الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اصابع الحنه الى وطني

فهد محمود

2005 / 1 / 31
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


كان في دوامة التفكير وهواجس متعددة تراوده منذ ان فاق ذهنه على السياسة , لكن هذا الصباح انتابه القلق دون ارادة ذاتية رغم ان امره قد حسم منذ ان وضع الامنية في دائرة الحلم , استيقظ مبكراً كعادته رغم ضجيج المعامل في اليوم السابق وإرهاق الآلات والأفران ذوات الحرارة العالية وطرق المعادن والإشراف على الورشة الكبيرة بأقسامها المتنوعة , حيث يشغل هو المساعد الأول لرئيس القسم , نعم استيقظ في يوم عطلي جميل , لكنه يوم استثنائي في حياته , انه ذاهب يحمل صوته الى حيث يجب , انتبه إلى عقارب ساعته تتحرك انتباهه غير طبيعية وكأنما يريد القول , نعم سأسبقك أيتها العقارب الساعة اللعينة , هذه المرة لن ادعكِ تتنفسين الصعداء , فأنا في موعد مع القدر ,كان يسمع أجراس الكنائس ومآذن بيوت العبادة من عقارب الساعة تدق وتعلن إيذانا بالحدث اللامعقول في التاريخ العراق السياسي بعد عقود من الكبت والحرمان والاستخفاف بالعقل العراقي من لدن الدكتاتوريات القومية ومن أصحاب البطولات الوهمية والادعاءات الكاذبة بالدفاع عن الوطن والامة , فيما تثبت الأحداث بان الوطن والامة والقومية بأشكالها المتنوعة براء من هؤلاء المجرمين , قتلة الشعب العراقي على مر العقود , ومن اؤلئك الذين يذرفون الدموع على فقدان بطلهم القومي والمجاهد بين القصور السيادية في زمن جياع أطفال العراق والشجاع المقدام في بناء المقابر الجماعية والسجون والمعتقلات المرئية والمخفية .

نعم لقد آن الأوان لأصحاب المقالات ( لنواجه الشعب بما هو مشترك ) أن يطهروا أياديهم الملطخة بعار خيانة مصالح الشعب والوطن وان يلتحموا بالجموع الزاحفة لحناء أصابعهم لرسم الأحرف الأولى لبناء عراق جديد , عراق المؤسسات الدستورية , عراق التأخي , عراق الفيدرالية والمحبة بين أطيافه الجميلة المتناسقة , نعم آن الأوان للذين نفخوا ونفخت بهم الدكتاتورية القومية , أن يعتذروا لأطفال ونساء وشيوخ وشباب العراق , آن الأوان للعودة إلى جادة الصواب , فبناء العراق لن يتم إلا على أيادي الشرفاء من الوطنيين الذين ناضلوا لعقود من الزمن , من اجل وطن حر وشامخ وشعب متسامح ومحب وسعيد لـتأريخه الحافل بالأمجاد من الانتفاضات والوثبات ضد الاستعمار والرجعية .

استفاق من تفكيره المتشعب وهو قد وصل إلى تجمع العراقيين , إلى حيث العرس العراقي , نعم سيبدأ الاحتفال بعد بضع دقائق , تمعن في الوجوه الباسمة , الوجوه متنوعة من حيث المنشأ القومي والعرقي والاثني والمذهبي , الا ان تلك الوجوه تشابهت في التفكير لحظتها , ارتفعت الأصابع لتنادي , نعم سأضع إصبعي في الحناء لنرسم عراق جديد .

اخذ مكانه في الجموع الذاهبة إلى حيث المركز الانتخابي , حناجر تهلهل والأخرى تنشد موطني .. موطني .. الجلال والجمال والسناء والبهاء في رباك ...
هل أراك .. هل أراك
سالماً منعما وغانما مكرما ً ...

والأخرى تنشد لقائمة الجياع , لقائمة الشهداء , لقائمة " لا للطائفية .. نعم للتآخي " , لقائمة " وطن حر وشعب سعيد , لقائمة اتحاد الشعب .

دخل ذهنه في عالم وفي زمن قد اصبح من الماضي , لكن الماضي المليء بالتضحيات والنضال والكفاح من اجل أن يكون للإنسان قيمته الحقيقية , استفاق ثانية على صوت الموظفة المسؤولة عن تدقيق الاسم وطلبت منه أن يضع إصبعه في الحبر المخصص للتصويت , نظر باستغراب عجيب إلى إصبعه , هو ذا يقرر رسم العراق , تذكر أمه وهي ترقد في قبرها , وكأن صوتها ينادي ضع إصبعك في المدد يا بني , فأنا من ضحايا النظام البائد , انتظرتك لهذا اليوم , أنت والملايين من أمثالك كفوئين لرسم الخارطة السياسية الجديدة , أتاه صوت الموظفة مرة أخرى هنا ضع إصبعك وهناك استلم بطاقة التصويت , لم يبالي بصوتها بل عاد إلى ذاكرته , الشهيد أبو شهدي البصراوي , الشهيد أبو سحر الجنوبي , الشهيد خضر كاليل الكردستاني , الشهيد سعدون الكر بلائي والشهيد أبو فرات الفراتي الاوسط , حاول أن يتذكر كل الشهداء في لحظتها , لكن صوت الموظفة داهمه من جديد ضع علامة " صح " أمام القائمة المفضلة لديك .

دون أية مقدامات اتجه إلى قائمة " اتحاد الشعب " ليضع قبلة قبل علامة " صح " أمامها , وبهدوء متناهي اتجه صوب الصندوق ليضع البطاقة والقبلة سوية ً إلى حيث يجب , والتفت إلى إصبعه مخاطباً إياه , بعد رفعه الى الهواء ونادى بصوته :

إليك يا أمي حيث ترقدين بهدوء رغم انفجارات المجرمين القتلة .....

إليك يا وطني حيث جمالك السومري الرائع .....

إليكم يا شهداء الشعب والوطن , يا شهداء الحزب الشيوعي العراقي ...

إليكم يا شهداء الحركة الوطنية العراقية .....

إليكم يا أطفال بلدي الجياع .......

إليك يا عراق .....

إليكم جميعا اهدي إصبعي المحنا يه وقبلتي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة بعد الحرب.. قوات عربية أم دولية؟ | المسائية


.. سلطات كاليدونيا الجديدة تقرّ بتحسّن الوضع الأمني.. ولكن؟




.. الجيش الإسرائيلي ماض في حربه.. وموت يومي يدفعه الفلسطينيون ف


.. ما هو الاكسوزوم، وكيف يستعمل في علاج الأمراض ومحاربة الشيخوخ




.. جنوب أفريقيا ترافع أمام محكمة العدل الدولية لوقف الهجوم الإس