الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة قصيرة : اللغم المقدس

محمد بقوح

2012 / 5 / 15
الادب والفن


دخل أبي من عمل، هو بمثابة فخ جميل و محترم، بالنسبة إلي. يبدو عليه التعب واضحا. أظهرت بذكاء طفولي، اهتمامي الكبير بالدرس و التحصيل الناجح. فتحت محفظتي كما أفعل دوما كلما وصلت من المدرسة، و أخرجت من كتاب التربية التشكيلية، الورقة المزدوجة الزرقاء، التي حصلت فيها على أحسن و أعلى نقطة في قسمنا المكتظ بالتلاميذ، خلال الأسبوع الجاري. و هي عادة كنت دائما أقوم بها، كلما حققت ربحا معينا، سواء في الدراسة، أو في علاقتي مع أقراني، أثناء اللعب في ( الحومة ). و لما وقف أبي، للذهاب إلى ساحة الدار، حيث تعود أن يتوضأ، أسرعت خطواتي، مناديا عليه، حتى ألفت انتباه باقي أفراد أسرتي، فقدمت له ورقة نتيجتي المتميزة، و التي كانت النتيجة الأولى في قسمي. نظر إليها دون أن يكترث بالأمر. لكن، و هو ينظر دون أن يفهم، لفت انتباهه الرسم في الورقة. قال و عيناه في عينيّ :
- ما هذا الدود الذي و كأنه في سباق يا عزيزي..؟
- إنه ليس دودا.. ( غلب عليّ ضحك عفوي )، هي تسمى حيوانات منوية.. يا أبي.
- الحيوان أعرفه.. لكن.. المن.. وية، لا أفقه فيها شيئا.. أصبحتم تتكلمون بكلام غريب، يا أولاد اليوم، هذا وقتكم.
- الحيوان المنوي، يا أبي منه خُلقنا، هكذا.. قال لنا معلمنا في درس العلوم..
سقطت الورقة من بين أصابعه الغليظة و الصلبة.. حاولت الإنحناء لالتقاطها، قبل وصولها إلى الأرض.. لكنه شدني بقوة، من ذراعي النحيفة، و قال بنوع من القسوة، التي عرف بها، عندما يحس بعدم الارتياح. فقال صارخا في وجهي:
- أفصح.. يا ولد.. هل صحيح.. أن المعلم هو الذي قال لكم أننا خلقنا من حيوان..؟
- ليس من أي حيوان.. يا أبي..) كانت أطرافي ترتعش بالكامل.. لكن كنت واثقا من نفسي.( هو حيوان منوي.. يعني، أنه يشبه الديدان في شكله.. فهو ليس كالحيوان الذي تعرف في الغابة.. إنه كما في الورقة تماما، فهمت يا أبي الآن؟ .. أنظر إليه.
في هذه الأثناء، لم ينظر إلى الورقة، كما أشرت إليه، بل ألقى بنظرة كلها شغف و اضطراب، في نفس الوقت، إلى داخل البيت، و كأنه يحمل بين يديه لغما.. أو شيئا خطيرا.. ثم جرني من يدي، إلى حيث توجد ربوة، ألف الجلوس عليها، حين ينتظر آذان الصلاة، فأردف :
- لكن قل لي.. كيف يحدث يا بني.. هذا.. نحن آدميون، و يكون أصلنا حيوان، و من الديدان.. أو كما سماه معلمكم.. حيوان م ن وي.. أريد أن أفهم أكثر.. هذا العلم الجديد..) كان يتحدث، لكني كنت منشغلا أكثر، بورقتي المسكينة، التي تحولت بين يديه، إلى متهم مخنوق الأنفاس، لا يستطيع أن يدافع عن نفسه ( تداركت ثم قلت له :
- هو ليس بعلم جديد يا أبي.. إنه موجود حتى في القرآن.. ( في هذه اللحظة شعرت و كأنني معلمنا سي عبد الرحمن. لهذا حاولت بكل ما أملك من جهد، لأشرح لأبي استفساره المدهش، كما فهمته من خلال الدرس، الذي عندي في كراستي )، فاسترجعت أنفاسي بقوة، قبل أن أقول: اسمع أبي، فعندما ينكح رجل امرأة.. و قبل أن أنهي كلامي، أنزل هو صفعة.. كالصاعقة على وجهي، و لم أتذكر بعد ذلك ماذا حصل.

في السنوات الموالية، عندما أصبحت صحفيا، قررت أن أواصل كتابة الشغب. و كتبت ذات يوم عمودي الفكري الأسبوعي، أسخر فيه من سلطة الأجداد، و كل من يدور في فلكها القريب أو البعيد، لكونها سلطة جوفاء، لا قدرة لها على التفكير عندنا، إلا في غرائزها و أحلام يقظتها.. فتم تكفيري من طرف جهات رسمية.. ومع ذلك، تم طردي من العمل الصحفي، لكن ما زلت صحفيا، أمارس كتابة الشغب، أسخر منهم.. ومن مكونات فلكهم.. التي مازالت حية و نشيطة.. و سأبقى أقاومها إلى يوم الدين..
و عندما أعود إلى مسقط رأسي، أتعمد المناداة على أطفال الحي، و أفسح لهم المجال لطرح أصعب الأسئلة، التي تجول و تدور في رؤوسهم الصغيرة، دون أن تقدر على الخروج منها..
ثم نختم اللقاء برواية كل أنواع الحكايات، التي تسخر من الناس المتسلطين، و العالم من حولنا.. ثم نسخر.. و.. نسخر.. و نضحك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-


.. فعاليات المهرجان الدولي للموسيقى السيمفونية في الجزاي?ر




.. سامر أبو طالب: خايف من تجربة الغناء حاليا.. ولحنت لعمرو دياب


.. فيديو يوثق اعتداء مغني الراب الأميركي ديدي على صديقته في فند




.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز جسديًا على صديقته في