الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دولة وأفكار لا دويلات وفِكْر

محمد أبوعبيد

2012 / 5 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


ما زلنا على مسافة بعيدة من شكل الدولة التي تعطي تصوراً حقيقياً، أو صورة أصلية، عن المجتمع العصري الذي يشكل أسسَها ولبناتها. فما يحدث اليوم ليس ثورة في التغيير الجذري لمفاهيم الحكم التي عايشناها مثلما عايشها من سبقنا، إنما إطاحة شكل من أشكال الأنظمة الشمولية، وتوليد شكل جديد لها تحت مسميات مختلفة قد تسر السامعين، مثلما قد تفرح الحالمين.

ليس المقصد هنا بث الإحباط في أنفس الثائرين ومن والاهم، ولا التقليل أبداً من حجم ما حققته الثورات تحت اسم الربيع العربي. فهي، دون ريب، بداية صحيحة لتغيير شامل في التراكم "المفاهيمي" لمعنى الدولة ومعنى المجتمع المدني العصري. لكن هذه البداية، التي كانت حقاً صحيحة، استرقها آخرون وجنحوا بها نحو برامجهم، ولم يكونوا أصلاً من أطلق الثورات. ويجدر بالمرء، أصلاً، أن يعترف بأن من أطلق الثورات ليس "الفلاسفة" العرب ولا المنظّرون، ولا المفكرون، ولا السياسيون المعارضون في الداخل أو في المنفى، إنما المواطنون البسطاء على غرار الثورات السابقة التي كان أبطالها الفلاحون والعمال.

إن الخطر الأكبر الذي يهدد ما كان من المفترض أن يكون ثورات حقيقية شاملة هو وجود هذا الفكر، باختلاف أسمائه، والذي يريد أن يؤسس لدولة يحتكر فيها السلطة وحده، الأمر الذي يجعله على شاكلة من أطاحهم البسطاء، ولو رفع شعارات سلسة كي تتسلل إلى وجدان وأفئدة المتلقين لها دون معوقات. فالشيء الوحيد الذي سيحكم بعدل على أداء أي حزب حاكم للدولة المُتخيّلة هو مدى سماحه للآخرين بتشكيل أحزاب آخرى أو تأسيس منظمات وجمعيات او حتى جماعات تخالف الحزب الحاكم بالمعتقد والبرنامج السياسي، وحتى تخالفه بالعاطفة، مثلما يسمح بالحريات الفنية الراقية وبأنماط الأدب. فإن لم يسمح من يحكم الدولة بذلك فإنه حينئذ هو على قاعدة: اختلف الاسم واتفق المُسمّى.

لو نظر المرء إلى ما يحدث في بعض الأصقاع العربية ما بعد انهيار الأنظمة الشمولية فيها، سيدرك بوضوح أن المصلحة الفئوية والقبلية والحزبية وحتى العقائدية غلبت المصلحة الوطنية العليا، فجعلت تلك الفئات من الوطن كعكعة للتقاسم، وكل فئة تريد دويلتها كي تحكمها على طريقتها لا على طريقة ما يجب أن تكون عليه الدولة. إلا أن قاسماً مشتركاً واحدا يجمعهم وهو الفكر الواحد القائم على احتكار السلطة له وحده. فمشكلتنا، إذنْ، لم تكن مع الأنظمة التي سقطت، إنما مع الفكر الواحد الذي يرى أصحابه في أنفسهم أنهم الأجدر والأقدر على الحكم.

كي نكون مجتمعات مدنية عصرية فعلينا الثورة من أجل دولة واحدة بأفكار مختلفة، لا من أجل دويلات بفكر واحد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيارة تقتحم حشدًا من محتجين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة أمري


.. -قد تكون فيتنام بايدن-.. سيناتور أمريكي يعلق على احتجاجات جا




.. الولايات المتحدة.. التحركات الطلابية | #الظهيرة


.. قصف مدفعي إسرائيلي على منطقة جبل بلاط عند أطراف بلدة رامية ج




.. مصدر مصري: القاهرة تصل لصيغة توافقية حول الكثير من نقاط الخل