الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديمقراطية -التوافقية- في الميزان

كامل كاظم العضاض

2012 / 5 / 19
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


كتب كثيرون عن "الديمقراطية التوافقية"، محاولين إعطاءها تعريفا بنيويا، يتفرع عن المفهوم الأم، "الديمقراطية"، و بما معناه أن الديمقراطية التوافقية لها دواعيها الموضوعية، ولكنها في آخر المآل تفضي الى ذات النتائج التي تتمخض عن تطبيق الديمقراطية بمعناها المألوف!؟ وفي سبيل أجلاء المعنى لابد ان نجيب على سؤال مهم في هذا الخصوص؛ هل إضافة صفة "التوافقية" على كلمة الديمقراطية يجعل منها حالة خاصة أو إستثنائية؟ أي، هل الحالة التوافقية هي حالة خاصة من الحالة الديمقراطية العامة؟ أم هل هي تتعلق بجانبها الشكلي فقط؟ لدى التحري العميق في المفهوم الجوهري والشكلي للديمقراطية، سنجد انه، أي المفهوم، قد يأخذ توصيفا يعبر عن حالة خاصة أو إستثنائية أو مرحلية. وعليه، سنلاحظ ان صفة التوافقية هي ليست أصيلة في مفهوم الديمقراطية، ولكنها قد تشكل حالة خاصة تتعلق بإسلوب تشكيل الحكومة، تقتضيه ظروف وشروط مرحلية، يفترض فيها أنها تحول دون إنتهاك المعطيات الجوهرية للديمقراطية، إذ بخلاف ذلك قد تتحول التوافقية الى نقيض للديمقراطية!
في مقال سابق عرضنا المعنى الأصيل للديمقراطية ببعديها الشكلي والجوهري* (انظر العدد الأول من جريدة التيار الديمقراطي)، ولسنا هنا بصدد إعادة العرض، فالديمقراطية، بمعناها الأصيل، تعني الحكم من قبل الشعب ومن أجل الشعب، فالشعب يختار ممثليه، وهؤلاء يشكلون الحكومة، عادة، بالأغلبية، وهناك توزيع وتوازي للسلطات الثلاثة؛ البرلمان، والسلطة التنفيذية، والقضاء المستقل عنهما. ولكن جوهر الديمقراطية يقوم على أساس المواطنة وتساوي المواطنين في الحقوق والواجبات، بغض النظر عن إية هويات فرعية تخص جنسهم أو أثنيتهم أو مذاهبهم أو اديانهم. كما تقوم الديمقراطية من حيث الجوهر على صيانة الحريات الكاملة، الفردية والجمعية، وتتسم بالشفافية والنزاهة وإختيار الرجل المناسب للعمل المناسب، وعلى أساس الكفاءة والمواطنة فقط، وليس على أي أساس آخر. ولكن، لكي تنجح الديمقراطية، بمعناها الأصيل، يقتضي توفر عدد من الآليات والنظم السياسية الموازية. إذ لا يمكن أن تكون الحكومة المنتخبة ديمقراطيا، عن طريق البرلمان، فاعلة وبمستوى مسؤولياتها إذا لم تتشكل الحكومة فيها بأغلبية واضحة، وبوجود معارضة دستورية واضحة أيضا. ولكن الأغلبية قد لا تتحقق في برلمان جاء ممثلا لنظام حزبي متجزأ وقائم على أساس التنوّعات والفوارق المناطقية والدينية والأثنية والمذهبية. هنا سيغلب التنازع الفئوي على حساب إستقرار الحكومة وتمكينها من تنفيذ برنامجها الذي قبلته الأغلبية. وحينما يكون الناخبون مفتتين بين خيارات تقدمها أحزاب وتحالفات قائمة على أساس التميزات المذهبية والعرقية، وليس على أساس برامج وطنية شاملة لإعادة بناء البلاد ولحسن إستغلال الموارد ولتحقيق تنمية حقيقية، حيث يجب أن