الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاستثناء الجزائري

محمد سيد رصاص

2012 / 5 / 23
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


في مهرجان انتخابي عقد بيوم 27نيسانإبريل،أي قبل أسبوعين من انتخابات البرلمان الجزائري،أعلن قادة (تكتل الجزائر الخضراء)،الذي يضم ثلاثة أحزاب اسلامية،أنهم"يراهنون على تحقيق 350مقعداً برلماني في الانتخابات المقبلة"من أصل 462مقعداً هي مجموع مقاعد البرلمان الجزائري.في يوم10أيارمايو الماضي لم ينل هذا التكتل،وفي انتخابات شهد المراقبون الدوليون بنزاهتها وبعدم وجود سوى شوائب طفيفة فيها،سوى48مقعداً،ولم تستطع الأحزاب الاسلامية مجتمعة أن تنال أكثر من 59من مقاعد البرلمان.
كان هذا صدمة كبرى لأنصار التيار الاسلامي الجزائري،لم تنفع عملية تغطيتها بالحديث عن "التزوير وتغيير النتائج"،ومفاجأة لخصوم الاسلاميين،في الداخل والخارج،الذين كانوا،هم والاسلاميون،قد توقعوا أن تكون الانتخابات الجزائرية تتويجاً لنهاية شوط فاز فيه قبل قليل اسلاميو مصر بأغلبية مقاعد البرلمان وفاز فيه الاسلاميون في تونس والمغرب بالمركز الأول وليصعدوا من خلال ذلك لمركز الوزير الأول في البلدين،وقد انبنى هذا التوقع على رصيد الاسلاميين الجزائريين الذين افتتحوا المدِ الاسلامي في العالم العربي بالتسعينيات من خلال فوز كاسح في الانتخابات البلدية والولائية في حزيران1990ثم دفع اكتساحهم الكبير لمقاعد البرلمان بالجولة الأولى عسكر الجزائر إلى ترتيب انقلاب11يناير1992الذي ألغيت من خلاله الجولة الثانية من الانتخابات وحظرت بعده(الجبهة الاسلامية للإنقاذ)،وهو ماوضع البلد في أتون حرب أهلية لعشرة أعوام تالية ذهب ضحيتها150ألفاً من الجزائريين .
لم يكن مقنعاً الحديث عن انقسام الاسلاميين ،أومقاطعة بعضهم للإنتخابات،من أجل تفسير ذلك التراجع في انتخابات2012،مادام ذلك معاكساً للأجواء التي كانت قبل يوم10مايو،والتي وصلت بالشيخ عبدالله جاب الله زعيم(جبهة العدالة والتنمية)،التي رعت تأسيسها واطلاقها قيادات من (جبهة الانقاذ)،إلى أن يتصرف في الحملة الانتخابية وكأنه"أردوغان الجزائر"،قبل أن يخذله الناخبون بإعطائه سبعة مقاعد فقط .
لايمكن تفسير هذا الاستثناء الجزائري في نتائج الانتخابات من دون ذلك الاستثناء الذي شكلَته الجزائر في عام2011بين الجمهوريات العربية من حيث عدم شمولها ب"الربيع العربي" .لايجد هذا تفسيره في الاقتصاد الجزئري القوي فقط،وإنما يجب أن يضاف له،هذا إذا لم يكن هذا هو الأساس،هزيمة الاسلاميين في مجابهة تلك العشرية الضارية من السنين أمام الجنرالات،وهو ماجعلهم ليس فقط محطمي القوى التنظيمية،وإنما أساساً فاقدين لتلك الهالة المعنوية التي كانوها في أعوام1988-1992بعد أن قادوا انتفاضة 4أوكتوبر1988الجماهيرية ضد العسكر وحكم الحزب الواحد الذي كان واجهة لهم،هذه الهالة التي فقدوها – أي الاسلاميين - بحكم أدائهم الرديء في الحرب الأهلية بفترة مابعد انقلاب10يناير1992وغرقهم في الارهاب الأعمى الذي ترافق مع انقسامهم بين (جيش الإنقاذ)و(الجماعة الاسلامية المسلحة)،هذه الأخيرة التي لم تتورع في عام1996عن اعدام بعض قادة (جبهة الانقاذ)،مثل الشيخين محمد السعيد وعبد الرزاق رجام،الملتحقين بها قبل عامين في "بيان الوحدة"الذي وقعه ومشى به الكثير من قادة ومنتسبي ( جبهةالانقاذ)،والتي لم تمتلكها الوساوس من الدخول في مجازر للمدنيين الجزائريين ذكرَت الكثيرين بفتاوي فرق الخوارج حول "جواز قتل"نساء وأطفال مخالفيهم من المسلمين الآخرين بمافيهم "مخالفيهم الخارجيين".
في عام1999دفع العسكر الجزائريين بمدني إلى واجهة الرئاسة لكي يحكموا من ورائه،كمافعلوا مع محمد بوضياف في الستة أشهر التي أعقبت انقلاب 11يناير1992 حتى اغتياله في نهاية حزيران من ذلك العام بظروف غامضة مشوبة بالكثير من الخلاف مع العسكر الذين أتوا به مثل عبد العزيز بوتفليقة في عام1999بعد منفى طويل في الخارج.استطاع بوتفليقة إثر هزيمة الاسلاميين بعام2002أن بخرج من شباك العسكر وأن يكون الرئيس المدني الذي استطاع مالم يستطعه أحمد بن بيللا في أعوام1962و1965من حيث تحجيم المؤسسة العسكرية التي أصبحت ،منذ إحالة رئيس الأركان الجنرال محمد لعماري في عام2004إلى المعاش،خلف قوة الرئيس المدني المنتخب،الذي أحكم قبضته على الأمور مستفيداً من ارتفاع أسعار النفط ومن ميل الجزائريين إلى الاستقرار بعد عشرية عاصفة وهو ماترافق عندهم مع نبذ الأقوياء السابقين:العسكر (1962-1988)والاسلاميين(1988-1992)،قبل أن يدخلا في حرب ضارية حطمتهما معنوياً،وهو ماجعل المنتصر منهما،وهو العسكر في تلك الحرب الأهلية،لايستطيع استثمار انتصاره سياسياً،فيما استطاع بوتفليقة ذلك في فترة مابعد عام2002،وهو الذي أتى به العسكر ليحكموا من وراء ستار منصبه الرئاسي،وليظهر وليمارس فعلياً دور الناقل للجزائر إلى مرحلة"الوئام المدني".
من هنا،يجب فهم الأصوات التي أخذها (حزب جبهة التحرير الوطني)في انتخابات10مايو2012والتي قادته للفوز ب220مقعداً،بوصفه حزب مؤسسة الرئاسة،فيمالم يستطع حزب (التجمع الوطني الديمقراطي)،الذي يتزعمه الوزير الأول أحمد أويحيى،الفوز بأكثر من 68مقعداً،وهو الحزب الذي استخدمه العسكر واجهة لاستئناف صراعهم مع بوتفليقة بعد خسارتهم أمامه لجولة 2002-2004،حيث تتركز قواعد هذا الحزب الاجتماعية في منطقة مثلث مدن(باتنة- تبسَة- سوق هراس)التي أتى منها معظم ضباط المؤسسة العسكرية وإطارات الإدارة الجزائرية في مرحلة مابعد استقلال1962حتى قيل "إن من يحكم الجزائر هوB.T.S"، نسبة لتلك المدن الثلاث التي يسكنها (الشاوية البربر)في منطقة جبال الأوراس بالشرق الجزائري.
ربمايمكن للمرء أن يجازف من خلال دلالات انتخابات2012للقول بأن الجزائر قد وضعت ورائها من خلال ممر2002-2012مرحلة تداعيات الحرب الأهلية بين عامي1992و2002وقد وصلت إلى مركز وسط،من خلال فوز(حزب جبهة التحرير الوطني) بالانتخابات،لم يجتمع طرفا الحرب الأهلية،أي العسكر والاسلاميون،على العداء لشيء سواه،وهو ماسيجعلهما يجتمعان من جديد على شيء مشترك من خلال مرارتهما من نتائج تك الانتخابات التي جرت في يوم الجمعة العاشر من مايو2012.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الانتخابات
حسين الأخضر البلعيالي ( 2012 / 5 / 24 - 17:18 )
نشكرك سيدي على المقال.ولكن كان بإمكانك تقديم نتائج الانتخابات السابقة وكيف كان الفوز فيها لحزب السلظة.السلطة أو النظام في الجزائر استوعب الدرس درس 1992 فلن يكرر النتيجة مهما كلفه الأمر لأن تكرارها يعني ماذا يعني المواجهة...لذلك لا غرابة في فوز الجبهة والسؤال الذي نرجو أن تجيب عنه هو :لماذا لم يفز حزب رئيس الوزراء؟وكيف يدخل وزراء الحملة الانتخابية وهم وزراء في بلد قليل الديمقراطية إن لم نقل منعدمة بمفهومها الحقوقي الانساني (الغرب مثلا) سيدي لا ندري كيف فازت الجبهة ولكن الشعب لم يكترث بفوزها لأنه كان يعرف مسبقا النتيجة .ولنتصور نسبة فوزها فهي 21بالمائة تقريبا نصفها أصوات العسكر والشرطة والمخابرات ورجال النظام وأتباعهم فكم نسبة الجبهة من أصوات الناخبين إنها 10/100 أو أقل وهي نتيجتها في انتخابات 1992 وبالتالي لم تحصد المقاعد كلها إضافة الى خروقات وتزويرات كما صرح بها المشاركون المنافسون خاصة في المناطق النائية الريفية حيث لم يصلها المراقبون الدوليون وهي على كل حال اللاعب الرئيسي في تحديد الفائز.كل الشعب يتمنى التغيير بالطرق السلمية لأن أحداث الماضي ماتزال في الأذهان تهدد حياتنا.شكرا


2 - شكرا على مقالك
نهى سيلين الزبرقان ( 2012 / 5 / 25 - 04:26 )
تصحيحا فقط لمعلومة كتبتها الا وهي
..-وإنما أساساً فاقدين لتلك الهالة المعنوية التي كانوها في أعوام1988-1992بعد أن قادوا انتفاضة 4أوكتوبر1988الجماهيرية ضد العسكر وحكم الحزب الواحد .. -

أريد أن انوه أن انتفاضة 5 اوكتوبر(وليست 4) لم يقودها الأسلاميون ياسيدي ، بل من حركها هم اناس من داخل السلطة و استغلوا التذمر الشعبي (كانت فيه عدة اضرابات ) لكي يقوم بمهمة التكسير وحرق الحافلات..الخ ، فهي انتفاضة غير منظمة أومؤطرة من طرف الاسلامويين بل كانت من طرف اصابع خفية
تحية لك

اخر الافلام

.. حلم الدولة الكردية.. بين واقعٍ معقّد ووعود لم تتحقق


.. ا?لعاب ا?ولمبية باريس 2024: سباح فلسطيني يمثل ب?ده ويأمل في




.. منيرة الصلح تمثل لبنان في بينالي البندقية مع -رقصة من حكايته


.. البحث عن الجذور بأي ثمن.. برازيليون يبحثون عن أصولهم الأفريق




.. إجلاء اثنين من الحيتان البيضاء من منطقة حرب في أوكرانيا إلى