الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطاهر من جلون ومأدبة الربيع العربي

صلاح بن عياد

2012 / 5 / 13
الادب والفن


الطاهر من جلون ومأدبة الربيع العربي
صلاح بن عيّاد

خصص"ناس الديكامرون" الصّالون الأدبي المختصّ بالرواية والسّرد عموما، حصصا من حصصه الأسبوعيّة حول ما كتب الروائي والشاعر المغربي الطاهر بن جلّون حول الرّبيع العربي وذلك بعد وصول الترجمة العربيّة لكتابه "الشرارة انتفاضات في البلدان العربية" الصادرة عن غاليمار والتي هي عبارة عن مجموعة من مقالات لم تخل من "تخييل" فيها تتجلّى حساسيّة الروائي واضحة فتارة تراه يدخل صراعات الديكتاتور النفسية وتارة عمق الضحية وتارة أخرى يورد الحدث كما ورد، وفي نفس المؤلّف نجد (بالنّار) المحسوبة على جنس الرواية وقد جاءت في خمسين صفحة وقد قرأها تباعا أعضاء الصّالون كاملة (وفق الطريقة الإيطاليّة) على الجمهور فما كان منهم إلا أن أبدوا رفضا وعدم رضاء عمّا سمعوا علما وأنه من بين الحضور كتاب وصحفيون وشعراء وغيرهم فما كتب بن جلون حول "ثورتهم" متسرّع ويفتقد خاصّة إلى فهم ما حدث وإلى المجهود خاصّة. فقد كان من الممكن تقبّل ما كتبه الرّوائي والشّاعر المعروف الفرانكفوني الطاهر بن جلّون على أنه حماسة مفرطة إزاء تغيير يهتزّ له ويطرب كلّ مثقف عربي أو غير عربيّ. فالمثقف بلا شكّ من تلك الكائنات التي أنذرت بحمل الهمّ الإنسانيّ على ثقله مما يجعلها كائنات حساسة لكلّ نسمة حريّة أو كرامة ممكن أن يظفر بها أيّ فرد في أيّ نقطة من العالم، كان من الممكن تقبّله في خضمّ تجربة بن جلّون المحترمة لولا أخطاء وزلات لا يمكن بأية حال من الأحوال تقبّلها .ففي هذه الرواية الصغيرة حاول الكاتب صاحب "الغونكور" تصوّر الأيام الأخيرة للبوعزيزي هذا الشاب الذي أصبح رمزا عالميّا، معنى ذلك أن لكل كاتب الحق في استدعائه استدعاء أدبيّا أو فنيّا، إلا أن "استخدام" البوعزيزي من قبل بن جلّون قام على هفوات وأخطاء عديدة من ذلك جعله خرّيجا جامعيا كما انتشر في بداية أيام الثورة التونسية ليصحّح بعد ذلك ومناضلا في صفوف اليسار ممّا لم يكنه أبدا وممّا لم يذهب إليه أحد قبله أو بعده وأنه ربح في اليانصيب بالجامعة تذكرة إلى مكّة ومتى كانت هذه اللعبة تلعب في الجامعة التونسية؟. باع البوعزيزي تذكرته تلك ليتمكّن من تعمير عربته ودخوله حقل البيع المتجوّل... إلخ من تلك الأخطاء التي سيبدو على إثرها "بوعزيزي" بن جلون مختلفا تمام الاختلاف عن بوعزيزي سيدي بوزيد ، شرارة الرّبيع التونسي والعربي ذلك لأنه بني على أساس الإشاعة الشعبيّة لا على أساس بحث الرّوائي. أضف إلى ذلك أنه جعله عاشقا يحاول الارتباط وباحثا عن خلوات مع حبيبته هنا وهناك ممّا لا تسمح له البيئة البدوية لسيدي بوزيد حيث تنتشر قبائل "الهمامة" المحافظة.
من ناحية أخرى فقد بدت الأسباب لنا كما لجمهور صالون "ناس الديكامرون" غير مقنعة لما أقدم عليه قادح الثورات العربيّة، وأزمة البوعزيزي بدت بدورها بسيطة بساطة تواصلت إلى حدود الثانية الأخيرة قبل اضرام النار في نفسه. "كانت الأزمة باردة" كما ذهب البعض منهم وعبثيّة وما قد يعود لعجز واضح من الكاتب على استيعاب ما حدث فعلا وقلّة استعداده معنويّا وماديّا لهذه الكتابة. سيدي بوزيد المدينة التي تقع في الوسط التونسي لا بحر حولها (كما اعتقد الكاتب) حتى تخفّض نسمة بحريّة من قابليّتها للاشتعال الدفين والذي كان يطفو من حين لآخر. هل كان بن جلون عارفا مثلا بمواطن البوعزيزي الشاعر رضا الجلالي الذي انتحر ببطء ليموت غير بعيد عن اتّحاد الكتّاب في واحدة هي من أعمق الاحتجاجات التي أصابت هذا الاتحاد في مقتل؟ هل كان على علم بأن لسيدي بوزيد إرثا ثوريّا إن قبلنا بوجود ثورة أصلا، لمستها ثورة علي بن غداهم الشهيرة سنة 1864 وغيرها كثير وأنها تزخر بالسّياسيين المعارضين والنقابيين. هل كان على علم بالتقارب الجغرافي والاجتماعي القفصي والبوزيدي وما لانتفاضة الحوض المنجمي سنة 2008 من تأثير على ذلك؟ إذ يعتبر العديد من المحللين أن ما حدث في سيدي بوزيد كان بمثابة انتقال العدوى من تلك الأحداث الدامية التي عاشتها المنطقة (الوسط التونسي). كأننا بالكاتب المغربيّ يعمد إلى اقتلاع البوعزيزي من سياقه التاريخي والجغرافي والاجتماعي في أحيان كثيرة كما اقتلع المدينة برمّتها من سياقاتها الغاضبة والرافضة. لم يعتمد في تخييله على أية بحث يذكر ولا خصوصيّة تذكر ولا جهد يذكر. بدا كأنه رازح تحت ضغط القارئ الفرنسي مستجيبا لانتظارات مطلقي تسمية "الياسمين" على تلك الانتفاضة ولكأنه يحاول أن يقدّم لذاك القارئ مخلوقا رقيقا فيه من الجنسية الفرنسية ولو القليل غير مفاجئ رغم ما أحدثه البوعزيزي في العالم، راضخا لمواصفات الـ "غاليمار". فقد بدا من الغير الممكن لبن جلّون تصوّر البوعزيزي سكرانا، أو وحشيّا بدويّا (ابن الصبّار) يستبدّ به الانغلاق والدليل لم يتحرّك إلا على إثر صفعة امرأة، تلك الصفعة التي قد تنسف بأيّ وجه لعقليّة ذكوريّة. أخطاء قاتلة أخرى كان قد أشير إليها في مواضع ومقالات أخرى منشورة كاعتبار سيدي بوزيد مدينة ساحلية وإمكانية وجود مقاه مختلطة فيها الخ..."فإدراج الحدث في الزمن" كما يقول بن جلّون ذاته متحدثا عن الكتابة الروائيّة لم يكن في "بالنّار" غير شيء سطحيّ يفتقد إلى الدراسة وينقصه بسط ولو عابر للخارطة وتتبع الخطوط بإصبع روائية حريصة على الدقّة كما يفعل الروائيون الكبار وكما لا يدخرون جهدا في ذلك. سيبدو بن جلّون من الراكضين الكبار لجمهور "ناس الديكامرون" وللقارئ التونسي عموما، يحب "الحياة عندما تتواتر ويحبّها أكثر عندما تكون ضاجّة" والعبارة للكاتب في احدى مقالاته المنشورة في موقعه.

ليست رواية "بالنّار" سوى رؤية انطباعية قائمة على بعض الأخطاء وتنقصها دقّة الانطباع فهي بعيدة على أن يكون الكاتب قد تدخّل في أحداثها والدليل قوله "إنها ليست من الاستعارة في شيء! إنها قصة وقعت وأني حاولت سرد ذلك بأمل أن يفهم القارئ ما حدث من الداخل. استمر اللغز: كيف أن فكرة الاحتراق بالنار برزت في ذهن محمد؟ لأن هذا لا ينتمي بتاتا للتقاليد الإسلامية العربية. لم أترك، في النص، في اي وقت من الأوقات محمدا يتحدث عن ذلك القرار ؛ أعتقد أنه هو نفسه كان يجهل الإقدام على التضحية بنفسه، بما أنه قام بمحاولة أخيرة كي يستقبل من لدن [ شخص] رسمي قادر على أن يعيد إليه عربته" فما تبرير كلّ الاستعارات التي أقدم بن جلون على إيرادها وأخطرها بحر حول سيدي بوزيد الجافّة؟ يبدو تسرّع الكاتب واضحا من خلال اعتبار الربيع العربي جدار برلين وقد انهار (مجلة ثقافة اكسبراس الفرنسية) يطال البلدان العربية بل ويصل بعض البلدان الغربيّة كاسبانيا كما انتبه الى ذلك الكاتب والشاعر الذي سمع اسبانيّا يقول "للمرة الأولى يباغتنا (يدهشنا) العرب"، قد يكون هذا الاسبانيّ غير عارف بالتاريخ العربي حتى ذاك الذي له علاقة ببلده أو ما كان يسمى بالأندلس وقد يكون غضّ النظر على المدهش المحيّر الذي لا يزال قائما في قرطبة وغيرها. وابن جلون؟ أ لا يعرف كم مرّة أدهش العرب العالم؟ بمعنى كم مرّة استفاد العالم ممّا يسمّى "الحضارة العربيّة" بجذورها المتنوّعة؟ لا يهمّ. فابن جلّون لا "ينجز ريبورتاجا" (وهذا كلامه) لذلك ليس عليه أن يكون مرفوقا بمعلومات دقيقة إنه يتفاعل مع ما يجري كروائيّ يحاول "إعادة بناء الواقع" (وهذا كلامه أيضا) لكن أي واقع يبنيه الكاتب بن جلون؟ لا نكاد نسلّم أنه واقع مهووس بجلد ذاته ويعاني من عقدة نقص في الخضمّ الأوروبي أين يعيش، ولا واقع متولّد عن نظرة دونيّة للتاريخ العربي، وللذات في نهاية المطاف. ولا نجرؤ على توجيه سؤال مثل: أين هذا النظرة الواقعية التي يتّسم بها الكاتب مع كل البلدان العربية ما عدا المغرب ـ موطنه ـ حيث يراه مختلفا في خصوص ما يتعلق بالديمقراطية والحريات وغيرهما؟.
وقد نفهم تناحر ابن جلون في كتاباته الأخيرة من خلال تصريحاته التي تصل إلى حد التناقض، هذا "الإنهيار للديكتاتوريّات الشبيه بانهيار جدار برلين" يصبح مؤخّرا ومن خلال تصريحاته طريقا لشتاء قاس. الظرفيّ سجن الكاتب متى رضخ له كما نعلم جميعا، فمتى يمكن تقرير ما ستؤول إليه الثورات في سنة أو سنتين؟. سيبدو الكاتب المغربيّ بعيدا عن رصانته المعهودة. هل هي ثقل المفاجأة كما على أي مثقف خارج السياق؟. هل لأن بن جلّون قد أوكل إليه التكلّم باسم الثورات العربيّة في فرنسا؟. هل هو من قبيل النزول عند رغبة الندوات العديدة التي استدعي اليها للتكلم باسم الثائرين العرب ممّا أنتج تضارب مواقفه وقراءاته؟. إنها أسئلة نرى أن نضعها أمام القارئ ونمضي.
ربّما هي ضريبة كلّ مثقّف اعتبر أن الصدفة وحدها قائدة لما حدث في تونس ناسيا أو غير عارف أنّ تلك التحرّكات كانت تحت قيادات ما ولو لم تكن ظاهرة للعيان، فوحده المثقف الذي عاين ونزل السّاحات وخبر كواليس ما حدث من سيكتشف ذلك والدليل أن ذات القيادات ما تحاول اليوم عدم الزجّ بهذا الربيع في شتاء يراه بن جلّون المتفرّج الفارس.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المغربية نسرين الراضي:مهرجان مالمو إضافة للسينما العربية وفخ


.. بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ




.. كيف أصبحت المأكولات الأرمنيّة جزءًا من ثقافة المطبخ اللبناني


.. بعد فيديو البصق.. شمس الكويتية ممنوعة من الغناء في العراق




.. صباح العربية | بصوته الرائع.. الفنان الفلسطيني معن رباع يبدع