تنفذ البرامج تحت رقابة معارضة بناءة، واجبها أن تفحص بنود البرنامج الحكومي وتنقده بموضوعية وبمسؤولية وطنية، وليس بأساليب التدليس وتشويه الحقائق. وعليه، فإن من شروط تطبيق الديمقراطية بنجاح هو أن يتوفر نظام سياسي يقود الى عملية سياسية على أساس برامج وطنية واضحة للأحزاب والإئتلافات والجماعات السياسية، و ليست برامج مبنية على أساس مصالح جزأية ومناطقية أو قبلية و على أساس التنوعات الدينية والمذهبية والعرقية، حيث سيؤدي مثل هذا الواقع المتخلف، كما شهدنا ونشهده في العراق، منذ سقوط النظام الإستبدادي السابق في عام 2003 ، الى تعذّر تشكيل حكومة أغلبية، مما يضرب إسفينا في إستقرارها، ويخرب تركيزها على تنفيذ برامجها. كما أن نظاما كهذا سيضرب كل الأساسيات الجوهرية للديمقراطية، كالتعامل على أساس المواطنة، وحريات التعبير، والشفافية والنزاهة وإختيار الرجل المناسب للعمل المناسب على أساس كفائته، وليس على أساس أثنيته أومذهبيتة أو جنسه.
ولكنه من غير المؤكد أو حتى الغالب أن تفضي الإنتخابات العامة الى تشكيل حكومة أغلبية، فهنا لابد من تشكيل حكومة إئتلافية، قد تُسمى بتسميات مختلفة، كحكومة شراكة وطنية، أو حكومة وحدة وطنية الى غير ذلك من التسميات الرنانة. وبغض النظر عن التسميات فإن هذه الحكومة ستقوم على أساس المحاصصة والنسب والتسويات التوفيقية. والغريب في مثل هذه الحكومات أن جميع الأطراف المنتخبة في البرلمان تريد حصة فيها بغض النظر عن مقدار الإتفاق والإنسجام في البرنامج المعلن، كبرنامج حكومي! بكلمة أخرى، لا يفكر ولا يعمل طرف سياسي، ليس لدية أغلبية، على التفرغ لتولي المعارضة البناءة؛ فالكل يريد له حصة في الحكومة، والإحتفاظ بحقه بمعارضتها في آن واحد؛ لقد سمى البعض هذا النوع من تشكيل الحكومات في العراق بديمقراطية توافقية!؟
ما يسمى بالديمقراطية"التوافقية" لا يتعلق بجوهر الديمقراطية، إنما بشكلها، اي بالتوافق على تشكيل حكومة إئتلافية، نظرا لتعذر تشكيل حكومة أغلبية ذات برنامج مدروس وواضح، فالتوافقية هنا تتعلق بإسلوب تشكيل الحكومة وليس بجوهر أو مضمون الديمقراطية، لكن شكل الحكومة قد يؤثر سلبا على جوهر الديمقراطية. وهناك ضوابط عديدة لمنع إنتهاك جوهر الديمقراطية عند تشكيل حكومة إئتلافية. ومن هذه الضوابط نذكر ما يلي:
1. أن يكون المؤتلفون في تشكيل الحكومة من كافة الأحزاب والأطياف متوافقين على تنفيذ برنامج مدروس وواضح خلال سنوات الحكم المباحة بالإنتخابات العامة؛
2. أن المؤتلفين يتساوون في تحمل المسؤوليات والواجبات، أي هم مسؤولون بالتكافل عن تحمل الفشل والأخطاء في تنفيذ البرنامج، ولايجوز أن يتنصل أحد منهم عن المسؤولية التضامنية. أي لا يمكن لطرف يشارك في الحكومة ولكنه يعارضها في ذات الوقت. في هذه الحالة على هذا الطرف أو ذاك أن يستقيل من الحكومة ويتفرغ للمعارضة؛
3. أن يترفع كل طرف عن الأصرار على المطالبة أو العمل على تحقيق مصالح فئوية أو عرقية أومذهبية أو مناطقية، وان لا يتدخل في التعيينات والمناصب على أساس ما قد يسمونه بالحق "التحاصصي"!
