الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانتخابات العراقية: نحو رؤية الصورة الشاملة!

باتر محمد علي وردم

2005 / 1 / 30
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


تمثل الانتخابات العراقية التي تبدأ اليوم خارج العراق وتصل ذروتها غدا داخل العراق في يوم سيكون مشهودا على كل الأصعدة، تمثل معضلة أخلاقية كبيرة للثقافة السياسية العربية، وامتحانا فشلت فيه الكثير من القوى السياسية، وخاصة تلك التي نظرت إلى الانتخابات من منظور ضيق يتعلق بالمصلحة السياسية أو المذهبية، وفشلت في رؤية الصورة الشاملة، واتخذت مواقف متطرفة حادة سواء في تأييد الانتخابات أو رفضها بدون مراعاة لمواقف الأطراف الأخرى التي تملك نفس الحقوق السياسية.
تعاملت معظم التيارات السياسية العراقية والعربية مع الانتخابات بكونها غاية أو هدفا في حد ذاته بدلا من أن تكون وسيلة لهدف أكبر. وأسقطت مواقف سياسية ودينية مسبقة، وحاولت مصادرة تطلعات الشعب العراقي لغاياتها الخاصة، وفرضت تحليلا للأحداث يوصل مباشرة إلى استنتاجات تتوافق مع المصالح المتباينة لأصحابها. وإذا أردنا أن نكتب تحليلا واقعيا لهذه الإنتخابات فلا بد من التركيز على البعد الشمولي.
تمثل الانتخابات العراقية معضلة أخلاقية بالنسبة لتيارات العربية المنادية بالديمقراطية، حيث أن هذه الانتخابات هي ممارسة ديمقراطية مطلوبة، ولكنها تقع ضمن ظروف استثنائية هي الاحتلال الأميركي والإرهاب اللذان يعملان معا على مصادرة حق العراقيين في الاختبار الحر. ولهذا شاهدنا الكثير من التيارات والمؤسسات العربية الداعية إلى الديمقراطية تنظر بتشكيك كبير إلى هذه الانتخابات بسبب إجراءها تحت حراب الاحتلال، وكذلك التساؤل حول فيما إذا كانت الانتخابات هي الأولوية الفعلية للشعب العراقي الآن، وفيما إذا كانت طريقا نحو الأمن أم المزيد من الفوضى والاستقطاب الطائفي والسياسي في العراق.
دعونا نتعامل مع المواقف العربية والعراقية الرافضة والمؤيدة للانتخابات من منطلق شمولي. بالنسبة لرافضي الانتخابات العراقية هنالك ست تيارات مختلفة. التيار الأول هو التيار القومي العربي الذي يعتقد أن أي إجراء يتخذ في العراق بعد إسقاط "رمز القومية" القائد صدام حسين هو غير شرعي. والتيار الثاني يشمل الكثير من الجهات السياسية الرافضة للاحتلال الأميركي وتعتقد بأن الانتخابات تمثل طريقا نحو إعطاء الاحتلال شرعية عراقية ودولية. التيار الثالث يحمل بعدا طائفيا ويخشى من هيمنة الشيعة على القرار السياسي في العراق وتهميش السنة في ظل الظروف الحالية وهو يتباين من تيارات سياسية إسلامية "تخفي" حقيقة التخوف من الشيعة أو تيارات سلفية واضحة العداء للطائفة الشيعية. التيار الرابع يتعلق ببعض المؤسسات العربية الرسمية التي تخشى من أي دخول "لجرثومة الديمقراطية" في الجسد السياسي العربي الرسمي، وهذا يشمل معظم الدول باستثناء الأردن ومصر والكويت التي أعلنت دعما رسميا للانتخابات كإجراء ديمقراطي ودعت السنة العرب إلى المشاركة بكثافة. التيار الخامس هو من بعض العراقيين الذين يؤمنون، وبكل حق أن هناك أولويات أكثر أهمية وهي توفير الأمن والمياه والكهرباء والصحة والتوظيف واستعادة الحياة اليومية، وهي تعتقد أن الانتخابات لن تغير شيئا من الوضع الاقتصادي والاجتماعي والأمني السئ، بل قد تزيد المجتمع العراقي استقطابا وتطرفا. التيار السادس هو تيار أصولي يرفض فكرة الديمقراطية على الطريقة الغربية ويفضل رؤيته الخاصة المتطرفة للنظام السياسي الإسلامي وهو تيار متشعب يتضمن حتى تحالفا بين الشيعة من أنصار الصدر وجماعات الإرهاب الأصولي من القاعدة السنية.
أما التيارات المؤيدة للانتخابات فهي أربعة تيارات رئيسية. أولها القوى السياسية العراقية التي تحس بقوتها السياسية حاليا وتعرف تماما بأن الانتخابات في هذا الموعد تعطيها السلطة السياسية، ومنها معظم التيارات الشيعية والكردية وتيارات المعارضة الإيديولوجية مثل الشيوعيين أو الجهات الموجودة حاليا في الحكومة المؤقتة مثل تحالف إياد علاوي. التيار الثاني يشكل نسبة كبيرة من الشعب العراقي غير المسيس تنظيميا ولكنه يؤمن بأحقية المشاركة السياسية بعد عقود من القمع والدكتاتورية وهو تيار يريد ممارسة حقه السياسي. التيار الثالث هو الاحتلال الأميركي الذي يرى في الانتخابات إعطاء شرعية سياسية عربية وعراقية ودولية للاحتلال، وكذلك من أجل الدعاية الإعلامية حول "نشر الديمقراطية في مناطق كانت تعاني من الدكتاتورية" مع ضمان الاستمرار في الهدف الرئيسي هو السطو على موارد العراق وتوفير الحماية للمصالح الأميركية-الإسرائيلية في المنطقة. التيار الرابع هو تيار عربي يعتقد بأن الانتخابات قد تكون وسيلة لنشر الأمن والاستقرار والتخلص من الاحتلال في المستقبل عن طريق إنشاء مؤسسات عراقية مستقلة وحكومة قادرة على إدارة الوضع في العراق وحماية البلد والناس من الانزلاق إلى العنف والحرب الأهلية والفوضى، ومنه التوجه الرسمي الأردني.
سيكون يوم الانتخابات عصيبا في العراق، وبالنسبة لكاتب هذه السطور فإن الأولوية الأولى التي أتمناها هي قدرة من يقتنع بالانتخابات من الشعب العراقي على الخروج لممارسه حقه الإنتخابي دون إرهاب من الفئات الرافضة للانتخابات، أو مصادرة وتزوير للنتائج من الفئات الباحثة عن السلطة، وأن لا يكون هذا اليوم مأساة جديدة يعانيها الشعب العراقي في حال تزوير إرادته أو تعرض المئات من أفراده للعنف والقمع والقتل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصير مفاوضات القاهرة بين حسابات نتنياهو والسنوار | #غرفة_الأ


.. التواجد الإيراني في إفريقيا.. توسع وتأثير متزايد وسط استمرار




.. هاليفي: سنستبدل القوات ونسمح لجنود الاحتياط بالاستراحة ليعود


.. قراءة عسكرية.. عمليات نوعية تستهدف تمركزات ومواقع إسرائيلية




.. خارج الصندوق | اتفاق أمني مرتقب بين الرياض وواشنطن.. وهل تقب