الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة اليمينية

محمد سيد رصاص

2005 / 2 / 1
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


أتى رونالد ريغان إلى البيت الأبيض, في انتخابات عام 1980 , على خلفية نصف عقد من الهزائم الأمريكية, بدأت في سايغون وانتهت في كابول مروراً بأنغولا وأثيوبيا ونيكاراغوا وطهران: انطلق ريغان من رفض سياسة التعايش السلمي مع السوفيات, مقترحاً هجومية أمريكية لمواجهة موسكو بدلاً من "احتوائية" نيكسون و كيسنجر وما دعاه باستسلامية كارتر, ليبدأ بتطبيق ذلك في أحداث بولندا مع تحرك نقابة التضامن مستغلاً مبدأ الديموقراطية ضد القطب العالمي الآخر بخلاف أيزنهاور وجونسون في بودابست 1956 وبراغ 1968, ثم طارحاً "مبادرة الدفاع الاستراتيجية" (حرب النجوم) في آذار 1983 ليقلب من خلالها مبدأ التعادل النووي الذي قامت على أساسه (الحرب الباردة), لينطلق بعد ذلك إلى فرض لوحة استراتيجية في الغرب الأوروبي على السوفيات من خلال نشر صواريخ بيرشينغ وكرويز (تشرين الثاني 1983 ), وهذا ما أدى كله، إضافة إلى ما أظهره السوفيات من فشل في الاختبارات الإقليمية مثل اجتياح لبنان في صيف 1982, إلى لوحة دولية جديدة أجبرت القيادة السوفياتية على تراجعات في السياسة الدولية, رأينا معالمها في مؤتمر واشنطن أواخر عام 1987 وفي أفغانستان 1988 وأنغولا 1989, كانت لها لاحقاً ترجمات إقليمية في الكتلة السوفياتية بخريف 1989ثم داخلية سوفياتية من خلال انهيار الصرح الذي أقامه لينين وستالين في نهاية عام 1991.
لم يكن الاقتصاد بعيداً عن راديكالية ريغان في السياسة الخارجية, فإضافةً إلى سياسة رفع الفائدة في البنوك الأميركية لجذب الاستثمارات إلى السوق الأمريكية (656 مليار دولار بين عامي 1981- 1986) مما أدى إلى انتعاش اقتصادي أنهى التضخّم وحالة الدولار الضعيف, فإن ريغان قد وضع وراءه سياسة روزفلت, منذ سياسة (النيوديل) في الثلاثينيات بعد أزمة 1929 الاقتصادية, في تدخليّة الدولة الاقتصادية و منهياً أو مقلصاً " دولة الرعاية الاجتماعية" لصالح ليبرالية اقتصادية منفلتة من عقالها, تماماً مثل تاتشر (أيار1979) التي أنهت تدخلية حزب العمال وتأميماته (السكك الحديد- البريد – المناجم) التي استندت, مثل روزفلت, إلى وصفات الاقتصادي (كينز) الهادفة إلى تدخلية دولتية في التخطيط الاقتصادي و إلى (( دولة رعاية اجتماعية )) لمواجهة مدّ شيوعي هجومي وأزمات اقتصادية مثل أزمة أواخر العشرينيات وما ولدته من صعود للنازية في ألمانيا.
لم تكن الريغانية عقيدة سياسية جديدة , ذات ملامح أيديولوجية أو أخلاقية متكاملة برغم شذرات أطلقها هنا أو هناك الرئيس الأمريكي في عهده , إلا أنها كانت نهجاً جديداً في السياسة الخارجية والاقتصاد حقق انتصاراً مدوياً لواشنطن , جعلها تحتل وضعية القطب الواحد للعالم لأول مرة منذ روما أوغسطس المنتصر على كليوباترا و أنطونيو في معركة ( أكتيوم ) ] 31 ق.م [ : في الحقيقة , لم تتولد المعالم الأيديولوجية لليمين الجديد , أو ما دعي لاحقا بـ ( المحافظون الجدد ) , إلا عبر كتابات أكاديمية وكتّاب في الصحف اعتبروا أن هناك قصوراً في إدارة كلينتون ( وقبله بوش الأب جزئياً ) عن الارتفاع إلى مستوى الانتصار الأمريكي في العلاقات الدولية من خلال عدم قدرتهما على إعادة صياغة العالم أمريكياً , إضافة إلى ما طرحته تلك الكتابات من توجهات ليبرالية في الاقتصاد تضع الكينزية ورائها , مع ملامح فلسفية وأخلاقية تقترب من اتجاهات كنسية جديدة ( خاصة عندالمعمدانيين الجنوبيين ) تمزج في خلطتها بين نزعة المحافظة في الفكر والسياسة ( منذ ادموند بيرك : 1729 – 1797 المواجه للثورة الفرنسية فلسفياً ) وبين اتجاهات في الكنيسة ترفض المثلية والإجهاض والتفكك العائلي ومظاهر أخلاقية واجتماعية بدأت تسود في المجتمعات الغربية , وهي اتجاهات محافظة لم تعد , كما في القرنين السابقين , مقتصرة على بقايا الأرستقراطية أو على المتدينين , وإنما أصبحت تمتد إلى جزء كبير من الفئات الوسطى وشرائح من الفقراء والمهمشين , فيما أصبحت التحررية الأخلاقية , والتي كانت سابقاً من منابع ليبرالية وراديكالية ويسارية , متركزة ضمن مثقفي الساحل الشرقي الأمريكي وعند مثليي سان فرانسيسكو ولدى ليبراليي وول ستريت من رجال الأعمال إضافة إلى التكنوقراط ومتعاملي الهاي تكنيك .
بان هذا التوجه الثالوثي ( نزعة هجومية في العلاقات الدولية لإعادة صياغة العالم أمريكياً - ليبرالية جامحة في الاقتصاد - محافظة أخلاقية ) في عهد بوش الابن , ثم تكرّس في انتخابات عام 2004 من خلال قاعدة اجتماعية قوية فاجأت الكثيرين من الذين عاشوا على صورة ذلك المشهد الانتخابي في ولاية فلوريدا علم 2000 .
لم يتحول ذلك , بعد , إلى تركيب ايديولوجي متكامل , برغم أن ذلك يوجه سياسة القطب الواحد للعالم الذي يشعر بنفسه وحيداً في الملعب الدولي ويتصرف على أساس هذا , إلا أن المدهش هو اجتماع بيرك مع جون ستيوارت ميل وبات روبرتسون في صحن واحد مع بعض من بهارات ليو شتراوس في الفلسفة الأخلاقية .
في هذا الإطار , يلفت النظر أن الكثير من منظّري ( المحافظون الجدد ) , والذين كانوا تروتسكيين سابقين مثل ريتشارد بيرل وويليام كريستول , يستعيرون نظرية ( الثورة الدائمة ) من تروتسكي لتطبيق ثوريته ونزعته التغييرية لصالح رؤية أممية يمينية تريد تغيير العالم والعلاقات الدولية عبر ( الديمقراطية ) و ( حقوق الإنسان ) و ( اقتصاد السوق ) و ( حقوق الأقليات ) , بعد أن كان اليمين , طوال القرنين السابقين , من أنصار الحفاظ على الوضع القائم في السياستين الداخلية والخارجية , وكذلك في الاقتصاد .
هل انتقلت شعلة التغيير ( وهو أمر لا يقتصر على ( المحافظون الجدد ) وأنصارهم في الكنيسة بالغرب وإنما يمتد إلى الأصوليتين الإسلامية والهندوسية وهما تحويان اتجاهات تغييرية في المشهد الاجتماعي من خلال استنادهما إلى قاعدة عريضة من الفقراء والمهمشين إضافة إلى واقع تصّدر الاسلاميين للمهام الوطنية في فلسطين والعراق فيما الكثير من يساريي وليبراليي العالم العربي يتجهون نحو التحاقية بالمركب الأمريكي (( ألتغييري ))) من أيدي الراديكالية الموروثة من الثورة الفرنسية وبعاقبتها , ومن يدي ماركس ولينين , إلى جهة أخرى هي عند اليمين ؟ ......

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عدد الكلمات: 873








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة ايريك سيوتي عضو اليمين الفائز بمقعد البرلمان عن نيس|#عا


.. قراءة عسكرية.. محور نتساريم بين دعم عمليات الاحتلال و تحوله




.. تفعيل المادة 25 قد يعزل بايدن.. وترمب لا يفضل استخدامها ضد خ


.. حملة بايدن تتعرض لضغوطات بعد استقالة مذيعة لاعتمادها أسئلة م




.. البيت الأبيض: المستوطنات الإسرائيلية تقوض عملية السلام والاس