الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دولة الأستمارات

جودت هوشيار
كاتب

2012 / 5 / 23
كتابات ساخرة


عندما كنت أعمل بوظيفة ( رئيس مهندسين ) فى أحدى المنشآت الهندسية التابعة لوزارة الصناعة و المعادن فى عقد الثمانينات من القرن الماضى ، كانت ترد الينا على نحو شبه يومى ، أستمارات عديدة ، سواء من مقر الوزارة أو من الوزارات الأخرى ، تطلب فيها الجهات المرسلة بيانات و معلومات عن كل ما يخص أنشطة المنشأة فى المجالات التخطيطية و الأنتاجية و المالية و التجارية أو التسويقية و عن القوى العاملة و التدريب و الأيفادات , و غيرها كثير .
لم تكن الحاسبات الألكترونية تستخدم على نطاق واسع آنذاك ، لذا كان ملأ تلك الأستمارات ، عملا روتينيا مملا و الأهم من ذلك أنه كان يستنزف جهود عدد كبير من المهندسين و الأداريين و غيرهم و يستنزف الوقت الذى كان يفترض أن تكرس للأنتاج و التطوير .
و لكن الأسوأ من ذلك ، كانت تلك الأستمارات الواردة من رئاسة الجمهورية بتوقيع رئيس ديوان الرئاسة أو سكرتير رئيس الجمهورية . حيث كان كادر القسم المعنى فى المنشأة يظل فى حالة أنذار وتمنع عنهم الأجازات الأعتيادية و لا يسمح لهم مغادرة المنشأة – حتى بعد أنتهاء الدوام الرسمى – قبل أكمال الأستمارات المطلوبة و تدقيقها مرات عديدة و أرسالها الى الجهة الطالبة على وجه السرعة .
و من كثرة الأستمارات المتداولة فى العهد البائد ، أطلق مدير عام ديوان الوزارة فى ذلك الحين على الدولة العراقية ، أسم دولة الأستمارات .
لا أدرى لم تذكرت أستمارات النظام السابق ، و أنا أقرأ خبرا مفاده أن وزارة التعليم العالى و البحث العلمى قد عممت أستمارة معلومات أستخباراتية على كافة منتسبيها ، مما اصابهم " بالذعر " على حد و صف رئيس لجنة التعليم العالي البرلمانية عبد ذياب العجيلي ، الذى طالب
رئيس الورزاء بالتدخل شخصيا لحل هذة القضية.
وأوضح العجيلي في البيان الصادر عن مكتبه، أن اعدادا كبيرة من اساتذة وموظفي الجامعات العراقية تقدموا بالشكوى الى لجنة التعليم العالي البرلمانية بسبب استمارة طلب المعلومات التى قدمت لهم من قبل وزارة التعليم العالي، مبينين أن هذه الاستمارة بعيدة عن تخصص وزارة التعليم العالي وهي معلومات استخباراتية تتضمن الاسم الكامل وجواز السفر والدول التى سافر اليها وكذلك معلومات عن الزوجة والزوج ومعلومات عن الاب وعمله السابق والحالي ومعلومات عن الام وعملها السابق والحالي ومعلومات عن الاعمام والاقارب وكذلك الاخوة والاخوات وعنوان سكنهم وعملهم.
وأضاف ان الغريب من الامر طلب معلومات عن الاصدقاء ومعلومات عمهلم الحالية والسابقة، مشيرا الى أن هذه المعلومات اصابت منتسبي وزارة التعليم العالي بالذعر كونها معلومات استخباراتية بعيدة عن المهنية.
وناشد العجيلي رئيس الورزاء بـ "التدخل شخصيا لحل هذة القضية ، كون هذا النوع من طلب المعلومات"، لا يوجد في الدول الديمقراطية المتقدمة التى تسعى الى تغيير سياسي مضيفا ان هذا المعلومات فيها البعد الاستخباري أكثر من الجانب التعليمي .
و اذا كانت ( الأستمارات ذات البعد الأستخبارى ) سمة للبعث الفاشى ، الا أن حكومة البعث كانت تتابع و تراقب و تطلب فى الوقت ذاته ، معلومات تفصيلية ‘عن أنشطة مفاصل الدولة المختلفة ، و لم تكن ( الأستمارات الأستخباراتية ) الا جانبا منها . أما حكومة البعث الجديدة برئاسة العلامة الفهامة نورى المالكى فلا علاقة لها ، لا بالمنشآت الأنتاجية و لا بمشاريع التنمية و لا بالخدمات العامة و لا تراقب أو تتابع أو تحاسب أحدا و لا تطالب بتقارير أو بيانات أو معلومات عن الأداء الحكومى أو مدى تنفيذ الخطط التنموية– و هل ثمة خطط تنموية حقا ؟ - أو تطور الأقتصاد الوطنى و غيرها من مجالات العمل و الأنتاج ، فهى مشغولة بما هو أهم من ذك ، أى بكل ما ما من شأنه ترسيخ النهج الدكتاتورى لرئيس الحكومة - المتشبث بمنصبه حتى الممات - و شلته ، التى اطلق عليها أحد الكتاب الأسلاميين المنشقين أسم ( المافيا ) و التى تتكون من زمرة صغيرة تحتكر السلطة و تسرق المال العام و تتجاوز على القانون و تنتهك حقوق الأنسان و تصفى المعارضين بتهم ملفقة و تحمى الفساد و الفاسدين .
هذه الفئة الضالة المضللة ، التى ترفع الشعارات الدينية البراقة - لخداع الجماهير البسيطة الكادحة المحرومة من كل نعم الحياة - ، لا هم لها سوى البقاء فى السلطة ، و هى زمرة قذفت بها الأقدار ( من الطهارة الى المنارة ) و لم تتفتق ( عبقريتها ) عن شىء جديد ، فأستعارت من البعث الفاشى أساليبه فى أدارة دفة الحكم ، و سخرت أمكانيات الدولة لشراء الذمم و التجسس على المواطنين و كتم أنفاسهم و تصفية كل من يتجاسر على رفع صوته للأحتجاج على الأوضاع المزرية التى يعيشها العراقيون و العراقيات فى ظل حكم المزورين و السراق ، و ما هذه ( الأستمارات البعثية الجديدة ) سوى دليل أضافى على ان الزمرة الحاكمة ، التى تربت فى أحضان أستخبارات دول الجوار , و تدربت على أساليب التجسس و القمع و أنتهاك الحريات و الخصوصيات ، لا تتقن مهنة سواها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان محمد التاجى يتعرض لأزمة صحية ما القصة؟


.. موريتانيا.. جدل حول أنماط جديدة من الغناء والموسيقى في البلا




.. جدل في موريتانيا حول أنماط جديدة من الغناء والموسيقى في البل


.. أون سيت - لقاء مع أبطال فيلم -عالماشي- في العرض الخاص بالفيل




.. الطفل آدم أبهرنا بصوته في الفرنساوي?? شاطر في التمثيل والدرا