الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في رواية -برهان العسل-

أميرة سلام

2012 / 5 / 15
الادب والفن


قرأت مؤخراً رواية سلوى النعيمي "برهان العسل"، بعد أن سمعت عنها الكثير في السنوات الخمس الأخيرة.. ولا شك أن الرواية قد شكلت لي صدمة تركت أثرها العميق في داخلي، وكل من قرأ الرواية يعرف معنىً ما لـ "الصدمة" التي يعيشها أثناء قراءته لهذا العمل الشيق، شكلت جرأة الكاتبة في تناولها المباشر والصريح لموضوع الجنس عند البعض صدمة، آخرون شكل تاريخنا الرحب "جنسياً" كما استعرضته الكاتبة صدمة، إذ أن ما هو معروف ومتداول عن تاريخنا يقوم على "العفة والزهد" أكثر من "المتعة والمجون والتنوع الجنسي".. لكن الصدمة التي شكلتها الرواية بالنسبة لي، فكانت أدبية أكثر من أي أمر آخر، فمن الصعب أن تقرأ نصاً "إباحياً" مفعم باحترام الذات والآخر، ومتسربلاً بعاطفة خلاقة، وجسد غني دون ابتذال.
إن التعرف على الجسد ومحاولات اكتشافه ليست جديدة بل هي قديمة قدم الإنسان منذ شهرزاد وجلجامش، وربما منذ الصور الأولى التي خلفها لنا إنسان الكهوف.. ولا حاجة للتذكير بالشعر العربي الجاهلي ولامية امرؤ القيس الشهيرة، فضلاً عن تراثنا الإسلامي الذي أعطى الجسد قيمته التي يستحقها.. فكان رحباً ويسيراً دون تعقيدات الحاضر ومخاوفه.. لكن الرؤية الذكورية تسلطت على جوانب هذه الثقافة، فجعلت من المرأة حرمة تتأرجح بين متناقضين، الشيطان والملاك.. فهي التي أغوت آدم بأكل التفاحة، وقصّت شعر شمشون، مصدر قوته وجبروته، ولم يتبق منها سوى رحم للإنجاب، وأداة متعة وخدمة، بكلمة لم يبق من المرأة في ظل الثقافة الذكورية، سوى الحرمة!!
فكثرت التابوات والمحرمات في عالمنا... ويمكننا التدليل على ذلك من خلال "تطور" فكرة الحجاب الذي أصبح شيئاً غير إنساني في الكثير من الدول الإسلامية "حجاب أفغانستان أو السعودية" مثلاً، ومعروف الفارق بينه وبين الحجاب الشامي قبل عقود قليلة خلت..
فلا شك أن "برهان العسل" شكلت علامة فارقة في ثقافة الجسد عند العرب المعاصرين، أولاً كون الرواية على لسان سيدة، وثانياً إعادة الاعتبار للتراث العربي الإسلامي المتعلق بالجسد، فضلاً عن الجرأة التي تحلّت بها الرواية.
استطاعت سلوى النعيمي في روايتها "برهان العسل" أن تتحدث عن الجنس في جو من المرح والمتعة دون ابتذال، وأن تجسد رغبات وتخيلات المرأة دون أي خجل أو تزييف.
منذ البداية "هناك من يستحضر الأرواح، أنا أستحضر الأجساد لا أعرف روحي ولا أرواح الآخرين، أعرف جسدي وأجسادهم، هذا يكفيني".
جملة مدهشة، وربما صادمة للوعي الذكوري والوعي الحريمي العربيين، فهنا لا فصل بين الروح والجسد "روحي هي جسدي. والفصل بين الروح والجسد لا يوجد في ثقافتنا العربية لكننا تعلمناه من الغرب. جسدي فقط هو ذكائي وثقافتي"....
من خلال قراءتها السرية للحياة الجنسية عند العرب أدخلتنا الكاتبة في عالم ثقافة العرب الجنسية حيث قرأت النفزاوي، التفاشي، الطوسي، الجاحظ، التيجاني. تدعو إلى بث أنفاس الحياة في لغة الجنس العتيقة كما كانت موجودة يوماً في العالم العربي، وأصبحت طي النسيان والتي من خلالهم كونت حياتها السرية الجنسية التي لا يعرفها أحد سواها. وتتحدث عن ما كتبه هؤلاء من فوائد للجماع من جسدية ونفسية وذهنية فهو يسكن الغضب وينفع لفرح النفس، وهو علاج شاف من ظلمة البصر والدوران ووجع الرأس وأوجاع الجنبين.
هي المرأة الأكثر جرأة التي رفضت القيود كما رفضت الواقع الضيق، "المفكر" هو الرجل الذي عرفت معه هذه الحياة السرية. حيث كان الرجل الذي اختصرت فيه كل الرجال الذين عرفتهم في شخصه. ولكننا لا نعرف عن هذا المفكر إلا قدرته على إثارة البطلة، فهذه هي كل ملامحه وصفاته.
الرواية تحلل علاقة الرجل والمرأة الحميمة، تفكك كل شيء وتكشف العوالم السرية التي مارستها البطلة في مواجهة نفاق العالم، منذ أن قررت ما تريد، وقررت أن تلعب لعبتها الخاصة حتى تعلمت أن تكون الحارسة الوحيدة لأسرارها. إنها تفاصيل حياة وتفاصيل علاقة ظلت طي الكتمان تفكك الكاتبة شيفراتها السرية وتلقي الضوء على مساحاتها المجهولة.. وتفكر في الحب الذي ينتمي إلى عالم الماورائيات.
"برهان العسل" أو "العسل" أي الجنس. هو القصد والهدف.. هو الغواية بذاتها.. هو المكبوت في أعماقنا العربية والتابو في فكرنا الشرقي.. إنه الممنوع والمرغوب بكل تفاصيله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاعلكم | الناقد طارق الشناوي يرد على القضية المرفوعة ضده من


.. ياسمين سمير: كواليس دواعى السفر كلها لطيفة.. وأمير عيد فنان




.. تفاعلكم | بعد حالة الطوارئ الثقافية التي سببها في الرباط، حو


.. تفاعلكم | مخرج فيلم -آخر سهرة في طريق ر-، محمود صباغ، يرد عل




.. أحمد السقا يروى كواليس تعرضه للخطر في أفلامه ونجاته من الموت