/Article.aspx?EditionId=1870&ChannelId=44050&ArticleId=1698

فكيف لهؤلاء أن يتهموا أدونيس بالتشبيح؟

أم أنه في عرفهم كل من يختلف معهم هو شبّيح ؟

أو كل انسان ينتمي للطائفة العلوية هو شبّيح ؟

إن هؤلاء التكفيريون الذين يدعون لقتل أدونيس هم الوجه الاخر للسلطات الاستبدادية القائمة, و هم حلفاء موضوعين لها في استمراريتها , فثمة قطاعات من المجتمع السوري تلتزم الحياد أو تميل إلى ذرائع النظام بكونه الحافظ على الاستقرار , و الذي يدفع هذه القطاعات إلى ذلك تخوفها من هؤلاء التكفيريين و من يواليهم من اتجاهات احادية تحتكر الله و الحقيقة

و إن ثورات الربيع العربي هي فرصة استثنائية للتخلص من هذه الثنائية "سلطة - اسلام تكفيري " و هي فرصة لتفعيل إرادة الشعب و حقه في تقرير مصيره , فلم يثر الشعب السوري و غيره من أجل استبدال استبداد سياسي باستبداد ديني سياسي قد يكون أدهى و أمرّ

لكي لا يتكلم هؤلاء التكفيريون باسم الثورة السورية و ينتسبوا لها , يجب التصدي بوضوح و من غير لبس لهكذا دعوات تعيد المجتمعات و سوريا إلى الوراء و عصور الانحطاط الحضاري و الاقتتال الطائفي و طاعة ولي الامر.

أجد أنه من الواجب على القوى السياسية المُمثلة للثورة في التنسيقيات و كذلك على الشخصيات السياسية و المثقفين الموالين للثورة السورية أن يدينوا الارهاب الفكري ضد المثقفين و إن كانت البداية مع أدونيس فلا ندري أين ننتهي

يجب عزل الاتجاهات الاسلامية المتطرفة و و تنظيم القاعدة عن الحراك الشعبي الاحتجاجي , و النظر إليهم كطرف ثالث لا يخدم سوى مشاريع الفوضى الغير خلّاقة أو مشاريع بقاء النظم الاستبدادية و تأبيدها .

"الأحرار لا يخافون من الحرية , وحدهم المُستَعْبَدون يخافون منها " أدونيس

&&








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ادونيس هو علوي بامتياز
عبد الله ( 2012 / 5 / 12 - 20:42 )
انا اعتبر ان ادونيس في جميع الاحوال هو علوي الوجه و اليد و اللسان، و لن يستطيع الخروج من جلده و لن يستطيع الخروج من جلباب المجلس المللي السري


2 - الاسلام اشكالية مجتمع قبل ان يكون اداة سلطة
الطيب الزين ( 2012 / 5 / 13 - 14:41 )
طيب الان تغير النظام في مصرفلما يسجن عادل امام او يحاكم سايروس بتهمة ازداء الدين؟ النظم السياسية التي تصفها بقومية وجدت واقعا لايمكن تغييره والا ماهو سر ضهور حزب العدالة الاسلامي في تركيا بعد خمسين سنة من الحداثة والديمقراطية العلمانية النخبوية.الاسلام يكمن في الجذور ويعاود الضهور مع اي ازمة او احباط فضلا عن انه معرفة كاملة للعالم تتناسلها العوام جيلا بعد جيلا فيكف لاي سلطة ان تناى من خلق موازنة بين الاسلام وطبيعة التحولات الاجتماعية


3 - يا سيد حــمــزة
غـسـان صـابــور ( 2012 / 5 / 13 - 17:21 )
يا سيد حمزة
انتظرت ردك على المعلق عبد الله (رقم 1) وبما أنه لم يرد حتى هذه الساعة..أعتذر منك وأسمح لنفسي بالرد عليه. نظرا لخطورة هذا النوع من الآراء العنصرية النازية الإسلاموية التي بدأت تتبلور خلال هذه السنة حول الأزمة السورية, وحول آخر شعرائنا الحداثيين الحقيقيين, الإنسان أدونيس.
يا عبدالله من أنت حتى تعطي هذه الأحكام الطائفية النازية العفنة عن أدونيس. وما هي صفاتك وميزاتك الإنسانية والثقافية والسياسية والأدبية, حتى تتفوه بهذه الكلمات الشتائمية من إدنى المستويات, والتي كان من أبسط واجبات مراقب هذا الموقع رفضها, نظرا لمستواها الطائفي القميء والغير متناسب مع أبسط قوانين وممنوعات هذا الموقع الأدبية...
كنت أنتظر من كاتب هذا المقال, الذي أوافق على غالب ما ورد فيه ردا واضحا على هذا المعلق الذي احترف هذا النوع من الكتابة الغير أخلاقية.
مع كل مودتي وشكري للسيد رستناوي.. وتحية مهذبة.
غـسـان صـابـور ـ ليون فـرنـسأ


4 - الحل النهائي للقضية العلوية
نبيل السوري ( 2012 / 5 / 13 - 18:39 )
عطفاً على تعليقات عبد الله المتكررة، والتي أشك بأنها صادرة عن شخص معارض للنظام
أقترح حل القضية العلوية على طريقة هتلر والقضية اليهودية
أفضل حل ربما هو قتل 3 ملايين علوي (دفع الجزية غير وارد لأنهم ليسوا كتابيين)، لكن تبقى المشكلة بوجود ربما 10 ملايين منهم ونحن لا نمون على تركيا وغيرها لتصل يدنا العادلة لهم
بحسب تعليقات عبد الله يبدو أنه لا يوجد حل آخر
ثم كيف يكون الإنسان علوي اليد واللسان؟ هذه جديدة علينا
أنا لم أتفق على كثير من طروحات أدونيس حول الأزمة السورية، لكن كما قال الأستاذ حمزة، هل دعى للقتل أو السحل؟ ألا يحق لأحد أن يكون له رأي مخالف؟ نحن لن نقبل أن نخرج من تحت نظام سافل قمعي لا يحترم حرية الرأي لنقع تحت آخر مثله
العلويون كغيرهم من السوريين ولن نقبل إلا أن يكونوا مثل الجميع متساوين بالحقوق والواجبات
و سوريا لن تعود للوراء

اخر الافلام

.. العراق: السجن 15 عاما للمثليين والمتحولين جنسيا بموجب قانون


.. هدنة غزة تسابق اجتياح رفح.. هل تنهي مفاوضات تل أبيب ما عجزت




.. رئيس إقليم كردستان يصل بغداد لبحث ملفات عدة شائكة مع الحكومة


.. ما أبرز المشكلات التي يعاني منها المواطنون في شمال قطاع غزة؟




.. كيف تحولت الضربات في البحر الأحمر لأزمة وضغط على التجارة بال