الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نظرات في القصة القصيرة (11)

طالب عباس الظاهر

2012 / 5 / 16
الادب والفن


(11)

القصة القصيرة كما الروح والجسم في الإنسان مكمل احدهما للآخر، بل ولا وجود لأحدهما من دون وجود الآخر، أي موجودان في وجود واحد، روح تسيح في متون الرؤى العالية، محلقةً في فضاءات الخيال، وجسم تجسده آلية رسم الحروف.. بكلمات غفل، لكن بمعنى مجنح كما البراق في إختراقه آفاق الكون ودهاليز النفس، فما زاد فيه شيئاً أو نقص؛ إلا ولّد في نفس المتلقي نوع من التشوه، والنفرة، والنشاز، وإن يكن غالباً لا يستطيع وضع اليد أو التأشير على مكمن الخلل في تحسسه الفني للنص، كونه هكذا يحسّ وكفى! كجمال التناسق في أعضاء الإنسان، والتناسب الدقيق في أحجامها وأطوالها وأشكالها وألوانها وملاءمة بعضها مع البعض بشكل معجز، لأنه خلق في أحسن تقويم، وذلك ما يطلق عليه بثنائية الشكل والمضمون أو المبنى والمعنى إلى آخره من تسميات.
إلا ان النص القصصي ـ كنص ـ لا يحدد آفاقه بذاته؛ بقدر ترك ذلك للآخرين، وتلك بالحقيقة إحدى أهم مميزاته، كي يعيدوا تشكيله من جديد وفق استقراءاتهم المتنوعة، حتى وإن لم تتوافق مع قناعات الكاتب نفسه، وفي كل مرة يكتشفوا فيه مالم ينتبهوا اليه في المرة السابقة وهكذا، حتى على مستوى الشخص ذاته أحياناً، فلا يترهل أو يضمر جانب من الجسد؛ إلا وتجد أثره في انطلاقة الروح الشاعرية المخبوءة فيه، لأنه وليد التجارب الشعورية بالبوح البليغ.
إذن ينبغي للنص القصصي أن لا يسقط منه حرف أو كلمة؛ إلا ويترك فراغ، ولا تزيد فكرة؛ إلا وتشكل عبئ مضاف.. من أدنى نقطة إلى أعلى رؤية، ومن البداية حتى النهاية، نتيجة التماسك العضوي بين أجزاءها، والترابط الصميمي في متنه الحكائي.
فإن الموهبة وحدها القادرة على قيادة تلك التشكلات الإبداعية بتلك المهارة الفائقة التي قد تصل أحياناً حدّ الإعجاز، بل وترتيب وتنسيق جميع مفرداتها الفنية في سياقات السرد والبناء.. من خلال الانسجام الدقيق بين تلك العبارة وهذا الحدث، وتلك اللفظة وهذا النسق، وتلك الاستعارة وهذا الإيحاء، وذلك المكان وهذه الفكرة والى ما لا نهاية.. وتلك إحدى المكامن التي يقف عاجزاً عن تفسيرها عقل الإنسان.
وليس مثلما نقرأ في كثير من النصوص التي تدعي بأنها قصص قصيرة، فنتحسس الفوضى الداخلية في متنها الحكائي وفي سياقات أفكارها.. عبر تنافرها مع ذاتها في بعض الأحيان، بسوق الكلمة أو العبارة أو الفكرة أو الحدث في غير محلها، أو المتضاربة مع غيرها أحياناً، أو المبهمة في نفسها، وحتى إن في بعض النصوص المشار إليها، لو اقتطع جزء أو أجزاء منها لما تغير شيء مهم في معناها، لسيرها أساساً في ركاب المتاهات والتهويمات والإغراق بالرموز والتجريد سواءً الأسلوبي أو الذهني التي لا يمكن حتى للكاتب نفسه فك شفرته.!
بالرغم من كون القصة القصيرة من أكثر الأجناس الإبداعية تجافياً مع الرمزية المغلقة، والإغراق في الغموض غير الفني, وعدم الوضوح والانغلاق.. توخياً للدقة والهدوء في الرصد والتتبع والالتقاط، على الأقل لكي يتسنى لها بعد ذلك التصعيد في الحدث القصصي نحو الذروة؛ لضمان استجابة الآخر.
وإلا فما الذي يغري المتلقي وهو يبذل الجهد.. بل ما الذي يضمن استمراره سواءً في تتبعه لآليات القراءة، أو في عمليات الإستقراء، وهي أعقد وأهم بكثير من الأولى، كونها تمثل جوهر التلقي والتواصل والتلاقح مع مجريات وتطورات الحياة .. عبر متابعة البنيات المشكلة من قبل القاص لعدة صفحات، ويشّده إلى متن السطور؟ ويحتفظ بوعيه حاضراً لزمن يطول أحياناً لساعات؟ إن لم يكن هنالك نجاح في عملية إغراقه في حيثيات النص القصصي؟!
إن قوة النص الأدبي تكمن بطرحه للرؤى الكونية العالية بالسياحة الروحية، والبعد في تمظهرات الخيال، من خلال طرقه لأبعد المناطق الشعورية العميقة في ذات الإنسان، فإنها تحتوي على منطقة معينة تتشكل فيها الظواهر النفسية الغامضة التي لاتخضع لسطان الشعور ـ كالاحلام مثلاً ـ فتلك المنطقة المعتمة تدوي فيها بعض طوارئ الحياة، وصخب الوجود.. بوحي من مؤثرات داخلية أو خارجية، فيمتصّ اللاشعور هذه العناصر، ويودعها مخيلته، لتمثيلها إلى رموز وإشارات وشفرات والى إلهام.
ولكن ينبغي عدم إغفال حقيقة مسلّم بها حول طبيعة الطرح الفني في القص، إذ إنه يفترض به أن لايتعدى الشعور صوب الفكر؛ فالفكر له مجالاته المعروفة، وله طرائقه الأكاديمية في التحصيل المعرفي.. وهو مكمن خطرها وخطورتها؛ خطرها في السقوط في الوعظية، وخطورتها كفن من الممكن أن يدس في متبنيات الآخر بعض الشوائب من حيث يدري القاص أو لا يدري كاليأس مثلاً.
إنما القصة القصيرة تحقق شاعريتها من خلال اعادة تشكيل بنياتها السردية بالتوليف الشعوري المنتج، وإعادة خلق عوالمها الموغلة في الخيال، ورصدها لأشد دقائق الانفعال في داخل النفس الانسانية، وهي قد تمتد أفقياً أو تتصاعد عمودياً، أو تدور حول نفسها بشكل منحيات، إلا إن أكثر القصص تأثيراً في الآخر، هي تلك التي تتماشى.. ولعلها بالأحرى تستجيب في طريقة طرحها مع الماهية في مضمون الأفكار.
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة إغماء بنت ونيس فى عزاء والدتها.. الفنانة ريم أحمد تسقط


.. بالدموع .. بنت ونيس الفنانة ريم أحمد تستقبل عزاء والدتها وأش




.. انهيار ريم أحمد بالدموع في عزاء والدتها بحضور عدد من الفنان


.. فيلم -شهر زي العسل- متهم بالإساءة للعادات والتقاليد في الكوي




.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح