الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كل رجال البرادعي

مصطفى مجدي الجمال

2012 / 5 / 16
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


إذا تمعنت في المشهد الانتخابي الرئاسي في مصر اليوم لربما توصلت إلى ذات الشعور الذي انتابني.. وهو أن قائمة المرشحين تخلو من أكبر اسم كان متوقعًا للترشح وهو محمد البرادعي الرئيس السابق لوكالة الطاقة الذرية، والذي كانت له مواقف مشرفة من نظام مبارك، كما شارك بنفسه في الثورة بالكلمة والجسد..

ورغم أنني لم أكن من المتحمسين جدا للدكتور البرادعي لأسباب لا مجال لذكرها الآن (ولم أكن بالطبع من المعادين له).. إلا أنني أشعر أن الرجل فوت على بلده ونفسه فرصة كبيرة لإنقاذ الثورة.. وفي ظني أن الاعتبارات الشخصية (طبيعته كموظف دولي، خوفه من الاغتيال المادي والمعنوي، نقص خبرته السياسية الحزبية..) كانت وراء قراره بالاستنكاف عن دخول معترك الانتخابات الرئاسية.. فضلاً عن حساباته الانتخابية حيث تصور- فيما يبدو- أنه لا يمكنه النجاح بدون دعم الإخوان المسلمين الذين تعاونوا مع الجمعية الوطنية للتغيير التي أسسها في مرحلة سابقة.. ذلك أن الإخوان قد تفتحت أمامهم الأبواب لتنفيذ مشروعهم الخاص، برجالهم طبعًا، بعد نتائجهم الكبيرة في الانتخابات البرلمانية.. كما أن المناهج الليبرالية ليست مناسبة لهم وإن اختفوا وراء "شعاراتها" فحسب في السنوات الأخيرة من نظام مبارك..

أقول إن توازنات القوى السياسية الراهنة كان من الممكن أن تكون أفضل، وأن يوفر على مصر، وتؤجل، مخاطر كل من الدكتاتورية والفوضى.. لوكان هناك مرشح "ليبرالي" سياسيًا يكون موضع اتفاق من قوى الثورة، وخاصة وسط الشباب..

لكن البرادعي اختار الاختفاء وراء الستار والتريث انتظارًا لمراحل مقبلة ربما يكون فيها هو "الحل الوسط" المقبول من الجميع.. ثم حينما بدأت الانتخابات وتجلى الزحف الإخواني مع بعث بقايا النظام القديم في آن واحد.. يبدو أنه شعر بالخطر الوبيل فدعا إلى إنشاء حزب الدستور الذي جمع بين شخصيات وتيارات يصعب أن تتعايش في حزب واحد.. وكان من الأنسب اجتماعها في كيان جبهوي/ مؤتمري مثل الجمعية الوطنية للتغيير.. ورغم الضجة المرحبة بإنشاء الحزب إلا أنه من الظاهر أن مشاكل التفاعل الديمقراطي الآمن داخل الحزب الوليد بدأت تعمل عملها.. خاصة أن البرادعي لم يؤيد مرشحًا بعينه لرئاسة الجمهورية..

كان من الطبيعي أن ينفرط عقد الكثيرين ممن التفوا حول البرادعي في العامين الأخيرين من حكم مبارك.. وأصبحنا نرى التنافس والتخاصم بينهم عالي الوطيس.. وأصبح من الممكن تلخيص المشهد الانتخابي الآن في: مرشحين اثنين يمثلان النظام السابق، مرشح للإخوان المسلمين، ومرشح مفصول من جماعة الإخوان المسلمين، وأربعة مرشحين يساريين.. والبقية أدوارهم ثانوية فيما أظن..

فيما عدا مرشحي النظام السابق (شفيق وموسى) سنجد أن معظم الباقين كانوا في معية البرادعي أو حوله.. وبالطبع أنا لا أحمل الرجل مسئولية كل ما يحدث.. ولكن من الملاحظ أن طريقته الفردية في اتخاذ القرارات قد أسهمت في إرباك المشهد..

المهم أننا الآن أمام حالة تستدعي من هذا الرجل أن يتقدم بمبادرة جريئة لتوحيد قوى الثورة حول مرشح واحد.. بعد التشاور طبعًا مع القوى الثورية المختلفة.. وإن فشل في دعوة كهذه يجب عليه أن يتقدم بمبادرة لتوحيد وتجبيه قوى الثورة، على الأقل لاستيعاب النتائج السلبية المتوقعة للانتخابات وما يمكن أن يصاحبها من خلافات حادة بين الثوريين..

في الحقيقة كنت أنتظر من البرادعي جبهة لا حزبًا.. وأنتظر منه التغلب على هواجسه وحساباته الشخصية.. وليعلم أنه إن تخلى أو تأخر في هذا أو ذاك فإن مستقبله السياسي قد ينتهي تمامًا..

أتصور أن انتخابات الرئاسة- إن تمت أو اكتملت- ستنحصر بين أحد مرشحي النظام السابق من جهة، وبين مرشح الإخوان (مرسي) والمرشح المفصول من الإخوان (أبو الفتوح).. لأسباب كثير جدا في مقدمتها عدم توحد القوى الثورية، والمال السياسي المهول الذي ينساب في العملية الانتخابية، وتردي الثقافة السياسية في مجتمع ذاق عقودًا من الفقر والجهل والدكتاتورية، وكذلك "قوة العادة" حيث أخذت قطاعات واسعة من البرجوازية الصغيرة والشرائح المتوسطة تنزعج من كم الفوضى التي يبدو أنها كانت من أهم عناصر تكتيكات المجلس العسكري الحاكم..

ومن ثم فإن القوى الثورية مقبلة على خيارات في منتهى الصعوبة والبؤس.. أي أن القوى الثورية قد تكون في مجال اختيار الطريقة التي تموت بها الثورة.. لذا فلا بد ألا تكون الانتخابات خاتمة المطاف، وإنما محطة الانطلاق لفعل ثوري جديد وكبير..

إلا أنه يجب أن يكون هناك بالطبع أولاً موقف من الانتخابات الرئاسية.. وإذا كان البرادعي قد فضل النأي بنفسه عن تزكية أحد مرشحي الثورة.. فإنه من قبيل الحكمة العاجلة اليوم أن نتوجه بالشكر لمرشحي اليسار الأربعة على الدعاية التي قاموا بها بنجاح متفاوت للدفاع عن الثورة.. ونقول لهم إن الأمور لم تعد تحتمل المكابرة الشخصية، لأن توزع الأصوات بينهم سيجعل الكثير من الناخبين ينصرفون عن المرشحين الأربعة جميعًا تفاديًا "لحرق أصواتهم".. وأدعوهم إلى التنازل على الفور لأقواهم فرصة في تحقيق نتيجة معقولة، شرط توقيع اتفاق مبدئي بينهم ومع القوى السياسية التي يمثلونها حول المبادئ الكفيلة بالحفاظ على مدنية الدولة وسلام المجتمع وديمقراطية الحياة السياسية وتقليل حدة الاستغلال الرأسمالي..الخ.

وإذا تأملنا قليلاً في المستقبل القريب الغائم فإنه إذا وصل إلى كرسي الرئاسة أحد رجال النظام السابق فإنه سيدخل على الفور في صدام مع البرلمان الذي يسيطر عليه الإسلاميون.. حينها قد يتفجر صراع عنيف بين قوتي الثورة المضادة (الإسلاميين والمباركيين).. وربما يعود الإسلاميون لمغازلة القوى الثورية أو عقد اتفاق "محاصصة" مع المجلس العسكري وبقايا النظام.. فماذ سيكون عندئذ موقف القوى الثورية؟

وإذا نجح مرشح الإخوان المسلمين فإن هذا سيكون بمثابة اكتمال صبغ رقعة الملعب الديمقراطي بلون واحد.. أي أن الديمقراطية كلها ستصبح عمليًا في "خبر كان".. وبالطبع لن يقف المجلس العسكري الحاكم مكتوف الأيدي إزاء هذا الوضع.. فماذا سيكون موقف القوى الثورية؟

أما إذا فاز المرشح المفصول من جماعة الإخوان فإنه سيكون عليه الاختيار بين الاستناد (غير المباشر) إلى جماعته القديمة أو التقارب مع قوى الثورة.. ولا أظن أنه سيتمكن عندئذ من الاستمرار في اللعبة المزدوجة التي يلعبها الآن.. وأرجح أن يختار الخيار الأول.. خاصة أنه لم يتفوه بكلمة واحدة حتى الآن ينتقد فيها جماعة الإخوان المسلمين..

أخيرًا.. أدعو كل "رجال البرادعي" ألا ينتظروه طويلاُ وأن يتوجهوا سريعًا نحو بناء جبهة القوى الثورية ضد البقايا الصلبة للنظام القديم، وضد كل المتاجرين بالدين في السياسة.. وساعتها ربما يتخلى البرادعي عن تردده وينضم إليهم.. وهذا لا يزال مهمًا..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المكسيك: 100 مليون ناخب يختارون أول رئيسة في تاريخ البلاد


.. فاجأت العروس ونقر أحدها ضيفًا.. طيور بطريق تقتحم حفل زفاف أم




.. إليكم ما نعلمه عن ردود حماس وإسرائيل على الاتفاق المطروح لوق


.. عقبات قد تعترض مسار المقترح الذي أعلن عنه بايدن لوقف الحرب ف




.. حملات الدفاع عن ترامب تتزايد بعد إدانته في قضية شراء الصمت