الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرامية على -الطريق-

إبراهيم منصوري

2012 / 5 / 19
كتابات ساخرة


إنهم مجموعة من الحرامية يعيشون في مدينة يقال لها المدينة الحمراء. مهمتهم امتصاص الدم الأحمر الساري في عروق من دفعهم الإرهاق ومشاكل الدنيا الفانية إلى التجمع كل عشية لاحتساء كؤوس نبيذ وجعة داخل تلك العلبة الضيقة بالقرب من دار سينمائية مشهورة في المدينة الحمراء. اختير لتلك العلبة الوسخة اسم "الطريق" باللغة الإيطالية، وهو اسم يليق بها إلى حد كبير ما دام مسيرها وكثير ممن يشتغلون معه أقرب في تصرفاتهم مع الزبناء إلى "قطاع طرق" أو "بانديتي ديلا سترادا" بلغة موسيليني وبرليسكوني.

اسم كبير أولائك الحرامية ربما يكون "العدواني" أو "السماوي" أو "العلاوي". من الصعب حفظ اسمه لأن ألسنة الزبناء تكون عادة ثقيلة وملتوية عندما ينادونه باسمه ليطلبوا مزيدا من القوارير المسكرات أو "القوارير" الآدميات. لكل الأسماء الثلاثة معنى؛ فإن كان اسم رئيس الحرامية هو "العدواني" فهو اسم على مسمى لأن أهم سماته العدوانية الجامحة، وإن كان اسمه "السماوي" فلأنه مزهو بنفسه ومتكبر على الجميع كأن هالته تتجاوز السماء بل وكأنه سماء ما طاولتها سماء؛ وإن كان اسمه "العلاوي" فلأنه يتعالى على الزبناء ويعيش على أموالهم التي يسلبها إياهم في كل حين.

حرامية "الطريق" معروفون من كبيرهم إلى أصغر صغيرهم إلا أن الجميع يعرف من بين خدام تلك العلبة أناسا شرفاء وما أقلهم. هؤلاء الشرفاء معروفون بقناعتهم بما يجود عليهم الزبناء من دريهمات ولا يرضون أن يسلبوا الناس أموالهم. إلا أن تخصص أغلب الخدام ومعهم كبيرهم هو سلب ونهب الآخرين من السكارى والصحاة على حد سواء.

تتفنن شرذمة "بانديتي ديلا سترادا" في السرقة الموصوفة في علبة ضيقة غاصة بالقوارير المسكرات و"القوارير الآدميات" والسكيرين الشريبين. في تلك البيئة المقززة، تتعالى الأصوات وتشرب الكؤوس تباعا والسكيرون الشريبون ينادون بأعلى أصواتهم: "رفقا بالقوارير !". تتواصل السرقات وينزل النهب بثقله داخل علبة "الطريق" وبمباركة من السيد "العدواني" أو "السماوي" أو "العلاوي"، كبير "قطاع الطريق" أو "بنديتي ديلا سترادا"، وفي بلد يصبو إلى جلب أكبر عدد من السياح المحليين والأجانب لأنه لا ينتج النفط ولا يملك أسباب التصنيع ولا يعرف كيف يثمن إمكانياته المادية والبشرية.

تنتهي كل ليلة فيحوم حرامية "الطريق" حول زعيمهم لحساب غنيمة اليوم. تقسم الغنيمة بين الحرامية وفق أهمية كل واحد منهم في الشرذمة، فينال الزعيم حصة الأسد ثم يخرج ليمتطي سيارته الفارهة شاقا طريقه نحو بيته العامر وهو يرفل في حلته القشيبة. ينزل الزعيم من سيارته الفخمة والمؤمنون خارجون للتو من المسجد بعد صلاة الفجر. يحييهم أحسن تحية ثم يلج جحره الأنيق ليخلد إلى النوم في انتظار ليلة جديدة وغنيمة جديدة. أما السكيرون الشريبون ممن تبقت لديهم بعض المليمات فينتشرون في المطاعم الشعبية لتناول وجبات من الفول المزيت أو أحشاء وحوافر الماشية في انتظار الخلود إلى النوم.

يستيقظ السكيرون الشريبون قبيل أذان المغرب ثم يتجهون أفرادا وزرافات إلى حيث يرتوون سكرا من جديد. منهم من يعاود الالتحاق بعلبة "بنديتي دي لاسترادا" رغم تعرضهم للسلب والنهب فيها ومنهم من يغير المكان لعله يجد خداما لا يسلبون ولا ينهبون، إلا أن القاسم المشترك بينهم هو اعتقادهم أجمعين أنهم بمعاودتهم للشرب، إنما يسعون إلى إزاحة ما يسمونه بالثمن الشرابي (Drinking Eighth)، أي الثمن المتبقي من دوخة الليلة السابقة. وهكذا، فمنذ الكأس الأولى في حياتهم، يعتقد هؤلاء السكيرون الشريبون أنهم كلما قرروا الشرب فلأنهم يودون إزاحة الثمن الشرابي. إن أول خلاص لهؤلاء لفي الابتعاد عن شرذمة "بنديتي دي لاسترادا" التي تستغل ضعفهم وتسلبهم أرزاقهم. أما قطاع علبة "الطريق"، إذا كان لهم ضمير يؤنبهم، فلن يزاح لهم ثمن مهما شربوا ومهما ارتووا....يا سكيري العالم، كفاكم شربا، وإذا ابتليتم فاجتنبوا علبة "بنديتي دي لاسترادا".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هؤلاء أعرفهم
علي الغندوشيان ( 2012 / 5 / 24 - 17:17 )
قطاع الطرق هؤلاء أعرفهم منذ زمن بعيد. إنهم حرامية الأسترادا؛ وقد وصفتهم أحسن وصف في القصة. مع أحلى التحيات والتشكرات


2 - Thieves
سليمان العندليب ( 2012 / 5 / 24 - 17:26 )
This is the worst pub in that city. Its a thieves pub: a Strada for thieves.

اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل