الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نظرة في الدعاية الانتخابية

خالد صبيح

2005 / 1 / 31
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


كانت غالبية أحزاب المعارضة العراقية قبل وبعد سقوط النظام وقبل الانتخابات وربما بعدها تدعوا في العلن إلى الوحدة الوطنية وتجميع القوى حول قاسم مشترك يجمع اولويات برامج المواجهة للنظام ألبعثي قبل سقوطه ولتداعيات ومخلفات مرحلة ما بعد السقوط. وانتهى الأمر بالقوى السياسية تحت ضغط الظروف وضغط الاحتلال بالوصول إلى صيغة في العمل السياسي أسموها التوافق. ولكن في واقع الحال وتحت الأرض، في الخفاء، في ميدان النشاط اليومي خارج الأطر القيادية ـ كالعادة ـ التي تقيم علاقاتها بقدر كبير من الدبلوماسية الزائفة تجري ممارسات تحاول فيها غالبية هذه القوى أن تكرس نفوذها في الشارع جاهدة لكسب تأييده ومجتهدة في تقديم أجندتها الحزبية أو الفئوية على حساب المشروع الوطني التكاملي الذي تدعوا إليه جميعها في العلن. وأبدت بعض القوى، التي بنت رؤيتها ومشروعها على استقراءاتها الخاصة لاتجاه مزاج المواطن، طموحا كبيرا للهيمنة ، ضاربة، من اجل تحقيق ذلك، على أوتار عاطفية كالطائفية والقومية، فجروح الناس لاتزال طرية. وهذا التسابق والتصارع المحموم سوف لن يخسر فيه إلا اثنان:

1- من هم حديثي العهد في لعبة السياسة وصراعاتها وألاعيبها ولا يمتلكون خبرة ولا مراس في عالمها.

2- من يتعامل مع هذه الوقائع ومع اللعبة السياسية بحسن نية تقترب من سذاجة العجائز الطيبات.

برز واقع التسابق هذا بصورة أكثر وضوحا في مرحلة الإعداد للانتخابات وتقديم الأحزاب لدعايتها الانتخابية. وكانت قد صدرت في هذا السياق شكاوى من قبل أحزاب كثيرة ضد أكثر من تيار، عكس بممارساته ميلا للهيمنة، استأثر بعضهم بأموال الدولة وقدر وسخر قدرات الحكومة لخدمة دعايته الانتخابية، كقائمة رئيس الوزراء وقائمة رئيس الجمهورية. والبعض الآخر، كقائمة الائتلاف العراقي الموحد، وهي قائمة إسلامية شيعية، استأثر بالقوة المعنوية التي تمنحها قدسية شخصيات المرجعية الدينية فاعلنوا بين الناس ،وباصرار، ان قائمتهم هي قائمة المرجعية وإنها تحضى بمباركتها ودعمها.

يدرك الجميع أن ممارسة الدعاية الانتخابية هي شيء جديد على المواطن العراقي، ناخبا ومرشحا، وأكيد إن المرشحين لا يملكون، لحداثة التجربة، خبرة أو دراية حول كيفية تقديم المرشح لنفسه ولبرنامجه فجاءت نسبة غير قليلة من الدعايات الانتخابية فقيرة المحتوى في التعبير وبسيطة في أداتها الفنية ولا يخلو بعضها من الطرافة.

في سياق الاغواء السياسي للناخب حاولت بعض القوى في هذا السباق الانتخابي أن تظهر بمظهر جديد مخالف لواقع طروحاتها الفكرية وتطلعاتها السياسية قبل العملية كما فعلت القائمة الكردستانية حيث حاولت أن تقدم في دعايتها خطابا ابتغى الإيحاء بان القائمة هي قائمة عراقية لجميع الشعب العراقي بينما هي في حقيقتها اقتصرت على الأكراد وتركز برنامجها على القضية الكردية، مع محاولة تطعيمها بعموميات القضية الوطنية العراقية. والخطوة البارزة التي خطتها القائمة الكردستانية في هذا الصدد هي القفزة البهلوانية التي قام بها رئيس القائمة الكردستانية ورئيس تنظيم الاتحاد الوطني الكردستاني بتقديمه رسالة عبر وسائل الإعلام حاول فيها أن يغازل الناخب العراقي بالضرب على وتر الوحدة الوطنية ـ لم تعرف الحركة الوطنية العراقية ممارسات لتمزيقها كتلك التي قام بها جلال الطالباني وتنظيمه ـ وعرج في ختام رسالته، الركيكة والمملة، لمغازلة واسترضاء الأكراد الفيليين لحثهم على التصويت لقائمته، معتذرا لهم عما بدر من القيادات الكردية من إهمال لهذه الشريحة الواسعة( حائرة الانتماء) بعدم ضمها إلى قائمتهم.

