الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قطار بلا سائق

أحمد سوكارنو عبد الحافظ

2012 / 5 / 18
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


هرعت الجماهير إلى محطة القطار حيث يقف قطار يتكون من ثمانى عربات ذات درجات مختلفة الأولى والثانية والثالثة. كانت هنالك عربات للقوات المسلحة والشرطة والقضاة وعربة مخصصة لبقايا الطبقة المتوسطة وعربة للدينيين وعربة للعمال وعربة لأصحاب المعاشات وعربة للعاطلين. لعل البعض يتساءل ما الذى جمع هؤلاء القوم فى قطار واحد؟ الإجابة ببساطة أن حريقا هائلا كان فد اندلع فى أرجاء المعمورة، فهرع الناس إلى محطة القطار واندفعوا داخل القطار وما أن جلسوا فى أماكنهم حتى انطلق القطار بأقصى سرعة وظل كل واحد منهم ممسكا بنقوده ليدفع ثمن تذكرة القطار غير أن المحصل لم يأت كما توقعوا وحين سألوا عن السبب قيل لهم إن المحصل ورئيس القطار تم إيداعهم فى حجز المحطة. وبعد فترة التقوا أحد العمال قادما من العربات الأمامية والذى أكد لهم أن الرجلين لا وجود لهما داخل القطار ففرح الركاب لأن أحدا لن يطالبهم بثمن التذكرة.

هذه الفرحة لم تكتمل إذ سرعان ما اكتشف الركاب أن القطار يسير بلا سائق وأن جميع الإشارات التى تنظم حركة القطارات باتت لا تعمل بعد أن تركها العاملون، كما فر الحراس تاركين المزلقانات مفتوحة وعددها 1275 مزلقان مما يعرض سلامة الركاب للخطر. وقد ازداد الخوف فى قلوبهم بعد أن علموا أن الجنود والضباط المنوط بهم حراسة القطار لا وجود لهم. جلس الركاب واضعين أيديهم على قلوبهم يتساءلون: كيف بالله يسير قطار بلا سائق أو إشارات ولا توجد حراسة داخله، هذا فضلا عن الخطر القادم من خارجه بفضل المزلقانات المفتوحة؟ ظل الركاب على هذا الحال يضربون أخماسا فى أسداس معبرين عن دهشتهم البالغة لما آلت إليه الأمور وعن قلقهم على مصيرهم داخل القطار الذى ينطلق بلا سائق. كان رجل ذو لحية كثيفة يجلس القرفصاء مستغرقا فى تفكير عميق. فناداه أحد الركاب لكى يدلى بدلوه فى هذا الأمر. ألقى الرجل نظرة إلى وجوه الركاب وأشار إليهم بالهدوء والتزام الصمت حتى ينتهى من كلامه. قال لهم الرجل إن السبيل الوحيد للخروج من هذه الأزمة هو اختيار مجلس منتخب من ركاب القطار، مجلس يتولى اتخاذ قرارات فورية. وبالفعل وافق الركاب على إجراءات انتخاب المجلس حيث بدأ المرشحون جولاتهم واخذوا ينتقلون من عربة إلى أخرى. أما المرشحون الدينيون فادخلوا الرعب فى قلوب ركاب الدرجة الثانية والثالثة على اعتبار أنهم ممثلون لله وأن عدم انتخابهم يعنى أن القطار سيلقى كارثة حقيقية عقابا لهم على عصيان الله. خشى الركاب من التهلكة فأعطوا أصواتهم لوكلاء الله.

اجتمع أعضاء المجلس الجديد وقرروا البدء فى إصدار قرارات فورية من شأنها توفير الأطعمة والأدوية لركاب القطار لكنهم أدركوا أن ذلك يتطلب إيقاف القطار. فتطوع بعضهم بالتوجه إلى عربة الجرار غير أنهم وجدوا الباب مغلقا. أقترح أحد الأعضاء أن يقوموا بكسر باب كابينة القيادة غير أن الاقتراح لاقى اعتراض البعض على اعتبار أن البحث عن قائد للقطار يجب أن يسبق كسر باب الكابينة. وحذر أحد الحكماء أن سائقا يجب أن يتولى ذمام الأمور خلال نصف ساعة من كسر باب الكابينة وأنه إذا فتح باب الكابينة ولم يتم العثور على سائق خلال هذه الفترة فلينتظر الركاب كارثة محققة. فى هذه الأثناء كان الركاب يتذمرون ويعبرون عن غضبهم من المجلس الذى فشل فى تحقيق أهدافهم وتلبية مطالبهم. وعندما اشتد الخلاف حول كسر باب الكابينة أولا أم البحث عن سائق قطار أولا، اقترح أحد أعضاء المجلس أن يأخذوا رأى ركاب القطار وبالفعل تم تحديد موعد لذلك بعد ساعة واحدة يسعى خلالها كل طرف بطرح وجهة نظره. انتقلت مجموعة الكسر أولا من عربة قطار إلى أخرى حيث دارت مناقشات محتدمة وحين شعر أفراد هذه المجموعة أن حججهم واهية وأدلتهم ضعيفة لجأوا إلى الخطة البديلة أو الخطة ب ومفادها أن الله يحب الكسر أولا وأن المعارضين للكسر يخالفون الشريعة ويغضبون الله الذى سوف ينزل بهم أشد العذاب. عندئذ خاف الركاب من غضب الله فأيدوا الكسر أولا .

وبالفعل تم تنفيذ رأى ثلثى الركاب المؤيد للكسر لينطلق بعدها أعضاء المجلس باحثين عن سائق قطار بين الركاب. لقد مرت عشرون دقيقة منذ كسر باب الكابينة وحتى الآن لم يتم العثور على سائق ولم تتبق سوى عشر دقائق بعدها قد تحدث الكارثة التى توقعها أحد الحكماء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمات أحمد الزفزافي و محمد الساسي وسميرة بوحية في المهرجان ا


.. محمد القوليجة عضو المكتب المحلي لحزب النهج الديمقراطي العمال




.. تصريحات عمالية خلال مسيرة الاتحاد الإقليمي للاتحاد المغربي ل


.. موجة سخرية واسعة من عرض حوثي للطلاب المتظاهرين في أميركا وأو




.. فرنسا: تزايد أعداد الطلاب المتظاهرين المؤيدين للقضية الفلسطي