4. ويُفترض أن تُراقب الحكومة وتحاسب في البرلمان على أساس أداءها، بدون إنحياز أو ولاءآت فئوية ضيقة. أي أن تكون المصلحة العامة والمشتركات الوطنية هي الهدف العام المشترك؛
5. أن يجري إحترام جميع الأساسيات في جوهر الديمقراطية، من صيانة الحريات الى حقوق الإنسان، الى حق التعبير عن الرأي والإجتماع والتظاهر، وغيرها من الأساسيات التي تشكل جوهر الديمقراطية؛
6. أن تمتنع الأطراف المشاركة في الحكومة من عرقلة تنفيذ البرنامج الحكومي أو إفشاله، كما يجب أن تتوقف عن صراعاتها الفئوية التحاصصية الضيقة والمؤدية للإنقسامات وتضييع الوقت وهدر الموارد.
إذا ما تم وضع ضوابط كهذه وتم فعلا الإلتزام بها، فليس هناك ما يمنع من تشكيل حكومة إئتلافية في ظروف بلد كالعراق. في هذه الحالة ستكون "التوافقية" ذات طبيعة مرحلية، لحينما تنضج الأحزاب والمجموعات، فتنهض من جهة، بالوعي الديمقراطي، وتعمل على تطوير برامج وطنية عامة وشاملة لكل العراق، بعيدا عن الفئوية والطائفية والمحاصصة، من جهة أخرى.
ومما يذكر فان تشكيل الحكومات الإئتلافية في بعض الدول الديمقراطية المتقدمة، يصبح ضرورة وطنية في حالات الحروب والكوارث، لكي تتحد الأمة كلها في مثل هذه الظروف، كما حصل لبريطانيا في الحرب العالمية الثانية، إذ تولى السيد ونستن تشرشل الحكومة الإئتلافية، وهو في وقتها كان قد جاء من حزب الأحرار الذي لم تكن له أغلبية في ذلك الزمن. كما نشهد اليوم تشكيل إئتلافات حكومية دون أن تمس بجوهر الديمقراطية، كما في هولندة في أوربا وفي الهند في آسيا، إذ اصبح هذا ألأمر مباحا ومألوفا، ولكن سر نجاحه، عموما، وإن لم يخلو من تعثرات، يكمن في إستناده الى التوافق على برنامج إنتخابي موحد وقائم على أساس المشتركات الوطنية وليس غيرها، يجري تنفيذه بروح من المسؤولية التضامنية.
لو درسنا حالة الديمقراطية القائمة على حكومات تتشكل إئتلافيا في العراق اليوم، لوجدنا العجب العجاب في ضؤ ما تم سرده من ضوابط ومعايير لازمة للحفاظ على تطبيق جوهر الديمقراطية. فكيف يمكن تحقيق إستقرار يكفي لإعادة بناء العراق، و الحال اليوم هو أنه لم يتبق من عمر الحكومة الحالية أكثر من سنتين، وهي لا تزال غير مكتملة في تشكيلها، ولم تنفد من مشاريعها أكثر من عشرين في المائة، ولا تزال الصراعات على المناصب والمصالح والنفوذ ضاربة أطنابها، وكل هذا أفضى ويفضي الى إنتهاك جوهر الديمقراطية، فضلا عن تغييب الإستقرار وهدر الموارد وبالتالي إمتهان الإنسان العراقي في التحليل النهائي.
د. كامل العضاض
19 مايس، 2012








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قوات الاحتلال تخرب محتويات منزل عقب اقتحامه بالقدس المحتلة


.. بلينكن: إسرائيل قدمت تنازلات للتوصل إلى صفقة ونتنياهو يقول:




.. محتجون أمريكيون: الأحداث الجارية تشكل نقطة تحول في تاريخ الح


.. مقارنة بالأرقام بين حربي غزة وأوكرانيا




.. اندلاع حريق هائل بمستودع البريد في أوديسا جراء هجوم صاروخي ر