الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حمدين صباحى هو الحل

هانى جرجس عياد

2012 / 5 / 20
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


ثلاثة عشر مرشحا فى أول انتخابات رئاسية مصرية، لا يعرف أحد نتيجتها مسبقا، منذ إعلان الجمهورية عام 1954. لم يتوقف أحد كثيرا أمام دلالة هذا الرقم (13 رقم الشؤم)، ربما لأن بين المرشحين من هو أقرب ما يكون إلى الماء، بلا لون ولا طعم ولا رائحة، يختلفون عن الماء فقط فى كونهم بلا ضرورة أيضا، هكذا يتقلص العدد إلى ما دون رقم الشؤم، وبما يتيح لنا التخلص من أسر التشاؤم والتفاؤل، لنتأمل بقدر أكبر من العقلانية والهدوء.
بيد أن ذلك لا يعنى أن لدينا بين من تبقى مرشحين فرس رهان حقيقى اكتملت فيه كل صفات مرشح الثورة، بل تحن أمام نماذج يفتقد كل منها جزء لا يستهان به من المقومات المطلوبة لرئيس (مصر 25 يناير)، لكننا فى نفس الوقت لا نملك سوى الاختيار من بين المعروض أمامنا حصرا، وبالتالى لا يعود أمامنا سوى الاختيار بين المعسكرات وليس بين الأشخاص.
ينتمى فرسان السباق الرئاسى إلى ثلاثة معسكرات واضحة العالم حادة التقاطيع، معسكر الدولة الإسلامية، ويمثله محمد مرسى ومحمد سليم العوا، ثم معسكر نظام الرئيس المخلوع ويمثله أحمد شفيق وعمرو موسى، ثم معسكر الثورة، بدرجات انتماء متفاوتة، ويمثله حمدين صباحى وخالد على وهشام البسطاويسى وأبو العز الحريرى، ثم مرشح واحد يتأرجح ما بين معسكرى الدولة الإسلامية والثورة، وهو المرشح القوى الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح.
حتى وقت قريب مضى كنت أقرب إلى أبو الفتوح (المرشح المتأرجح)، شرط أن يتنازل له مرشحو الثورة بموجب اتفاق واضح يضمن طبيعة الدولة المدنية الديمقراطية، التى تصون وتحترم الحريات كل الحريات، وتقف على مسافة واحدة من كل الأديان ولا ترتبط فيها المواطنة بالدين، دولة يضمن فيها المصرى كل حقوقه بصرف النظر عن انتماءه الدينى، مهما كان.
وكان الدكتور أبو الفتوح قد كتب فى برنامجه الانتخابى عما أسماه «دولة مدنية ديمقراطية حديثة منطلقة من الشريعة الإسلامية"»، فى ربط غريب وقسرى بين «مدنية» الدولة والشريعة. وفى المناظرة الباهتة التى جرت بينه وبين عمرو موسى أجاب أبو الفتوح عن سؤال حول طبيعة الدولة التى يسعى لبنائها إذا ما فاز فى الانتخابات، متجاهلا تماما كلمة «مدنية» بحديث طويل عن الديمقراطية وتداول السلطة، تماما مثلما يقول مرشحو المعسكر الإسلامى، ليكشف لنا –ربما عن غير قصد- أن الدولة المدنية التى تنطلق من الشريعة، حسبما جاء فى برنامجه، هى فى الجوهر دولة الشريعة التى يسعى لبنائها محمد مرسى ومحمد سليم العوا، وربما لذلك حظى الرجل بتأييد حزب الوسط الذى يتحدث فى برنامجه عن «دولة مدنية بمرجعية دينية». فالانطلاق من الشريعة عند أبو الفتوح أو المرجعية الدينية عند حزب الوسط كلاهما كفيل بنسف أسس الدولة المدنية التى يشيران إليها، ويعيدنا قسرا إلى مربع دولة الشريعة.
وكذلك لا يعود أمامنا سوى معسكر الثورة وحده، رغم ما به من مثالب.
أول ما يلفت النظر هنا أن مرشحى الثورة هم الأكثر عددا (أربعة مرشحين)، فى تجاهل تام لحقيقتين يصعب عنهما أو القفز فوق أى منهما، الأولى أن أصوات مؤيدى هذا المعسكر مجتمعة ربما لا تكفى لإنجاح مرشح واحد، والثانية أن معظم مرشحى الثورة، باستثناء حمدين صباحى، ليست لديهم أى فرص حقيقة فى النجاح (وهى حقيقة لا علاقة لها بتقييمنا للمرشحين الآخرين أو رأينا فيهم)، ووجود هؤلاء يضعف بالضرورة من فرص المرشح الأقوى بينهم (حمدين)، وبما يصب فى النهاية –أردنا أو لم نرد- لصالح أحد المعسكرين الآخرين، الإسلامى بما فيه الدكتور أبو الفتوح أو المباركى، أو لكليهما معا، لنجد أنفسنا –فى أحسن الأحوال- أمام انتخابات إعادة علينا أن نختار فيها بين الديكتاتورية الدينية والديكتاتورية البوليسية.
الذين يتجاهلون خطورة تفتيت أصوات معسكر الثورة يقولون إنهم يبنون تراكما انتخابيا، فالذى يحصل فى هذه الانتخابات على 10% مثلا من الأصوات سوف يحصل بالضرورة على أكثر من ذلك فى الانتخابات القادمة، ويتخذون من تجارب انتخابية فى فرنسا والولايات المتحدة نموذجا، حيث يخوض الانتخابات الرئاسية هناك مرشحون لا يحصلون على أكثر من هذه النسبة (10% من الأصوات)، وهو تشبيه غريب ومثير للدهشة، فالدول التى يتطلعون إليها أصبحت دولا مستقرة، لم يعد مطروحا للنقاش فيها قضايا من نوع طبيعة الدولة أو مفهوم الديمقراطية أو معنى حقوق الإنسان، ولا يوجد فيها «سقف» للحريات يحيلها إلى زنزانة، بينما مصر الآن دولة فى حالة سيولة، كل هذه القضايا مازالت موضع نقاش، وهى حالة لا تحتمل التجريب على الإطلاق، وليس بها متسع لهوامش ترف من نوع «بناء تراكم انتخابى»، وربما تكون الانتخابات القادمة هى أول وأخر انتخابات لا يعرف أحد نتيجتها مسبقا.
لا يضير خالد على وأبو العز الحريرى وهشام البسطاويسى الاعتراف بالواقع والالتفاف حول حمدين صباحى، حتى وإن لم يكن حمدين أفضلهم، لكنه بالقطع أكثرهم شعبية، وهذا الموقف سوف يضيف بالضرورة لقامة وقيمة كل منهم.
صحيح أننا فى اللحظات الأخيرة قبل إسدال الستار، لكن الوقت لم يفت، حتى وإن تصور البعض أننا دخلنا فى «الوقت الضائع»، بلغة كرة القدم، فالوقت الضائع هو دائما الفرصة الأخيرة، والهدف الذى يأتى فى هذا الوقت يصعب تعويضه.
تبقى كلمة «طائفية» أخيرة إلى المسيحيين الذين يهربون من نيران دولة المرشد إلى رمضاء دولة مبارك:
تذكروا أن دولة مبارك هى التى كانت تحمى كل مرتكبى الجرائم بحق المسيحيين، وتذكروا أنه فى دولة مبارك لم تجر محاكمة متهم واحد فى أى قضية «فتنة»، وتذكروا أنه خلال أيام الثورة الثمانية عشر لم يقع حادث واحد ضد كنيسة، لا أقول رغم غياب الأمن لكن بسبب هذا الغياب، فقد كان «أمن العادلى» هو الذى يحمى المجرمين، إن لم يكن هو المحرض أيضا، وتذكروا أن هناك شبهات قوية حول دور العادلى شخصيا فى تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية، وتذكروا أنه فى ظلال دولة مبارك ارتفع صوت البوم الناعق بالطعن فى العقائد المسيحية والسخرية منها، سواء فى وسائل الإعلام «القومية»، أو على الأسطوانات المضغوطة التى انتشرت على الأرصفة، دون أن يقترب منهم «أمن مبارك»، بل لعله كان يحميهم. ثم تذكروا قبل كل هذا وبعده أن مخاطر دولة المرشد لا تتهددكم وحدكم كمسيحيين، وإنما تتهدد الوطن كله، بمسيحييه ومسلميه، بشهادة اختلاط دماء الشهيد مينا دانيال بدماء الشهيد الشيخ عماد عفت بينما كان تلاميذ (البنا-بديع) يقفون إلى جانب عسكر مبارك ويصفون الثوار بمن فيهم مينا دانيال وعماد عفت بالبلطجية المأجورين.
يرفع الإسلاميون شعار «الإسلام هو الحل» ثم يعقدون الصفقات مع عسكر مبارك، وفى مواجهة الاثنين معا، ومن أجل مصر الثورة، ومن أجل دماء الشهداء يجب أن ترفع كل القوى الثورية على اختلاف انتماءاتها ومدارسها شعار «حمدين صباحى هو الحل».