قدمت القائمة الكردية في حملتها الانتخابية ثلاث مواد اعلامية( حسب متابعتي) اثنان منها ركزتا على عراقية القائمة وبدتا كانهما استدراكا للخطأ الذي وقعت فيه القيادات الكردية في تغليب اللون القومي على برنامجها وتحالفاتها بعدما أبعدت الحزب الشيوعي العراقي الحليف الدائم لها عن قائمتها وائتلافها، اذ يبدو إن القيادة الكردية لم تكن تراهن على قدرة الحزب الشيوعي العراقي في جمع أصوات كان يمكن أن تعينها في الجمعية الوطنية المقبلة، وربما يكون استدراكها هو رغبة منها لتلافي تبعات هذا السلوك بعدما أظهرت بعض الاستطلاعات إن قائمة الشيوعيين تحقق أرقاما فاقت بها القائمة الكردية. وبهذا الاستبعاد خسر الكرد حليفا مهما لهم باستنكافهم من ضمه لقائمتهم ، لكي لا يخسروا من حصصهم، كما برروا الامر حسب ما أعلنه< الطالباني> قبل بدأ الحملة وتشكيل القوائم. ولكن رغم ذلك فان القيادة الكردية لم تظهر اسفا كبيرا فهي كما يبدو ضامنة، كتحصيل حاصل، تعاون الحزب الشيوعي العراقي معها في المستقبل. ولهذا أسباب ودواعي ليس هنا أوان الحديث عنها ولامكانه.

الدعاية الثالثة للائتلاف الكردستاني (صور وتعليق عن جرائم حلبجة والانفال) ركزت في الضرب على وتر الألم والمعاناة التي عاناها المواطن الكردي وتشبعت مخيلته، من الضخ الإعلامي والأيدلوجي، بصورها، كالأنفال والكيمياوي. (في سياق الحملة الانتخابية تقدم برهم صالح بلفتة ( كريمة) لأهالي حلبجة، واعدا إياهم بأنه سيقدم المجرم علي الكيمياوي للمحاكمة في مدينتهم ) ابرزت هذه الدعاية بكثافة صورة القهر التي عاناها الكرد من النظام ألبعثي. ورغم اختتامها بالأغنية الرائعة( هه ربجي كرد وعرب ) تلك الأغنية الصادقة والمعبرة والتي اندثرت معانيها الجميلة في زحمة بث الأحقاد القومية المنتشر كالوباء هذه الأيام. فان هذه الدعاية قد تسهم في مفاقمة شك الكردي بالعرب، وتكرس في وعيه فكرة نسب جرائم النظام إليهم. فالدعاية قصرت صورة الاضطهاد على ماقام به النظام ألبعثي ضد الكرد ولم توسع من زاوية العرض لتشمل الإنسان العربي كما فعلت ذلك القائمة الانتخابية الشيعية التي حاولت هي أيضا أن تحذو حذو القائمة الكردستانية في مخاطبة العواطف وتحريك الألم لاستدرار الأصوات. إلا أن قائمة الائتلاف العراقي الموحد شملت الكرد في صورة الاضطهاد التي قدمتها، مع إنها حاولت ان تقدم، بصورة أساسية، آلام الطائفة الشيعية مستحضرة لمخيلة الناخب دوامة الألم التي عاناها أبناء الجنوب على يد النظام ألبعثي.

بلا شك ان كل قائمة انتخابية تجتهد في تقديم الصورة الأكثر إثارة وتعبيرا وإقناعا للناخب، لهذا نزلت قائمة اتحاد الشعب بدعاية تلفزيونية عرضت مرات قليلة، لان القائمة اعتمدت في نشاطها الدعائي الأسلوب المباشر بطواف مؤيديها في شوارع المدن. وكانت دعاية قائمة اتحاد الشعب التلفزيونية قطعة فنية جميلة، صامتة ومعبرة، ولم تلجأ للإعلان الصارخ، فلم يكن فيها أي كلام منطوق، ولم تقدم وعودا أكثر من شعارها ( وطن حر وشعب سعيد) وعرضت صورا إيحائية تذكر المشاهد بماض قديم كان فيه الحزب الشيوعي العراقي احد سادة الشارع، الأربعينات أو الخمسينات، كما أوحت أزياء الفلم، محركة بموحياتها في الناخب مشاعر خاصة تنعش صورة الحزب في ذاكرته. والصورة الجمالية في الفلم تنسجم تماما مع سياق تفكير الحزب وتصوره عن مكانته في أذهان المواطن والتي دفعت بالحزب الشيوعي، في جهده للتأثير على الناخب، الى ان يقف معتمدا على ساقين: هما التاريخ باعتباره أقدم حزب سياسي والحنين إليه( النوستالجيا) للتذكير بأمجاده الماضية.

هناك بعض القوائم العروبية قدمت دعاياتها، كما هو متوقع ومعتاد من هذه التيارات، بأسلوب، ركيك في الشكل والمضمون وخال من أي حس جمالي، وهذا يتناسب تماما مع محتوى قيمها. كما ذكرت شعاراتها بمايمكن أن ينّفر الناخب كالتأكيد على عروبة العراق وإعادة المؤسسات المنحلة، وهي مؤسسات الجيش وتوابعها القمعية. ولكن من بين مايمكن أن يحسب على هذا التيار كانت قائمة (كتلة المصالحة والتحرير) التي يقودها مشعان الجبوري فهي كانت الأصدق طرحا من بين كل القوائم وربما الوحيدة التي طرحت ما تريد تنفيذه فعلا وهو هدف مركزي لها واعني به إعادة تأهيل البعثيين وإعادتهم للسلطة من بوابة الانتخابات.

