الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حجرٌ في المتاهة

صبري هاشم

2012 / 5 / 21
الادب والفن



اُتركوا لي ما تَيسّرَ مِن نبيذِ المنافي
شيئاً مِن سكونِ المسافةِ
وبعضاً مما ملكتم
من عقيقِ الكلامِ
فأنا شيّدتُ فوقَ الرّصيفِ حجارتي
أَوْلَمتُ وقلتُ :
هذا هو موطنُ غربتي
ثم دعوتُ إلى وليمتي العابرينَ في الليل
هأنذا حجرٌ في المَسيل
فليُقبلْ الضائعون
هأنذا ذاكرةٌ تَسيل
لمَن أرادَ أنْ يَنْهَلَ مِنْ سِيّرِ البلدانِ
وما اندثرَ مِن السلالاتِ وبطونِ القبائل
لمَنْ يطْرِقُ على بابِ ليلِهِ
طارقٌٌ يرومُ التزوّدَ
بالغابرِ مِن الأيامِ
حجرٌ للعبادةِ أنا
وثنٌ أنا
إنْ أرادني مُريد
***
إلى جواري
مرّتْ غاباتُ الأُرزِ
نساءُ صيدون
وبِحَارٌ خَلَقَها الخيالُ
رأيتُ حارسَ الغابةِ الوحشَ محمولاً
على مِحَفّةٍ مِن ريشِ النّعامِ
يُلوّحُ بعشبتِهِ الغريبةِ
يا خمبابا
ألم يَنْتَزعْها مِن يدِكَ الملكُ السومريُّ بعد مقتلِكَ ؟
مِن على المِحَفّةِ يقهقهُ الوحشُ ساخراً
***
إلى جواري
مرّتْ خيولُ الرشيدِ
كان في نزهةِ صيدٍ
وفوقَ ظهورِ الدّوابِ نُضّدتْ آثامُ الخلافةِ
والديباجُ الرّشيقُ يقصُّ الحكايا
وكانت أبهةُ المُلكِ تسفُّ في العيونِ
اُتركوا لي مِن شرابِ الليلِ
ما يُكَثِّفُ الأحداثَ
فسبارتاكوس ظلَّ زمناً يحلمُ بالثورةِ
وحين مرّتْ فاتناتُ برلين وهنَّ مِن أجناسٍ شتّى
صمتَ التأريخُ
والثورةُ لم تنطقْ بعد
فمَن يأخذُ سكرتي
ريحاً لطاحونةِ هواءٍ غدرتْ بها الفصولُ ؟
اُتركوا لي بعضاً مِن طعامِ الليلِ
وما يقتاتُ عليه العابرُ في التيهِ
فأنا وسط هبوبِ الرّيحِ
ترفعُني العاصفاتُ تارةً
وتارةً تحطّني
وحين تسكنُ الرّيحُ
عليكم سأتلو شيئاً مِن سِفرٍ مشبوهٍ
***
سأبكي الليلةَ على أبوابِ برلين
حين يخلدُ البرلينيون إلى نومِهم
سأبكي طويلاً
سأجوبُ المدى الصقيعيَّ بصدرٍ عارٍ
أنا حمّالُ الجليدِ
حين اشتعلتْ نيراني تفرّقَ مِن حوليَ العبادُ
في مشاربَ شتّى
أنا مروّض الحيتان
حين هاجتْ بوجهيَ البحارُ انفضّتْ أعراسُ الخلجان
أنا ابنُ اللذّةِ التي تفرّقت على الأبدان
مَن يُعيدُني إلى هيئتي الأولى ؟
اُتركوا لي ما يقتاتُ عليه الجائعُ في الليلِ
ونصفَ زجاجةِ نبيذٍ
فأنا مسحورٌ حتى اللحظةِ
ومازلتُ حجراً على قارعةِ الطريقِ
يتوسلُني المُقبلُ مِن بعيدٍ
ويشيحُ بوجههِ عنّي الراحلُ عندَ طلوعِ الشمسِ
مازلتُ شجراً مِن ثيابِهِ تجرّدَ وظلَّ عارياً
تمرُّ عليه الفصولُ وهو بعورتِهِ مُستأنسٌ
اُتركوا لي حديثاً لسمرِ الليلةِ
أو كلاماً لم يُقل بعد
يُحفرُ على أديمي
حجرٌ أنا في الطريقِ
فزوّدوني بما حملتْ أفكارُ المُسافرِِ
حجرٌ ملقىً في هيماء
عندهُ لا يتوقّفُ العابرون
ولا نحوه التفتَ الدليل
اُتركوا لي بعضاً مِن حكايا الطريقِ
وشيئاً مِن أسرارِ المتاهةِ
اُتركوا لي أسمالَكُم وغادروا المكانَ
فأنا حجرٌ على ضفّةِ المُشتهى
لا الماء راحَ يحملُها
ولا مسّتْ وجهَهُ الريحُ
أنا شيءٌ في قساوةِ المسافةِ
وأنا حمّالُ الجليدِ
حين انطفأتْ كلُّ نيراني
تجمّعَ مِن حوليَ المُتفرقون








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عبد الوهاب الدوكالي يحكي لصباح العربية عن قصة صداقته بالفنان


.. -مقابلة أم كلثوم وعبد الحليم حافظ-.. بداية مشوار الفنان المغ




.. الفنان المغربي عبد الوهاب الدوكالي يتحدث عن الانتقادات التي


.. الفنان محمد خير الجراح ضيف صباح العربية




.. أفلام مهرجان سينما-فلسطين في باريس، تتناول قضايا الذاكرة وال