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تبديد وهم شائع سأمنا منه !
محمد بن عبدالله ( 2012 / 5 / 20 - 12:08 )
أوقفتني هذه الجملة بسبب كثرة ترديدها وكأنها أصبحت حقيقة :

(((تذكروا أنه خلال أيام الثورة الثمانية عشر لم يقع حادث واحد ضد كنيسة، لا أقول رغم غياب الأمن لكن بسبب هذا الغياب)))


وليسمح لي أصحاب هذه النظرية بالاختلاف التام معهم في تفسير تلك الظاهرة

أثناء قلب نظام الحكم كان كل تركيز الاسلاميين على ميدان التحرير وعلى تخريب وحرق رموز الدولة من مراكز الشرطة والسجون وخلافه

هذا هو السبب البديهي والوحيد لعدم دخولهم في معارك جانبية من حرق الكنائس وترويع للمسيحيين خاصة وان أول هموم (الثوارالاسلاميين) كان في ترك كل شعار يفرّق ليكسبوا الجولة ثم يكون المسيحيون والليبراليون لقمة سائغة يتمتعون بالتهامها هنيئا مريئا على راحتهم بعد الاستئثار بالسلطة


2 - بشأن حمدين
محمد بن عبدالله ( 2012 / 5 / 20 - 12:27 )
أوافق الأستاذ هاني عياد في ان مجموع ما سيحصل عليه اليساريون الأربع من أصوات قد لا يكفي واحد منهم فقط على النجاح
وقد علّقت على مقال نشر أمس يدعو للتصويت لأقلّهم جماهيرية بأن كل صوت يذهب له ضائع ضائع يا ولدي ويصب في النهاية في صالح اخوان السفليين

أما بشأن حمدين الصدّامي فاليو تيوب ممتلئ بتصريخات وخطب له هنا وهناك يتمنى لو نساها الناس لكننا في القرن الحادي والعشرين وكل خطأ أو موقف سيء مسجّل لا فرار منه
مواقف حمدين إلى جانب صدام ومع القذافي ومع حزب اللات وإلى جانب القاعدة وانتمائه لمدرسة الدكتاتور الذي خرب البلاد تفقده كل احترام


ما العمل إذن ؟

أوافق الأستاذ هاني عياد...ليس بين المرشحين من يستحق عن جدارة ان يحكم

ولأن فرص الاسلاميين والمباركين هي الأقوى إطلاقا فلا مناص من الانحياز إلى أيتام مبارك أي إلى شفيق المتنمّر (من ورق؟) أو موسى الكهل النفعي

أضطرّنا القائمون على أمور الدولة للعودة إلى المباركين رغم كل قذارة عصر مبارك وإلا ستسقط مصر في قرون من الظلام الديني


ملعوبة !


