الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سياسة الإعداد أم اعتدال السياسة؟

محمد هالي

2012 / 5 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


^ كان لابد من الرد، و قد يكون هذا الرد- النقد ضروري، لتطوير النقاش فيما يجري في هذه البلاد العجيبة التحول، و التغير، و كأن التاريخ يسير وفق رغبات الذات ، هذا ما بلوره الرفيق المصباحي من خلال مقالته المعنونة ب"سياسة الإعداد"،و لنتساءل مع الرفيق، هل العهد الجديد، كما اعتاد أن يسميه البعض، جديد بالفعل؟ لنفهم مع الرفيق أنه جديد، و ذلك بنقده للوضع القمعي الشرس، الذي ساد العهد القديم، ألم يكن هذا دافع لإرساء الحكم السابق، على حساب نقد القديم، وتبيان وجه آخر، لكسب المعارضة اليسارية، و جر جناحها اليميني، و إدخال بعض رموزها لمؤسسات الدولة، لكي تدافع عن حقوق الإنسان، التي كانت الجمعيات الحقوقية المحلية، و الغربية، و الأمريكية، تستفزه بها، كلما تعلق الأمر بنشر الديمقراطية، و ثقافة حقوق الإنسان، المزعومتين خارج حدودها الجغرافية، ألم يكن العهد الجديد، يلجأ لهذا التناور، من أجل أرساء الحكم الجديد، القديم، في آن واحد، على حساب إظهار الاختلاف الشكلي مع القديم؟ هذه الأسئلة شرعية، من وجهة نظر السياسة المتناورة، و أن الاعتراف بأن العهد القديم، لم تكن فيه الديمقراطية، و كأن العهد الجديد، يؤسس عهده على الديمقراطية، فهل الديمقراطية يقصد بها الرفيق "مبادرة المصالحة، و اعتراف الدولة بأخطائها السياسية، في مواجهتها للمعارضة، بعنف السجن، و التصفية، و حتى النفي".هذا كان ضروري، لأن أوجه الصراع مع اليسار، انقلب إلى صراع آخر تمثل في تيار يميني متطرف، و هو التيار المغلف بشرعية دينية، أصبحت ترى فيه الدولة، خطرا أعمق من خطر اليسار، الذي كان أشد ضراوة في العهد السابق، فاليسار لم تعد له قوة بعد انهيار الجناح الستاليني، في الإتحاد السوفياتي السابق، و أصبح اليسار الإشتراكي، الإصلاحي، المؤمن بالرأسمالية، كحل سياسي، بعد إجراء إصلاحات من داخلها، لا الإطاحة بها، كما كان يرى اليسار الثوري السابق. لا أريد أن أدخل في تفاصيل هذا الموضوع، لأن الرفيق يعفيني من ذلك بقوله "دون معاقبة الجلادين و لو بالكشف الرسمي عن أسماءهم..."، إن هذا يبين أن العهد الجديد، هو نفسه العهد القديم، لأن الاعتراف بشيءمعين، دون أجرأة المحو، يعتبر استمرار في النهج و الطبيعة أيضا.
أما " مدونة الأحوال الشخصية،و تجريم عنف رجال الأمن ضد المواطنين، و كل أشكال التعذيب..." أرى أن هذا الكلام مبالغ فيه لأن نفس المسائل لازالت موجودة، و لعل الواقع يبين هذا بالملموس، و الرفيق ذكر بعضها"لكن آليات التنكيل و العنف لا زالت قائمة" اين" يجيب الرفيق "ضد المعطلين،و الطلبة، و كل المحتجين في العاصمة، و جل المدن الأخرى" و أضيف، أنها لم تتوقف بتاتا، بل أنها آلية لازالت مستمرة لحد الآن، و أن ما وقع في سيدي إفني، و تازة، و الحسيمة، و أجلموس حاليا، لخير دليل على أن الطبيعة القمعية – الفطرية للنظام، لازالت كما هي، تتماثل في العهدين معا، و أن هذا الفصل العهدي، و المقارنة فيما بينهما، هو ذريعة ابتدعت، من أجل إرساء و تثبيت ما سمي بالعهد الجديد.
إن مثل هذا الوصف الذي يذكره الرفيق، للتمييز بين العهد القديم، و الجديد، لا يصح من وجهة نظر الموضوعية، فالسياسة كما يقال هي حسن استعمال التناور، و تغيير التاكتيك، و الإستراتيجية حسب متطلبات المرحلة، لكل ظرف سياسته، و هذا هو النهج الذي دأب النظام على استعماله في ظرفية الانتقال بعد موت ملك، و تثبيت أسس ملك آخر، لكن طبيعة الحكم ثابتة، بنفس الخطى، و التاكتيكات الردعية السابقة، كلما تطلب الأمر ذلك، و الرفيق يشير إليها بوضوح"لكن آليات التنكيل و العنف لا زالت قائمة". و ماذا بعد؟ لماذا القول"هذه الإنفلاتات تمس العهد الجديد"؟ لماذا هذا التصالح، و الهدنة، التي طالما تم البوح بها، من قبل فاعلين سياسيين، مرموقين، خدشتهم تجربة الاعتقال السابقة، و وجهتهم للمساومة مع النظام، على حساب الطبقة، و الثورة، و النضال، الذي كانت ترفعه في زمن المواجهة السابقة. ان من باب العلمية، يجب القول مع الرفيق، أن انعدام الثقة الشعبية في كل القوى السياسية المتحكمة في السلطة، و حتى جناح البرجوازية الصغيرة، و المتوسطة، هي التي جعلت الشعب يعزف عن الانتخابات، لم يجد من يعبر عن طموحاته و آماله، بعد انغراس الكل في شبكة النظام، كل بطريقته الخاصة. فكان الرفض، و اللامبالاة، هما الخاصيتان السائدتان لدى غالبية الشعب، ألم تكن هذه سياسة ينتهجها الشعب، رغم عفويتها و عدم تنظيمها، فالشعب لم يضع ثقته بتاتا فيما سمي بحكومة التناوب، و لا يجب الخلط بين طبيعة القوى التي شكلت هذه الحكومة، إن وصفها بالاشتراكية يعد إجحافا في إلصاق التسميات، في غير محلها، لنستمع لهذا الخطاب"انتهت مرحلة التناوب، بكل ما قيل حولها، و كانت الدولة رابحة فيها، بقبولها إسماع صوت المعارضة الاشتراكية". ولعل أحسن و صف أنها أحزاب ليبرالية، و طابعها اليميني واضح للعيان، إن قوة النظام و تماسكه، و ضعف القوى الاشتراكية جعلت هذه الأحزاب تنغرس في أحضان النظام، قبل تشكل الحكومة منذ سنوات، عبر القبول بالإنتخبات المزورة، و مساهمتها بشكل فعال فيها، و عبر ممارستها في النقابات، التي دجنتها و بقرطتها ، و إفراغ كل حس نضالي منها، لهذا فالشعب لم ينتظرها، فهي فرضت عليه، كما فرضت الحكومات و البرلمانات السابقة، و اللاحقة"ليختبرها المجتمع المغربي، الذي طالما انتظرها،و حلم بعدلها و انتصاراتها"، عن أي عدل يتحدث الرفيق؟ و عن أي انتصار يتحدث؟ ربما يقصد عدل المناصب التي تبوأتها، و انتصاراتها على الشعب المغربي، في جر البلاد للانخراط في دوالب الرأسمال العالمي، من خلال التسريع بالخوصصة، و شن ترسانة من القوانين، التي تؤسس لدخول الرساميل الأجنبية ( مدونة الشغل، و الميثاق الوطني للتربية و التكوين ...)، على حساب الوطن، و المواطنين.
