الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فَوْضَى الحواسّ في الجَزَائِر

السموأل راجي

2012 / 5 / 13
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


لَـــطالما عرفَ شعبُ الجَزَائِر القَهر والقمع والتّقتِيل والحِرمان تعَمَّقَ مع فيالِق الإجرام الإمبريالِيّ الفرنسِيّ فنكّلت بالسُكّان وشَنَّعت بالأهالِي وبلغ من بشاعتها قصف السّطِيف بالمدافِع من البحر وذهب للمقابِر برَحَابة صدرٍ أكثر من مليُون شهِـــيد بعد نَسْج ملاحِمَ خلَّدَ ذكرها التّارِيخ خاصّةً إثر إندلاع الثّورة التحرُّرِيّة الوطنِيّة في الفاتِح من نُوفمبِر/تشرين الثّانِي 1954 أجبَرَت سُلُطات الإجرام على الخُرُوج مدحُورةً وأثَّرَت حتَّى على التّوازُنات السّياسِيّة الدّاخِلِيّة لعصابات الإليزيه وقُطعانها اللّيبرالِيّة بِــمَا أفضَى لتشكِيل ما يُعرف بالجمهُوريّة الخامِسَة .
دخلت الجزائِر في مرحلة ما بعد الخامِس من يُوليُو/تمُّوز 1962 لِــتصفِيَة إرث وجِراحات ودِماء 130 سنة مسرُوقة من عُمُر الشّعب نهبتها جُيُوش الموت الفرنسيّة فقامَت حُكُومة أحمِد بن بِلاّ المُتَوَفَّى حدِيثًا لتُؤسِّس الدّولَة الولِيدة بوزِيرٍ للدِّفاع هُو مُحمِّد بُوخرُّوبَة (هوّاري بُومديَن) قائِد الأركان في الجيش الشّعبِيّ وأحَد المُتصدِّين لقُوّات المافيات المخزنِيّة المغربِيّة في حرب الرِّمال المُندلِعَة إثر توغُّلِها في التّراب الجزائِرِيَّة إبتِداءًا من 19 أكتُوبِر إلى 2 نُوفمبر 1963 وترِنُّ في الآذان صرخة بن بلاّ الشّهِيرة : "المراركة [المغارِبَة]حقْرُونَا" ؛ قالها ومضَى وأطاحَ بِه وزِير دفاعه في 19 يونيو/حزيران 1965 ، وكان من الشِدّة بحيْثُ ملأ السُّجُون وضحاياه من قُوى اليسار الرّادِيكالِيّ بعد تحوِيلِيه لحِزبِه حامِل "المشرُوعِيّة الثّورِيّة" إلى ثوبٍ فضفاضٍ نآى بِنفسِهِ عن المُحتوى اللّيبرالِيّ لمفهُوم الحِزب في الدّيمُقراطِيّات-الدّيكتاتُورِيّات البُورجوازِيّة وعن الإنحِياز الطبقِيّ الماركسِيّ فكَانت جبهة التّحرِير الوطنِيّة المعرُوفة بالأحرُف الأولى من تسميتها الفرنسِيّة F.L.N أشبَهَ ما يكُون بِــــ"حزب أُمَّة" كما نعتهُ الهوّارِي بُومدين لتنتَفِي معانِي المُشاركَة السياسِيّة والتّعبِيرات الطبقِيّة الموجُودة بطبِيعتها بفِعْل واقع الصّراع الإجتماعِي والتّفاوُت في الثّروات وحتّى التّموقُع المِهَنِيّ وفي كلمة واحدة: نمط الإنتاج .


عجزَت جبهة التّحرِير المُستنزَفَة في سيرُورَة صِراعات داخِلِيّة دشّنتها حملة الإغتيالات أثناء الثّورة وبعدَهَا وإنقلاب 1965 والمُحاولة الفاشِلَة التي قادَهَا الطّاهِر زبيرِي في 11 كانون الأوّل/ديسمبر 1967 ضِدّ الهوّاريّ عن صِياغة مشرُوع مُجتمعِيّ فتبقرَطَت وتحوّلَت لمُلْحَقٍ للعسكَر وبالأساس قادة جيش التّحرِير تحكُمُها نزاعات فِئويّة ومناطِقِيّة ومصالِح فردِيّة طبقِيّة في جوهرِها تحمل عناوِين مُفْرَغة من مضامِين مُجَسَّدَة واقِعيًّا تتقاطع مع أغانِي الإشتراكِيّة الشّائِعَة في المنطقة والدالَّة على رأسمالِيّة دوْلَة غاية في التعسُّف أنْتَجَت إغترابًا لا مثِيل لهُ بين جماهِير الفلاّحِين المُراد توطِينهُم قَسْرًا عبر مقُولَة "التّسيِير الذّاتِي للضّيعات" إبتِداءًا ثًمّ إغترابًا عُمّالِيًّا بين أوساط شغِيلة المصانِع التّحوِيلِيّة الكُبرى المُقرَّرَة في الخُطّة التّنموِيّة الثُّلاثِيّة الأُولَى (1967-1969) فلم تتحقّق مُمكنات التّحدِيث ولا تَعَصْرَن المُجتمع وإنعزلت قِيادة الجبهة مع قادة أفرُع الجيش بدُون الإنغراس في صُفُوف الجماهِير لدرجة أنّ مفهُوم الإشتراكيّة المغلُوط بطبيعته في الجزائِر أضْحَى رديفًا للسّرقات وعمليّات نهبٍ ترافَقَت مع تعامُلٍ حذرٍ مع الإتّحاد اللاّسُفياتِيّ ونسج علاقات جديّة مع مُؤسَّسَة الأزهر ليكُون مشرُوع الهوارِيّ الثّقافِيّ نقضًا لتتغلغُل اليسارِيّ في الجامعات والنّقابات الجزائِرِيّة ومحاولةً للقضاء على التيّار الفرنكفُونِيّ وتمّ إستيراد الغزالِيّ من مِصْر براتب عالِي ومُغرِي ومعه الشّعراوِيّ من حِينٍ لِآخَر ؛ وفي المُقابِل ، وبإرتِباط مع تنامِي الحاجيات الداخِلِيّة وعدم إرتِكاز التّصنِيع والمنوَال التّنموِيّ على مبدأ تلبِيَة المُتطلّبات المعاشِيّة الشّعبِيّة تحوّل "الإقتِصاد الوطنِيّ" إلى تابِع من توابِع مُتعدّدة للسُّوق الرّأسمالِيّة العالمِيّة من ناحِيَة الواردات ومن زاوية التّصدِير حيثُ بقِيت القارّة العجُوز قِبْلَة المنتُوج الجزائِرِي من المحرُوقات والمُزوِّد الرّئِيسِيّ من الموادّ الإستهلاكِيّة ، كُلّ ذلِك بدُون تصفِيَة الأشكال القبل رأسمالِيّة ومراكِز الإنتاج الكولونيالِيّ وبعِيدًا عن مفهُوم المواطنَة وبالتّوازِي مع التسلُّط .

تكوَّنَت إذن شرِيحة بيرُوقراطِيّة نافِذَة إهتمّت بمُراكمة ثرواتها وإمتيازاتها الخاصّة على حِساب مشرُوع الهوّاريّ "الوطنِيّ" أبرز وُجُوهِهَا القاصدِي مرباح رئِيس المُخابرات الجزائِرِيّة في عهد بومدين ومُدَبِّر عمليّات قتل كريم بلقاسِم ومحمّد خِيضر والذّراع الضّاربة لقُوى اليسار الرّادِيكالِيّ النّاشِئَة على أنقاض تشكِيلات ناصَرَت مصالِي الحاج فيما سَبَق ، وسكرتِير وزارة الدّفاع في عهد بن جديد ومن ثمَّ وزِيرًا للتّصنِيع العسكرِيّ لِـــيتقلّب بين وزارات الصّناعة الثّقيلة والفلاحة وحتّى الصِحَّة لم تسلَم منه.
عجز النّظام إرادِيًّا عن أن يُـكَـوِّنَ نمط إنتاج إشتراكِيّ أو حتّى إنتقاليّ نحو الإشتراكِيّة فكان خليطًا غريبًا يصلُح أن يتلقّبَ برأسمالِيّة الدّولة البيروقراطِيّة المُرتبطة بالتبعِيّة لدوائِر الإحتكار العالميّة فخُلِقَت طبقة بُورجوازِيّة مُصْطَنَعَة تصل لمدى الكمبرادُوريّة شرائِحٌ منها طُفيلِيّة أساسًا هجينة مافياوِيّة وطبقة عاملة مُغترِبَة كُليًّا محرُومَة من أبسط أدوات الدّفاع عن نفسِهَا مُجرّدة من أسلحتها نتِيجة الإستِبداد و وانتقلت الدّولَة في عهد الشاذلي بن جديد من الديكتاتُوريّة العسكريّة الفردَانِيّة البُومديَنِيَّة، إلى التسلُّط البيرُوقراطِيّ الجَمَاعيّ، لِــيَتَمَتّع رُمُز جبهة التّحرِير بالمَنازِل الفخمَة، والسيّارات الفارِهَة وشركات خاصّة، وباتت لهم حسابات بنكيّة في بُنُوك فرنسا وسويسرا وضاع مصِير 120 مليار دولار من مجمُوع العَائدات النّفطِيّة من سنة 1980 إلى سنة 1988 وبدأ مُسلسل الإنسحاب التّدرِيجِيّ للدّولة من مجال التدخُّل الإجتماعِيّ عبر الخَصْخَصَة التي شملت قطاعات عُمُومِيّة تحت ضغط الرّأسمال العالمِيّ الذي يعيشُ ركُودًا وإستجابةً لمطالِب طبقِيّة للكمبرادوريّة الجزائِرِيّة الباحثة عن أوسع آفاق نهب وبذلك تدخُل الجزائِر مُستنقع الليبرالِيّة الإقتصادِيّة من الباب الواسِع دُون إقامة مضلّتها السّياسِيّة بما أفضَى لأحداث أكتُوبر/تشرين الأوّل 1988 على إثرِها تخبّطت الدّوائِر الرّسمِيّة وأُطلِق العنان بغباء قَصْدِيٍّ لأحزاب في غالبيّتها مُؤطَّرَة خارِجِيًّا وحتّى إستخباراتِيًّا وعمّ العُواء حول الهوِيّة تهمِيشًا للواقع الحقِيقِيّ للصّراع وتموِيهًا عن طابعه الطبقِيّ بإمتِياز.
إستقال بن جديد وأجريت إنتخابات 1991 في مناخٍ إجتماعِيّ مشحُون وسياسِيّ مُحتقِن أدّى إلى عودة عنِيفة دموِيّة للإسلام الأطلسِيّ السّياسِيّ ومن ثمّ إنقلاب العَسْكر ودوّامة حرب أهلِيّة طاحِنة وسلسلة عمليّات باهِتَة تُسَمَّى إنتخابات آخرها التّشرِيعِيّة المُجراة يوم الخمِيس 10 مايُو/آيار 2012 تحت رايَة عبد العزِيز بُوتفليقة الحاكِم بِأمر العسكر وصِهر الهوّارِيّ وأحد خُلفائِه المُنتَظَرِين في 1979 ، إنتخاباتٍ هَلَّلت لها مافِيات الإجرام الليبرالِيّ وقال عنها الرّفِيق محمود رشيدي أمين عامّ حزب العُمّال الإشتراكِيّ الجزائِرِيّ "غير مقبُولَة" ليُوضِّح فيما بعد أنّ "الجبهة الجزائرية لم تخمد بدليل نسبة الاشخاص الممتنعين عن التصويت التي وصلت الى 57%، ورغم القمع البوليسي وعدم اكتراث الاحزاب السياسية للجبهة الاجتماعية في سباقها نحو البرلمان، غير ان الحملة تميزت بعدة نضالات بداية بإضراب قطاع التربية الذي دام عدة ايام، ثم اضراب عمال سيفيتال بولاية بجاية، فإضراب كتاب الضبط في كل ولايات الوطن" .

مُتغيّرات وحيثِيّات الواقع الجزائِرِيّ لا تزال على تعقِيدِها والمُتدخّلِين يُراوِحُون مُربَّع الصِّفر ما دام لم يُثَر الملفّ الحارِق وهُو حالة الإنحِدار الطبقِيّ العامّة فيما عدى حفنَة مُرتبطة بعصابات الإليزيه والبيت الأبيَض ، "وأخيرا، عندما يقترب صراع الطبقات من الساعة الحاسمة تأخذ سيرورة انحلال الطبقة المهيمنة والمجتمع القديم بكامله طابعا عنيفا وحادا يجعل فصيلا صغيرا منها ينفصل عنها وينضمّ إلى الطبقة الثورية، إلى الطبقة التي تحمل في ذاتها المستقبل" كما يقُول ماركس والغدُ لناظِرِه قريب في بلد فوضَى الحواسّ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلسطينيون يرحبون بخطة السداسية العربية لإقامة الدولة الفلسطي


.. الخارجية الأميركية: الرياض مستعدة للتطبيع إذا وافقت إسرائيل




.. بعد توقف قلبه.. فريق طبي ينقذ حياة مصاب في العراق


.. الاتحاد الأوروبي.. مليار يورو لدعم لبنان | #غرفة_الأخبار




.. هل تقف أوروبا أمام حقبة جديدة في العلاقات مع الصين؟