الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صفية مختار في «وسال على فمها الشيكولاتة» عندما تسيل الأفكار مع الشيكولاتة...!

حسين محمود التلاوي
(Hussein Mahmoud Talawy)

2012 / 5 / 14
الادب والفن


صفية مختار في «وسال على فمها الشيكولاتة»

عندما تسيل الأفكار مع الشيكولاتة...!


الفرد لا يتكرر؛ أي لا يمكنك أن تجد فردا يشبه الآخر. وهذا الاختلاف ينبع من ذلك المفهوم المفتاحي الجوهري، وهو التجارب أو الخبرات. فكل إنسان له من التجارب والخبرات ما يتميز به عن الآخرين؛ ما يجعله مختلفا مغايرا لهم في الاتجاهات والرؤى والتفضيلات، فلا يعود هناك ما يمكن تسميته «الإنسان الكربوني»؛ أي الإنسان المكرر المعاد الذي لا يضيف جديدا للحياة، لأنه نسخة كربونية من الآخرين.
هذا المفهوم — التجارب أو الخبرات — كان كلمة السر في المجموعة القصصية «وسال على فمها الشيكولاتة» للقاصة الشابة "صفية مختار" الصادرة عن دار أكتب في 96 صفحة من القطع المتوسط. فلم تسر «صفية» بقلمها بعيدا، بل تخيلته مصباحا يدويا، وسلطته على نفسها، ثم كتبت ما رأت من دون تحريف ولا تزييف؛ فقط ما رأت داخلها.
إنها النفس إذن!
وحتى في القصص التي تناولت شخوصا من الطبقات الشعبية أو الدنيا في المجتمع، لم تغب الذات، بل كانت حاضرة بقوة. أين؟! كانت حاضرة في شكل عين الراوية. فهذه القصص عبارة عن رؤية الكاتبة «الذاتية» والتي تتجلى من خلالها العوالم والشخوص لتظهر لنا كما ظهرت. هل الشخوص هذه هي الواقع؟! بشكل ما؛ فهي الواقع، ولكن من خلال عين الكاتبة بعد أن سلطت عليها ضوء المصباح.
التجارب الشخصية، إذن، كانت نقطة الارتكاز الرئيسية، التي انطلقت منها القاصة «صفية مختار» لتصف لنا من خلال رؤية «صافية» ما رأته داخل نفسها وداخل عالمها، في سياق سردي متماسك ينتقل من جزء إلى آخر بتمهل ودون تسرع.
البساطة في التعبير أيضا كانت من السمات الأساسية في الأسلوب الذي صاغت به القاصة الشابة إبداعاتها، فكانت التعبيرات تبعد عن الصعب والغريب لتدخل في المألوف، وهو الأمر المتوقع لأنها تصف عوالم مألوفة لها، فلن تستخدم الغريب لوصف المألوف.
إلا أن هذا «الصفاء» غاب في جزئيتين. فقلم الكاتبة كان أحيانا يرتبك ويتشوش؛ حيث كان الأسلوب يعجز في بعض الأحيان عن مجاراة صفاء الرؤية، فتأتي صياغة فقرة ما بأسلوب يجعلها تبدو من القراءة الأولى غير متسقة مع باقي الأفكار، إلا أن «صفاء» الرؤية كان يرد القارئ ثانية إلى السياق الأساسي؛ إذ يقدم للقارئ ما يستطيع به أن يفسر المستغلق من فقرات.
كذلك كان ما يمكن تسميته بـ«الإغراق» في العوالم الخاصة؛ فعالم الأحياء الشعبية والمناطق العشوائية والطبقات المهمشة كانت حاضرا بقوة في ما يصل إلى ثلث قصص المجموعة، ولكن حضوره لم يكن بأسلوب يجعل القارئ يتفاعل مع هذه العوالم ويستخلص منها شيئا يدفع به إلى العمومية. كانت الأمور أقرب ما تكون إلى مقتطفات أو صور سردية تشخص هذا العالم؛ كاميرا رقمية إن جاز التعبير. يمكن القول هنا إن هذا هو إحدى تقنيات التعبير، بنقل الواقع كما هو، إلا أن الإضافة أو اللمسة التي يضيفها الكاتب هي التي تعطي للعمل طابعه العام، وتخرجه من إطار الخصوصية للعمومية. اقتصر الأمر، إذن، على الخصوصية، فبدا الأعمال وكأنها دفتر مدونات ومشاهدات من الواقع فقط لا غير.
الواقع. كلمة مرور أخرى للمجموعة القصصية. فالقصص تناولت مشاهد ووقائع تحدث لنا جميعا، لذلك يشعر المرء بالألفة وهو يقرأ القصص المتضمنة في المجموعة، لأنها قد تحدث — أو ربما حدثت بالفعل — له. فالسجادة العجمية في قصة «سجادة عجمي» أو قصة الفتاة التي قررت أن تحتفل بعيد الحب بمفردها، أو قصة المدرسة المختلة عقليا كلها قصص مر بها الكثيرون منا. الفارق هو أسلوب التناول الذي قدمها في إطار مختلف عما حدثت به لكل منا.
الرمزية جاءت في الفتى الطامح إلى الحب في قصة «الحب في زمن الأسطورة»، إلا أن هذه الرمزية كانت واضحة الدلالة مما أفقدها معناها بشكل كبير. فإذا كانت الأجواء أسطورية ورمزية، فإن هذا يتطلب أن يكون الأمر على المستوى نفسه فيما يتعلق بالدلالة. لكن وضوح الفكرة وعدم العمق — ولم نقل السطحية — في الدلالة أفقدا القصة رمزيتها أو فلنقل وهجها الرمزي.
كذلك كان هناك احتفاء بالبساطة وانتقاد لقسوة الظروف، التي لا تترك هذا الاحتفاء على نقائه وبساطته. ففي قصة «أم محمد... بعدين»، نجد أن «أم محمد» تحاول أن تحتفي باللحظة، أن تستنشقها، أن تتشربها، إلا أن الواقع الأليم حاصرها في أشد لحظاتها تألقا، بأن أخبرها زوجها بأن والدتها قد ماتت.
تنوعات أدبية كثيرة شملتها المجموعة القصصية للقاصة الشابة «صفية مختار»؛ تنوعات في الأسلوب وفي المضمون وكذلك في المحتوى، فيها انطلقت «صفية» مستكشفة ذاتها والكون من حولها، وألقت بالضوء على مكنونات هذه الذات وقدمتها في مجموعة مذيبة الأفكار مع الشيكولاتة في مجموعتها القصصية «وسال على فمها الشيكولاتة».
******








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكر وتقدير
صفية مختار ( 2012 / 5 / 16 - 09:21 )
شكرًا أستاذ حسين التلاوى على هذا النقد البناء والتحليل الرائع.

اخر الافلام

.. بدء امتحان اللغة الأجنبية الأولى للثانوية العامة..التعليم: و


.. عمرو الفقي: التعاون مع مهرجان الرياض لرعاية بعض المسرحيات وا




.. ثقافة البرلمان تشيد بتفاصيل الموسم الثاني لمهرجان العلمين وت


.. اللهم كما علمت آدم الأسماء كلها علم طلاب الثانوية من فضلك




.. كلمة الفنان أحمد أمين للحديث عن مهرجان -نبتة لمحتوى الطفل وا