الشيء الذي يثير العجب أكثر، هو ما قاله الرفيق في شأن هذه القوى الليبرالية"إذ كانت هذه الهفوات، و الطموحات، و جوع السياسة المعارضة، سبب السقطة المدوية لقوى اليسار"، أي يسار يتحدث عنه الرفيق هنا؟ إذا كان يقصد به القوي اليمينية، المغلفة بقناع إسم "الأشتراكية"، و التي شكلت ما سمي بالتناوب، فهذه القوى لم تعرف لا هبوط، و لا صعود، فهي توظف حسب موازين القوى العالمية، و المحلية، فسقوطها من الحكومة، كان ضروريا، لأنها لم تعد صالحة لتتبيث أسس النظام، الذي زعزعته الثورات العربية في كل من تونس، و مصر، و كان من الضروري أن يلعب على وتر قوى يمينية أخرىـ مغلفة هذه المرة لا بقناع الاشتراكية، بل بقناعالدين الإسلامي، لتمتص غضب حركية الشارع، التي حركته وباستحقاق، حركة عشرين فبراير، بجدارة قوية، خارج الأحزاب، و التنظيمات التقليدية السابقة، أم يقصد باليسار، التيارات الاشتراكية الأخرى، التي لم تستطع أن تكون قطبا سياسيا موحدا، لقيادة حركية الشارع، و أخذ زمام المبادرة، في ظرفية سياسية عالمية، تؤكد فشل النظام الرأسمالي ( الأزمة الإقتصادية)، و التي لعبت لا محالة دورا أساسيا، في التحرك الشعبي، و الشبابي، في العالم العربي. و لكي لا نطيل في هذا الموضوع الشائك، و التي حملت مقالة الرفيق بعض عناوينه، تحتاج للمراجعة، و التنقيح، لا بد من تسجيل بعض الملاحظات في شأن النقط الواردة في تصور حميد المصباحي، و هي نقط تحتاج لوقفة تأملية، و دراسة متأنية، ذلك من أجل فهم ما يجري من حولنا أكثر:
1- ان المقالة كانت متسارعة، و تصدر الأحكام جزافا، مما جعلها تتسم بخلط الرؤى، و ذلك بإصدار الأحكام الوصفية في أكثر الأشياء حساسية، خصوصا في الكيفية التي وصف فيها انهيار اليسار، و صعود التيارات الأصولية، لهذا اتضح أن سياسة الإعداد، هذه لم تتضح في مقالته بعد، الإعداد لماذا؟
2- ان حكومة التناوب لم تكن يسارية، و لا اشتراكية، بل كانت استجابة لطموحات الرأسمالية العالمية، و التي كانت في حاجة إلى قوى، تمرر من خلالها ترسانة من القوانين، التي تساعدها على نهب ثروات العالم التابع لها، عبر تمرير الإصلاحات، من خلال قنواتها المالية الكبرى ( البنك العالمي و صندوق النقد الدولي...)، و التي رأى فيها النظام المغربي القناة الوحيدة الصالحة لهذا المشروع المعولم، خصوصا و أنها تسيطر على مركزيات نقابية مهمة في البلاد، و هذا ما تحقق بالفعل، من خلال سن ما يسمى بالسلم الاجتماعي،طيلة مدة هذه الحكومة، لتسهيل تمرير مخططاتها، و أهمها، خوصصة القطاعات المهمة في البلاد.
3- إن تراكم المشاكل، و عدم وجود حلول للملفات الاجتماعية العالقة، و تنصل النقابات منها، نظرا لسيطرة الجهاز المبقرط داخلها،اضطر المدافعون عن حقوقهم، إلى تشكيل لجان فئوية، أفرغ النقابات من مضمونها الجماهيري، و الكفاحي، و لم تعد مصدر ثقة، مما جعلها عرضة للانتكاسات، و التراجعات يوما بعد يوم، حتى في قمة المواجهة أي بعد ظهور حركة عشرين فبراير، ظلت مساهمتها مساهمة خجولة.
4- لعل هذه الملاحظات البسيطة، ستثري النقاش أكثر، من أجل فهم تطور الأحداث، و تسارعها في البلاد.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد انتخابات -تاريخية-.. لا أغلبية مطلقة في البرلمان الفرنسي


.. احتفالات بالانتصار.. -الجبهة الشعبية الجديدة- تتصدر التشريعي




.. -سأقدم استقالتي-.. كلمة رئيس الوزراء الفرنسي غابرييل أتال ب


.. سمكة قرش ضخمة تسبح قرب مرتادي شاطىء في تكساس




.. بايدن.. مصيبة أميركا العظمى! والدولة العميقة تتحرك! | #التا