يحاول الجبوري في أطروحته السياسية والانتخابية أن يميز ويفرز بين البعثيين والصداميين ـ هو ينتسب للطرفين على أية حال ـ ليس بقصد تبرئة عديد العراقيين الذين اضطروا للانتماء لهذا التنظيم طلبا لكسب العيش، وهو أمر مفهوم ومشروع، وإنما يعني، في نية لتوسيع رقعة الفرز بين البعثيين، أن هناك من انتمى للحزب مقتنعا أو معجبا بمبادئه. أي بالتحديد ألبعثي العقائدي. ومسالة معالجة زيف هذا الادعاء سنتركها لفرصة أخرى مع لفت الانتباه إلى أن هناك دراسات عديدة، جديدة وقديمة، تناولت بمستويات تحليلية مختلفة هذه الموضوعة، وقدمت مقاربات ناضجة كشفت بها الرابطة الفكرية والأيدلوجية الجذرية بين البعث وتجلياته السلطوية بحيث يمكننا القول أوليا هنا إن الصدامية، إذا جاز استخدام هذا التعبير، هي شكل أو لون من ألوان تجسدات العقلية البعثية في الواقع.

ومهمة الجبوري( مشعان وليس احمد) في تقديم مشروعه الكارثي بإعادة الحياة للبعث هي مهمة خطيرة وكبيرة وتبذل أطراف عديدة لاجل انجاحها جهودا حثيثة متنوعة المصادر والمساهمات.

ظهر الجبوري في إعلانه الانتخابي متسقا إلى حد بعيد مع نفسه ومع ارثه وتاريخه كبعثي عقائدي وكأحد الذين تربوا في مؤسسة البعث القمعية وارتكب في ظلها وباسمها جرائم كثيرة بحق المواطنين( كان حماية لابن صدام حسين واسهم بفعالية في قمع انتفاضة آذار 1991)
وطرح مشروعه بكل وضوح وبهذا حدد نوع الناخب الذي سيصوت لقائمته، وهو ألبعثي الذي يرى في الجبوري منقذا له من مكانه الذي حدده له التاريخ: المزبلة.

أما شكل دعايته الانتخابية فكان من بين أكثر الدعايات فجاجة وركاكة، وحتى رمزه الانتخابي، <الأسد> (لا اعرف شخصيا ضوابط تحديد الرموز) جاء موحيا ومعبرا عن العقلية البعثية المغرمة بالأشياء المؤذية والجارحة كالحيوانات الكاسرة والسيوف وغيرها.

اعتمد رئيس الوزراء <أياد علاوي> في دعايته لقائمته الانتخابية على مصدرين هما الإلحاح والتكرار المستمر للظهور بشخصه لكي يرسخ صورته في ذهن الناخب ـ عبرت إحدى العجائز إنها ستنتخب علاوي لأنه الوحيد الذي تعرف وجهه فالآخرين هي حتى لاتعرف( شكولهم) حسب تعبيرها ـ والمصدر الآخر هو استغلاله، الذي بدا وكأنه نشاطا روتينيا وعفويا، لمركزه الحكومي للترويج لشخصيته وبرنامجه. هذا غير سعيه لرشوة الموظفين بالعطايا والهبات في مناسبات الأعياد، وقد كان لنشاطه الدعائي وفرص ظهوره في وسائل الإعلام الحصة الأكبر على الإطلاق. وكانت مواد دعايته الإعلامية طريفة، فقد ظهر هو شخصيا يطلق الوعود والآمال وقد أضاف للغة العربية بابتكاره لفظا يدغم بين الكسرة والفتحة فكم كان صعبا تمييز الألفاظ والحركات في لغته. إلا أن ذلك لا يمنع من القول إن <علاوي> شخصية محبوبة وقادرة على جذب المواطن لبساطتها وتلقائيتها.

تبقى المادة الدعائية مجالا جيدا لكشف أنماط التفكير وكوامنه. وهي فن حاذق، واسع وعميق، وعلى من يحتاج إليه ويتوسله في ممارساته أن يتقن استخدامه والتعامل فيه ومعه ليستطيع تضمينه القدر الوافي، من الزيف أو الصدق، الذي يبغي توصيله وإقناع الناس به.


السويد
30-1-2005








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الأمريكي يعلن إسقاط صاروخين باليستيين من اليمن استهدفا


.. وفا: قصف إسرائيلي مكثف على رفح ودير البلح ومخيم البريج والنص




.. حزب الله يقول إنه استهدف ثكنة إسرائيلية في الجولان بمسيرات


.. الحوثيون يعلنون تنفيذ 6 عمليات بالمسيرات والصواريخ والقوات ا




.. أمر أميري بتزكية الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح ولياً