3 - ليس مهما يا أستاذ محمد
هانى عياد - الكاتب ( 2012 / 5 / 20 - 14:48 )
الأستاذ محمد عبد الله لماذا تسميه «وهم شائع» وأكثر من ذلك «سأمنا منه»؟ أنا أتحدث عن نظام كان يحمى المجرمين الذين يرتكبون جرائم ضد المسيحيين، وفى حالات كثيرة كان يحرض عليها، وأنت تتحدث عن الفاعل، عن هذا «المجرم» وترى أنهم الإسلاميون، وسواء صح اتهامك أم لا، فالثابت عندك وعندى أن النظام، الذى يفكر بعض المسيحيين الآن فى إعادة إنتاجه بالتصويت لعمرو موسى أو أحمد شفيق، هو الذى كان يحمى الفاعل-المجرم ويتستر عليه، سواء كان «الإسلاميون» أو غيرهم، وسواء اختفت «حوادث الفتنة الطائفية» أثناء الثورة بسبب انشغال الإسلاميين فى مهام أخرى، أو لا، فالمؤكد أنها غابت أيضا لأن المحرض أو الحامى كان بدوره مشغولا بكيفية حماية نفسه من السقوط، فالمهم يا سيدى أن النظام كان يحمى الفاعل، سواء كان هذا الفاعل هو الإسلاميين أو أى مجرم أخر. أما عن حمدين صباحى فأرجو ألا تخلط بين الدفاع عن حق الشعوب فى اختيار وتغيير أنظمتها وبين تأييد النظام، ففى حالة العراق على سبيل المثال، لعلك تذكر أن شعوب العالم أجمع تظاهرت فى حينه رفضا للغزو الأمريكى للعراق، فهل كان كل هؤلاء يؤيدون صدام حسين؟


4 - إستفسار
عادل الليثى ( 2012 / 5 / 20 - 17:31 )
تذكروا أن دولة مبارك هى التى كانت تحمى كل مرتكبى الجرائم بحق المسيحيين ...

هل كان الأقباط بحال أفضل فى عهد عبد الناصر ونائبه حسين الشافعى قائد النظيم السرى لأسلمة المسيحين ؟ أم فى عصر السادات حين زعق أئمة المساجد بالزاوية الحمراء .. مال المسيحين غنيمة فأتوا به إلى المسجد .. وقد سمعتها بأم إذنى .. غير جرائم قتل ونهب محلات المسيحين ... رجاء ألا تتاجر بقضية الأقباط .. أو تذكر لنا متى نال المسيحين حقهم منذ الغزو الإسلامى


5 - الأستاذ عادل الليثى
هانى عياد - الكاتب ( 2012 / 5 / 20 - 17:57 )
الأستاذ عادل الليثى لسنا بصدد قراءة تاريخ مصر وتقييم الرؤساء الثلاثة الذين حكموها منذ ثورة يوليو، بل بصدد تحذير المسيحيين المصريين من إعادة إنتاج نظام مبارك خوفا من حكم إسلامى، بصرف النظر عما إذا كان نظام مبارك امتدادا لما قبله أم لا، فيما يتعلق بالحريات والعدالة الاجتماعية والاستقلال الوطنى وما إلى ذلك، تلك ليست قضيتنا (الآن وهنا)، وليس من الحصافة إضاعة الوقت –الآن وهنا- فى مناقشتها. وفى حدود ما أعلم فإن أعتى أعداء عبد الناصر الذين بالغوا كثيرا فى رصد أخطاؤه وخطاياه لم يتهم أى منهم الرجل بإثارة الفتنة أو تشجيع التمييز الدينى ضد المسيحيين، ولا أعرف إن كنت تستطيع أن تقدم لنا حالة واحدة لحرق كنيسة أو سطو على محلات مسيحيين وقعت فى زمن عبد الناصر أو تعرض العقائد المسيحية للهجوم والسخرية على صفحات الصحف القومية وفى الاسطوانات المضغوطة الملقاة على الأرصفة. هذه هى قضيتنا الآن

اخر الافلام

.. تحدي اللهجات.. مقارنة بين الأمثال والأكلات السعودية والسورية


.. أبو عبيدة: قيادة العدو تزج بجنودها في أزقة غزة ليعودوا في نع




.. مسيرة وطنية للتضامن مع فلسطين وضد الحرب الإسرائيلية على غزة


.. تطورات لبنان.. القسام تنعى القائد شرحبيل السيد بعد عملية اغت




.. القسام: ا?طلاق صاروخ ا?رض جو تجاه مروحية الاحتلال في جباليا