الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فقر ماوتسي تونغ ...

فاروق سلوم

2012 / 5 / 21
الادب والفن


امضيت اسبوعين من شهر تموز1976 في بكين ..
وكنت كمن يكتشف مجرة حمراء بين ركام الكتب والأقوال وانماط الخراب التي نشرتها الثورة الثقافية للشبيبة الصينية
وهي تنفذ نداء العم ماوتسي تونغ لأجتثاث الثوابت واطلاق الفوضى الثورية .
اسكنني الرفاق الصينيون في الجناح الشرقي لفندق بكين الحميم المبنى .. بعد مقدّمة مطوّلة عن تاريخ بناء الفندق
وكيف ان القائد ماو وضع لبنته الأولى بيده بعد انتصار الثورة الصينية ثم استقرارها ..
وكانت ايامي لاتخلو من زيارات لمؤسسات تربوية وشبابية ومتخصصة بالأطفال
كانت الجولات التي نظمها لي الرفاق تشمل كل شيء فوق الأرض وتحت الأرض لأتعرف على المعجزة الصينية ..
وبحق كان كل شيء يعبر عن روح الشعب وقناعته وانضمامه الى وعي مشترك بظرورة انتظار الحلم الأشتراكي القادم
كان كل شيء صينيا بحق .. الزحام والصمت والألتزام والأكتفاء ...
وخلال جولة في الأسواق الصينية المليئة بالصناعات اليدوية والخضار والبشر والدراجات الهوائية ااشتريت ازميلا صغيرا مثل مسمار بحجم الكف..
فأستغرب الرفيق( كَـه) المرافق والمترجم الذي تعلم العربية في اليمن الجنوبية .. قلت له غدا سترى ما اهدف اليه بهذا المسمار .
وفي الصباح عند اعلى نقطة في سور الصين كنت احفر اسمي واسم ابي على صخرة كبيرة هناك ذكرى لمروري الذي ظننته سيكون الأخير
وقد ابدع الأزميل شكل الحروف العربية النادرة وسط الحروف والأسماء بكل اللغات ...
عندها تبسّم الرفيق (كَه) ابتسامة صينية خجلة وكئيبة أ ظهرت اسنانه الصفراء وهو يرى فعل الأزميل ..
كان كل الرفاق يتكتّمون على صحة القائد ماو وحرصهم ان لايتسرّب خبرها الى الجماهير
فقد كان في غيبوبة عميقة.. فيما يدير شؤون البلاد رفاق حقيقيون ... ولكن بينهم جماعة الأربعة التي تقودهم زوجته
الى نمط شبيه برغبة الوراثة والتآمر والأنحراف ..
و كان يتحفز رفاق ماو الثوريون لأغتنام الفرصة لحظة موت ماو ليضعوا الأربعة في قفص الأتهام يوما ..
*
كان انطباعي عن فقر ماو يومذاك انه غنى لكل صيني يوم كنت ارى حقول القمح وميادين العمل ..
فقد رأيت السكن والطعام والتعليم والعناية الصحية والزراعة بحدود الكفاية الدنيا ، لكنها كفاية صينية بكل صورة ..
ولم يكن في الصين الماوية انسان دون مأوى .. كما يحصل الآن في ظل الأصلاحات الثورية الرأسمالية وعضوية الصين في منظمة التجارة الدولية
والتزامها بنود اتفاقيات العولمة ..
*
من الفرص النادرة التي اعتز بها انني التقيت هناك ثلاثة عراقيين نادرين يعملون في بكين ماوتسي تونغ يومذاك
المفكر اليساري الأسلامي هادي العلوي بلطفه وعشرته وبساطة منزله ومظهره ..
والشيخ جلال الحنفي بروحه البغدادية وكانا يعملان مشرفين لغويين في وكالة شينخوا
كما التقيت الآثاري والأكاديمي العراقي الكبير الدكتور عيسى سلمان ..
وكان يعمل سفيرا للعراق في بكين يومذاك
وقد جمعتنا دعوة كريمة في بيت الدكتور عيسى سلمان واحاديث منصفة لقراءة التجربة الصينية قبل ان يعلن موت ماوتسي تونغ في ايلول عام 1976
و تنتزع البلاد من طريق الأنحراف الذي ارادته مجموعة الأربعة .. نحو الأصلاحات الكبيرة واحتجاجات ساحة تيانان المدوية .. وتحولات البلاد نحو الأقتصاد الأنتاجي والراسمالي ..
كانت الصين غنية بكرامة شعبها...
وقد تذكرت كل ذلك من المزيج الوجداني وانا اقرأ مجلة نيوزويك عدد 14 ايار/ مايو الحالي 2012 وهو يروي قصة الألوف من الصينيين
الذين يسكنون في الشوارع وفي العراء وقد طردتهم عمليات شق الطرق وبناء الأبراج والمدن التجارية ومجمعات التسوق
على حساب الأنسان في المدن القديمة والأحياء ممن لم تمتد يد الدولة لتعويضهم او رعايتهم ..
كانت صور التقرير مؤسية وتثير كل حزن .. وعنوانه يشير الى المعنى :
Waiting for justice in Peijing streets
تذكرت كل ذلك بحنو غريب الى ساعات وايام ووجوه في شوارع بكين .... واعتبرت فقر ماوتسي تونغ .. غنى !
*








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بطريقة كوميدية.. الفنان بدر صالح يوضح الفرق بين السواقة في د


.. فايز الدويري: فيديو الأسير يثبت زيف الرواية الإسرائيلية




.. أحمد حلمى من مهرجان روتردام للفيلم العربي: سعيد جدا بتكريمي


.. مقابلة فنية | الممثل والمخرج عصام بوخالد: غزة ستقلب العالم |




.. احمد حلمي على العجلة في شوارع روتردام بهولندا قبل تكريمه بمه