الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار سريع مع الموت

باسل سليم

2005 / 1 / 31
الادب والفن


إلى آدم كاتاجيري وعالم لا يتسع لحلم .

الليلة أدخل الثلاثين وتدخل في بهاء مظلم إسمه الموت ... هل للموت مراحل كالعمر ?? هل ندخل الموت يافعين مفعمين بالدهشة .. ثم نحلم بأن نكبر متطلعين إلى عالم الكبار .. ثم ندرس ونتعلم الحلم عن الحياة ومشاريعها ممن يفترض أنهم أكثر خبرة ...ثم نتناسل ونكبر لنهرم .... ثم !!! ثم ماذا ؟ ماذا يلي الموت ؟ موت آخر لا نهائي .. حياة آخرى ندخلها أطفالا رضعا من جديد لنكبر في دورة أبدية من الموت والحياة ...
لا أعرف ... الليلة أدخل الثلاثين وتدخل مرحلة لا ندرك كنهها نحن الاحياء في رحاب الموت ... هل تكبر هناك كما كنت تكبر معنا على الارض ؟ هل توجد بلاد مليئة بالثلج تخرج منها باحثا عن أفق لا نهائي من الحب والمغامرة والشمس كما فعلت في الحياة عندما رحلت في العشرين الى أوروبا على دراجة ( لا أعرف نارية أم هوائية ) ؟ هل ستبحث عن فتاة أحلامك بعيدا عن نساء الشمال الباردات كما فعلت على الأرض ؟ هل تذهب في رحلة مغرقة في الأمل والتعب إلى بلاد مثل بلادنا مليئة بالشمس والرمال والتخلف والضجيج ؟ هل تستطيع أن تستأجر غرفة في العالم الآخر في مدينة لنفترض أن أسمها عمان يطلب منك صاحب الدار فيها أن لا تحضر "بنات " إلى الغرفة متفاجئا من هذا الطلب لأنك قادم من بلاد لا تضع حدود على دخول البيت أو على الزائرين ؟ أم ستكون على معرفة بهذه المطالب من خبرتك السابقة على الأرض في مدينة أحببتها ولا أعرف لماذا ؟؟ هل سيكون لديك جيران يحدقون فيك " على الطالعة والنازلة " مستغربين قدومك من بلاد الله الواسعة واصفينك بالتأكيد بالجنون فمن يترك جنة الله على الارض "كندا" ويأتي ليعيش في بلاد البدو والكسل والانتظار ؟؟ وهل تستطيع الطيران في العالم الآخر كما فعلت في عمان أم أنه في العالم الآخر يوجد واسطات ومحسوبيات ومشاريع وعود بالعمل عليك الانتظار فيها أشهر كي تحلق بعدها في سماء الصحراء ووادي رم في العالم الآخر المفترض؟؟
هل سيفهم عليك سكان العالم الآخر عندما تتحدث عن شغفك بالحياة وكيفية دراستك لكتب الطيران لساعات بينما الآخرون في العالم الآخر الذي يشبه عالمنا مشغولون بحرب في بلد قريبة تبرر لهم كل أشكال الكسل وتأجيل العمل والتهرب من الواجبات الملقاة عليهم، يفلون الوقت بالسجائر والتحديق في الأخبار وتبادل الرسائل على الموبايل ؟؟
هل سترحل في العالم الآخر من بيت لبيت ومن غرفة لغرفة باحثا عن أستقرار لن تجده إلا في موت آخر أو حياة أخرى لم تعطك سابقتها الفرصة لصناعة حلم واحد فيها ، حلم أقصر من وقت كتابة قصة قصيرة للأطفال ؟؟
صديقي آدم !! عشت حياتك كما تحب واستمتعت بها إلى ابعد درجة لم يفكر معظمنا فيها ولم يتجرأ أجرأ الجريئين منا على فعلها ومت كما أحببت !! هل أحببت موتك أم أنني أخترع قصة لتمنية الذات والضحك على الزمن المتعثر في أحلامي ؟؟
لو أنتظرت قليلا كي أعود وكي نتابع النزول من درجات جبل عمان قبل الفطور في رمضان الذي تصر على صومه كي تقنع الزملاء في عملك أن الصيام ليس بحجة لعدم العمل؟ لو أنتظرت قليلا كي نفطر في نفس المطعم الذي يعد "صواني اللحمة" بالفرن ، ثم نذهب إلى مقهى "الجامعة العربية" أو مقهى الأعلام وتبحث عن علم كندا بينها، وتطلب زهورات وتشرب الماء "اللي من الحنفية " ونتحدث عن البنوك وعن سهولة سرقة بنك في الأردن ونضحك كالصغر من خبث خططنا ، لو أنتظرت قليلا كي نعيد الكرة مرة أخرى وعندها لن اضطر لشرح الديمقراطية العربية فستكون قد استوعبتها على الاصول ، عندها لن أحدثك عن الفقراء في البلد فقد اصبحت واحدا منهم بجدارة ، ولن أضطر لشرح كيفية أخذ سرفيس للعودة الى جبل عمان فستكون قد تعودت على صعود الدرجات للتوفير ، لو أنتظرت قليلا ، سنة واحدة فقط ، كي نعيد ترتيب الاحلام المؤجلة ، عندها ستفهم ولعي باللغة العربية التي تعلمت الكثيرمنها في وقت قصير مثيرا استغراب العرب المتحدثين بلغة أنجليزية أكثر طلاقة من الانجليز ، عندها سأعود لأصبح من سكان بيت الاشباح الذي سكنا فيه والذي طالما بررت لك عدم مبيتي فيه بحجج واهية لا استطيع الآن الحديث عنها فأنت في العالم الآخر ولا بد أنك تفهم ما أقول ..
لو أنتظرت قليلا ، كنت دخلت السابعة والعشرين وكنت أرسلت لك شمعة أخرى ذات رائحة أجمل مع رسالة باهتة ، كنا أطلنا الحديث ساعة، ولم نتكل على لقاءات لن تجيء إلا في العالم الآخر وكنت أقنعتني بجدوى العالم الآخر ، لو انتظرت قليلا كنا تسلينا على صورك المنشورة في الجرائد والانترنيت وضحكنا على الكلمات التي وصفوك بها وعلقنا على " العجقة " التي وضعت فيها المسؤلين واستنتجنا أن "الغباء بحار" وأن الذكاء "نحصل عليه بالقطارة" نحن بني البشر ...
لو أنتظرت قليلا .. لكان الحلم أتسع قليلا .. ولربما عدت بمزيد من الفرح والأمل ...
الليلة أدخل الثلاثين وتدخل في مرحلة لا يعرفها سواك .. الليلة اقترب من الموت دون أن أجروء على التحليق مثل تحليقك الجريء.. والليلة تدخل القلب من أوسع أبوابه وتطلب الشاي ونتسامر عن الموت والناس وصوت الباعة الذي لا يهدأ والوجبات الرخيصة وأقرب الطرق الى الموت وعن أجرة الشهر ومراسم الزفاف العربي وعن الاسلام وصوت الموذن والالحاد والغسيل والاقتصاد الاشتراكي وجرار الغاز وعن "قلن الميه" وعن الرأسمالية والتدفئة ..وأجرة السرفيس و"سقف السيل" وكيفية نقل الأثاث الرخيص وعن ترتيب البيت والكثير الكثير من الاحاديث لو أنتظرت قليلا ...
فالليلة تدخل القلب، والليلة أدخل الثلاثين








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب لأحمد السقا يحصد 22.4 مليون جنيه خلال 10 أيام عرض


.. ريم بسيوني: الرواية التاريخية تحررني والصوفية ساهمت بانتشار




.. قبل انطلاق نهائيات اليوروفيجن.. الآلاف يتظاهرون ضد المشاركة


.. سكرين شوت | الـAI في الإنتاج الموسيقي والقانون: تنظيم وتوازن




.. سلمى أبو ضيف قلدت نفسها في التمثيل مع منى الشاذلي .. شوفوا ع