الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صور نضال المرأة في أدب عالية ممدوح الروائي

هديل عبد الرزاق أحمد

2012 / 5 / 23
الادب والفن


يتسم عالم الرواية بقدرته الفنية على استيعاب طروحات الواقع وأزماته، فضلاً عن استيعابه لإشكاليات الفكر والصراع الأيديولوجي والطبقي، فمعلوم أن "شكل الرواية ومضمونها مستمدان من الظواهر الاجتماعية بشكل مباشر أكثر مما هي الحال مع الفنون الأخرى" . والرواية بما تحويه من أفكار وآراء ونظريات فلسفية، تتفاعل مع الظروف والأوضاع الاجتماعية والسياسية والفكرية والفلسفية للمجتمع والأفراد وتعبر عنها، فهي نتاج التفاعل بين الأديب ومجتمعه من ناحية، وبين الأديب نفسه والإطار الفلسفي الذي ينتمي إليه. فالأديب يمتثل بصورة أو بأخرى، إلى حقيقة مفادها أن عالمه الروائي لا بد له أن يرتبط بعلائق مع الواقع المعاش، فالواقع –في الغالب- يكون هو المرجع الرئيس لأي خطاب روائي، وهو أحد العناصر الرئيسة التي يستقي منها الكاتب مقومات عمله الأدبي وعناصر عالمه الروائي.
وتبدو عالية ممدوح في جميع رواياتها، مشغولة بشكل كبير بالتركيز على هموم الإنسان، فالتعبير عن الإنسان أيّا كان جنسه هو ما يسم أدبها، وهو الموضوعة الرئيسة والمهيمنة على متخيلها السردي، لذا نجدها تعبر عن كل ما له صلة وتأثير عليه، وهذا ما يجعلها أسيرة التعبير عن دقائق الهم السياسي، إذ يشغل المضمون السياسي حيزاً واسعاً من مساحة العالم الروائي للكاتبة، ويؤثر بشكل كبير ومباشر في تحديد مسارات هذا العالم، عبر تحكمه بمجريات الأحداث في الروايات، وأثره في الشخصيات المتواجدة فيه. فالاهتمام بالشخصيات -بوصفها الفاعل والمحرك الأساس في العملية السردية- ومحاولة التغلغل إلى دواخلها، وما يعتمل في وجدانها من أحاسيس إزاء ما يحدث من مواقف ومتغيرات، هو ما تحاول الكاتبة تبني فعل التعبير عنه.
وما يلاحظ أن الكتابة الإبداعية لدى عالية ممدوح هي أقرب إلى الثورية أو الفعل الثوري ويتضح ذلك من خلال الانقلاب على السائد والموروث، ومن خلال التعبير عن قضايا نضال المرأة بصيغ تمنحها أبعاداً ذات خصوصية واضحة، لاسيما حين تبدو المرأة أقوى من الرجل في متخيلها. ونلاحظ أنها عنيت بإبراز شخصية المرأة المناضلة أو بعبارة أخرى قضايا نضال المرأة، فالمرأة في رواياتها لا تعنى بالأمور البيتية أو الشؤون والاهتمامات الصغيرة بل هي صاحبة قضية وتحمل وعياً وفكراً وإيماناً عميقاً بقضيتها، والتي هي قضية الإنسانية جمعاء. فلهذه المرأة خصوصية واضحة فهي مثقفة ومتعلمة وتعنى بالشأن السياسي والنشاطات السياسية، وتقف إلى جانب الرجل، وتشاركه رحلة الكفاح، فالمرأة الثورية كما هي في الواقع والفن تعي طريقها، وتضحّي من أجل الوصول إلى غايتها، سعياً نحو تحقيق استقلالها الذاتي عن طريق العمل وممارسة النضال الإنساني، مساندة الرجل في معركتهما ضد قوى القهر والاستلاب.
ويبرز ذلك بشكل واضح في رواية (ليلى والذئب) إذ تبرز شخصية المرأة المناضلة والمؤمنة إيماناً عميقاً بقضيتها التي تهدف إلى تحقيق العدالة من خلال السعي نحو حياة أفضل للإنسان والتي لا تتحقق إلا عن طريق حرية الإنسان وأرضه. فتبدو المرأة أقوى من الرجل في هذه الرواية فنوال أكثر جرأة وصلابة من زوجها رياض "كانت أسعد حالاً منه ، لم تتنهد أو تتبرم ، فقد ظلت تذهب إلى (الأرض ..)، تهز رأسها ولا تقف إلا لثوان ثم تستأنف السير" فهي ترفض أن تضيع وقتها بالراحة وتبدو متفائلة من القادم على العكس من رياض المتبرم والذي يبدو عليه الخوف والتردد والتشاؤم من القادم فنجدها تقول له "رياض، لم نأت هنا لنقوم بنزهة، دعنا نذهب إلى ما جئنا إليه، لقد ودعنا القمر وسوف نستقبل الشمس بعد قليل" . فتبدو هي القائد والمحرض ويبدو الرجل تابعاً لها بل كأن وجوده في الصحراء من أجل إتمام المهمة ليس سوى وسيلة ليكون قريباً منها.
إن موضوعة نضال المرأة من أجل حرية الإنسانية والأرض تعد الموضوعة الأهم والأبرز في هذه الرواية التي تمتلئ بالشخصيات النسائية المتبنية للفعل النضالي فالكاتبة منحت المرأة في هذه الرواية أهمية كبيرة وأبرزتها بخصوصية واضحة. فهن مناضلات ولا يخشين الموت ولا يخفن من السلاح أو يترددن في حمله واستعماله، ويتولين القيادة وتحريض الرجل على النضال.

لقد ركزت الكاتبة بشكل مباشر على تنامي الوعي لدى المرأة بأهمية دورها في العمل القيادي إلى جانب بطولة الرجل وقياديته، والذي نجده يقرّ ويعترف بنفسه ببطولة المرأة في مواجهة العدو والتصدي له وكما يبرز في حديث عباس لرياض "نوال ولمياء، وفاطمة، وهدى، إنك لن تسمع عويلاً من هؤلاء الفتيات، لكنك لا تلبث أن ترى الأرض كيف ترتج، والآبار كيف تغمر بالنار، إنّ خاصية كل واحدة منهن هي إن خطرهن مساو لبريقهن، وأسلوبهن لا يخطئ ، ورعبهن أمام الموت خال من الرومانتيكية"
فضلاً عن حديث نوال لرياض عن لمياء العراقية إذ تقول "يأتيها كل شيء باطمئنان، الموت والغذاء والحرب والدموع، التحقت معنا لتكف عن الحياد... هي على معرفة وثيقة بالأرض، تعشق الجغرافية مثلك، لا تتحدث إلاّ نادراً، لكنها تستطيع القيام بكل ما يطلب منها... هي رقيقة إلى درجة أننا كنا نتصور أنّ حمل قنبلة سوف ينهيها، لكنها كانت تعود، دائماً صامتة وشاحبة أحياناً إلاّ إنها مبتسمة، ورصينة... لم تختر أحداً صديقاً حميماً لها، كانت ترانا جميعاً في خندق واحد، ليست جريئة تماماً، ولا متحفظة، إلاّ إنها الاثنان معاً، في كل العمليات التي اشتركت بها لم أشترك معها بعملية إلاّ إنّ (اسعد) احد رفاقنا ضرب رأسه بشدة وهو يقص علينا جرأتها" .
إن ما يمكن أن نسجله هنا هو إن سمات النسوية تبرز بشكل واضح في هذه الرواية التي تتبلور فيها معطيات دور المرأة في البطولة والنضال والقيادة وفي منافستها للرجل على هذه المواقع والمواقف بل نجدها تركز على اعتراف الرجل بهذا الدور وهذه المواقف ويفتخر بها. فإبراز المرأة بوصفها فاعلة ومنفعلة أمام القضايا المصيرية التي تخص الفرد والجماعة والأرض والحرية والإنسانية بشكل عام وإدخالها معترك العمل السياسي المسلح وجعلها قائدة لا منقادة لا يؤكد على تنامي الإحساس بأهمية دور المرأة في جميع مجالات الحياة وخوضها المعتركات المصيرية إلى جانب الرجل فحسب، بل يؤكد أيضاً على نسوية الكاتبة وسعيها نحو التركيز على إبراز العناصر النسائية الناجحة والأنموذج في داخل عوالمها الروائية. وهو ما نجده متبلوراً بشكل واضح أيضاً في رواية (المحبوبات) حين نجد أن نرجس لا تكتفي بعضويتها في الحزب الشيوعي اللبناني فتنضم إلى تنظيمات يسارية أكثر تطرفاً من أجل خدمة الإنسان وحقوقه والتي تعتبر النضال قضيتها في الحياة وترفض أي مكافأة أو مصلحة فردية مقابل عملها منتقدة من يعتبر النضال وسيلة لمكاسب شخصية ومادية. ومن خلال نرجس نقف على صورة المرأة الثورية الكادحة التي اعتنقت الثورة فكراً وممارسة، ونجدها بعيدة كل البعد، في أفكارها وتصرفاتها ومواقفها، عن المظهرية والادعاءات الجوفاء، وثرثرات بعض المثقفين، ومناقشاتهم، وخلافاتهم السياسية والفكرية. فحققت الكاتبة من خلالها صورة المناضل الثوري الحقيقي الذي لا ينجرف وراء مغريات الحياة، وما يخدم مصالحه الشخصية، بل إن قضيته هي الهدف الأسمى الذي يصبو إلى تحقيقه. وهذه القضية هي رسالته التي تتجلى في خدمة الإنسانية جمعاء. فالمرأة في عالم عالية ممدوح لا تمتلك ثقافة عالية فحسب بل إن لديها المقدرة على خدمة المجتمع الإنساني والمطالبة بحقوقه. فهي تحمل في وعيها قضية الإنسان وتسعى نحو تحقيق الحرية وتطالب بحقوقه لا بحقوق جزء معين من الإنسانية كـ (المرأة) مثلاً فهي لا تطالب بحقوق النساء كما تعارف عليه ما يسمى بالأدب النسوي بل تجاوزته إلى قضايا أعم وأشمل هدفها الإنسان ومصيره في هذا الوجود وحريته بغض النظر عن الجنس أو اللون أو العرق.
وتركز الكاتبة في متخيلها على دور المرأة إزاء التحولات السياسية وانعكاس هذه المتغيرات والتقلبات وآثارها في واقعها ونفسيتها بالمجتمع وبالقضية الوطنية، بوصفها قوة فاعلة ومؤثرة في مسار حركة البناء والتحرير، إضافة إلى كونها نبعاً فنيّاً ثرياً بالدلالات الموحية والمعبرة.
ففي رواية حبات النفتالين تضمن الكاتبة أحداثاً ترتبط بتاريخ العراق السياسي، إذ تشغل فيها صفحات من فصل، بالحديث عن المظاهرات التي خرج بها الشعب العراقي بمختلف مستوياته الثقافية والاجتماعية، بعد تأميم قناة السويس . فتصور انعكاسات هذا الحدث وآثاره في نفسية الشخصيات جميعها في داخل الرواية، وموقفها منه - بوصفها فاعلاً ومنفعلاً – إذ خرجت جميعها لتشارك بالمظاهرة ، وكما يتضح أثر الحدث من خلال قول هدى "كلنا طلعنا بالمظاهرة : جدتي وقفت أمام الجامع مع نسوة الطرف ، تقرأ الصلوات وترسلها للشباب وهم يمرون أمامها رافعين اللافتات... تهوس ويطلع صوتها وكأنّها واقفة على خط النار. " أم ستوري " تحزّمت بالعباءة الصوف على الخاصرة ، تفرّعت وشدّت عصابتها السوداء على رأسها وأطلقت الهلاهل... السيدة رسمية هيأت عدة الإسعاف... أبو محمود استحضر أنواعاً جديدة من الأجبان، نشرها وسط أطباق كبيرة وتركها في عهدة أم محمود... أم عزيز العمياء جلبت أطباق العيد الكبيرة، نثرت عليها الحلويات وأطلقت صوتها " اليوم كل شيء بلاش للشبان " كلهم طلعوا : الصفارون ، النجارون ، الحدادون ، البناؤون . الخالة نجية ... بهيجة ، لائقة والخالة نعيمة يطلقن أصواتهن بالدعاء ... العمة فريدة ..." .
إن امتلاء عالم الكاتبة الروائي بالنساء يحمل دلالات موحية لأثر هؤلاء النسوة في صنع الحدث وفي إمكانية دفعه نحو الأمام، فضلاً عن ذلك فإن الكاتبة سعت نحو كسر قيد الذكورية أو جعل قضايا الفعل السياسي وما يترتب عليه حكراً على عالم الرجل، بل نجد حضوراً نسوياً فاعلاً ومنفعلاً إزاء الأحداث، لاسيّما تلك التي أحدثت تحولاً في المنظومة الاجتماعية والسياسية.

الهوامش

1. الأدب القصصي ، الرواية والواقع الاجتماعي ، ميشيل زيرافا ، ترجمة : سما داود ، ص 7 .
2. ليلى والذئب، ص 38 .
3. المصدر نفسه ، ص 39 .
4. المصدر نفسه، ص 117 .
5. المصدر نفسه، ص 73 - 74 .
6. ينظر : حبات النفتالين ، ص 186 - 188 ، 190 .
7. المصدر نفسه ، ص 186 - 188 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب