الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رصد الوحشية في قصيدة -قذائف و شناشيل- للشاعر سعد ياسين يوسف

علاء كعيد حسب
شاعر و كاتب صحفي

2012 / 5 / 19
الادب والفن


لم يكن الغزو الأمريكي للعراق ليمر مرور الكرام من عاطفة الشاعر/أي شاعر مرتبط ببلاده ما بين الرافدين، لأنه شكل تحولا من صورة تتخللها الابتسامة و الحياة إلى "كليشيه" من المعاناة و التيه. و حيث أن الشاعر أقدر على الوصف و التوثيق، فقد كان أبرز المنتفضين و أشدهم إرادة و بأسا، لأنه وحده من يلملم الدموع من الأعين و الدبابيس الجارحة من القلوب، ليذكرنا جميعا بمعنى الحياة التي لا تتزعزع في الوجدان العراقي، و بالرثاء حينا و بالرفض أحيانا أخرى، فضح عنصرية الإنسان اتجاه أخيه الإنسان، لا لشيء سوى لرغبته في العيش حرا على طريقته و من منظور يبدأ منه و يمتد إليه.

و من القصائد التي تؤرخ لهذا العمل الوحشي، قصيدة "قذائف و شناشيل" من ديوان" شجر بعمر الأرض /الصادر عن وزارة الإعلام العراقية دار الشؤون الثقافية" للشاعر العراقي"سعد ياسين يوسف" التي تضعنا، و من عنوانها، أمام عنصريين مختلفين كليا، العنصر الأول:"الشناشيل" و هي بيوت تراثية الطراز أحب العراقيون بناءها و العيش فيها، مميزة بنقوشها العربية الإسلامية وزجاجها الملون، و العنصر الثاني: "القذائف" التي تعتبر رمز التقدم التكنولوجي الأمريكي و الأداة التي قُصِفَتْ بها مدن العراق بكل ما فيها كأوضح تعبير على الهمجية و اللاإنسانية التي تتسم بها حضارة العهد الجديد. و هذا العنوان المركب يكشف حضارتين متناقضتين تماما، واضعا إياهما في مواجهة يعزوها البعض لصدام الحضارات، غير أن الشاعر يربطها في قصيدته إلى صراع أعمق مما توصل إليه "هنتنغتون"، صراع بين المادة و الروح. و قد نجح الشاعر من خلال قصيدته في نقل ملامح العمل الإجرامي الذي أقدم عليه الغزاة و رصد نتائجه و مخلفاته على البلاد و العباد، مبرهنا في الآن ذاته عن كينونة الغازي الفاشية الكارهة للحياة و العاشقة للنهايات، الأرض و هي تحترق، المنازل تهوي و الطيور تفر إلى وجهة يوجهها إليها الخوف و الرعب:
الشناشيلُ هوت
وتساقطت فوقَ الركام ِ
حضارة
من دمي ارتوت ْ
الشناشيل هوت ْ
وتدحرجت حتى أناشيدُ العصافيرِ الصغيرة

هذا الاستعراض المهول للجريمة التي ارتكبها الأمريكان في حق أمة كانت مهد الحضارة و العلم، يرسخ للفعل الإجرامي الذي كانت غايته الوحيدة تغيير مناحي الحياة العراقية التي تسمو فيها النخلة لتغدو إلهة و يتواضع في إثرها الوادي للسنابل الممتدة على ضفافه، تلك الحياة التي ترمز للإنسان العراقي و تميزه عن الباقي:
كان الصراخ
على وقعِ انفجاراتِ القذائفِ
مذ سقطتْ قذائفُهم ،
سقطوا
سقطت لقصفِ بيوتنا ،
سقطوا
وتساقطت فوقَ التراب ِ
قلوبُنا ، دُمى أطفالِنا

و تحضر الرابطة التي لا تمزقها الحروب أو الخوف، العلاقة الوجودية التي تربط أبا بصغيره/صغيرته في أشد المراحل حلكة و مرارة، بحيث يصبح الضغط دافعا لمزيد من الحب و الرعاية. هو الخوف على الأحبة، على الروابط التي تمنح ذواتنا معنى بطعم خاص:
لي نخلةٌ أودعتها سري وأحلامي
وأسماءَ الذين نحبهم
ودُمى صغاري

و عبر لغة مباشرة سلسة و ناعمة تعبر القصيدة إلى عاطفة المتلقي و تحمله إلى عوالمها التي تتناقح فيها حضارات العراق أجمعها في بوتقة الحاضر الصادم، فنجد مثلا مفردات توحي بالتنوع الطبيعي و الغنى التراثي الذي يميز بلاد ما بين الرافدين: الشناشيل، النخلة، الوادي، عباءات النساء، الخبز المعمد. ما يمنح فرصة مثالية للتعرف عن بعض مظاهر الحياة، في رحلة أبجدية تؤثث الجغرافيا و الإنسان العراقيين.
و كان لا بد في القصيدة من نهاية بحجم هذا الألم، نهاية تملأ السماء و تشهدها على مصابها و تمنحه بعدا أزليا يتجاوز الوجع إلى الأمل الراسخ في نهاية كل ظلمة، فكانت اليد التي تشير إلى السماء، أصغر من همسة حب و أكبر من وقع قذيفة عمياء، تأكيدا على شروق الشمس بعد ليل مظلم و طويل، بين القذائف و الشناشيل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب


.. عاجل.. الفنان محمد عبده يعلن إصابته بمرض السرطان في رسالة صو




.. انتظرونا غداً..في كلمة أخيرة والفنانة ياسمين علي والفنان صدق


.. جولة في عاصمة الثقافة الأوروبية لعام 2024 | يوروماكس




.. المخرج كريم السبكي- جمعتني كمياء بالمو?لف وسام صبري في فيلم