الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدولة القاصرة . . و الآفاق !

مهند البراك

2012 / 5 / 23
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


و تسمى ايضاً (دولة دول*) . . ففي الوقت الذي ناضل فيه العراقيون بكل اطيافهم القومية و الدينية و الفكرية، رجالاً و نساءً ضد الدكتاتورية الفردية و قدّموا الغالي و النفيس في سبيل قيام بديل ديمقراطي تعددي على اساس دولة المؤسسات . . سقطت الدكتاتورية و بدأت عملية سياسية انجبت حكومات حملت اسماءً متنوعة، من المشاركة و المحاصصة و الى الشراكة . . في واقع حال هدّأ النفوس بالآمال بدايةً ، رغم انواع المحن.
و يرى مراقبون و وكالات انباء محايدة، بأنه رغم ماتحقق في مجالات قياساً بزمان الدكتاتورية البائد و رغم جهود بُذلت و تُبذل من اجل دولة مؤسسات حقيقية . . فإن ماحصل و يحصل و رغم الآلام و الجهود هو ليس اكثر من تحوّل دولة الحزب الواحد الى (دولة الاحزاب ـ الواحدة ـ) و (دولة دول)، التي الغت حكم الدكتاتورية لكنها لم تنه مفرداتها و منطقها و آليات عملها في الواقع القائم . . و لم تأتِ ببدائل على اساس برامج الأحزاب التي ناضلت بها لأسقاط الدكتاتورية و ايّدتها الجماهير . .
و اليوم و بعد مرور اكثر من تسع سنوات، يتساءل كثيرون و هم يعيشون في دولة ذات دستور جرى التصويت عليه و لكن لا يجري الالتزام باسسه و بروح مواده، بل و يُنتهك و تعلّق مواد مصيرية منه بسهولة لتكون في طيّ النسيان في خضم احداث تجري و اخرى تُفتعل . .
يتساءلون عن حقيقة ما يجري بعيدا عن شخصنة المشاكل . . هل عاد العراق الى حكم الصراع الصفوي ـ العثماني ؟ و حكم الامارات و الكيانات المتصارعة المحميّة من الخارج ؟. . ام هل نُسيت العولمة و قوى التحديث العالمية ؟ ام ان ما يجري هو تطبيق لها عبّر عنه مشروع " بيكر ـ هاملتون " الستراتيجي اواخر عام 2006 الداعي الى التفاعل و التاقلم مع الواقع الاقليمي الجاري بصراعاته في الشرق الاوسط و الخليج و تلبّسه، لتحقيق الأهداف الستراتيجية للقوة العظمى و لتقليل نفقات الادارة الأميركية، و ادىّ الى توافق سياسي اميركي ـ ايراني لايعرف مداه و لاسقفه بخصوص نقاط ملتهبة في المنطقة ؟
ام هو تطوير لذلك المشروع و تطبيقات له . . بان تترك الادارة الاميركية صراعات المنطقة منفلتة، لإستنزاف اقطابها بعضهم لبعض في فتن طائفية و دينية و عرقية سريعة العدوى و الالتهاب، مقابل احتفاظها بمواقع ستراتيجية في الامن و الطاقة ؟ ام ان ما يجري يرتبط بتغيّر الستراتيجية العسكرية الأميركية التي قلّصت عقود الافراد في قوات المارينز الاميركية بحدود الـ 14 % ، بعد ان صارت الماكنة الحربية العظمى تعتمد على " طائرات بلا طيّار" في تحقيق الاهداف العسكرية، وفق وسائل الاعلام و وكالات الأنباء الأميركية و الغربية.
و يرى خبراء و سياسيون و علماء اجتماع، ان العراقيين ان استطاعوا توحيد كلمتهم و تقبّل احدهم الآخر و تعايش مع آلامه و آماله . . قادرون ان يكونوا هم القطب المؤثر في المنطقة بثروات بلادهم و طاقاتها البشرية و العلمية و الثقافية و الحضارية، القطب الذي تنشده شعوب المنطقة و قواها و اديانها و مذاهبها لقوة مثاله و قدراته، بدلا من ان يكون قطبا تُهدر طاقاته و طاقات ابنائه على مذبح المنافع الانانية لفئات متنفذة تستفيد من استمرار الصراعات الطائفية و الدينية و العرقية . .
في خضم صراع مرير تعمل دول عظمى و اقليمية و كيانات متنفذة على اعاقة " التوحيد و تقبّل الآخر" بكل السبل، حفاظاً على مصالحها و على المصالح الانانية لتلك الفئات المتنفذة من الطبقة السياسية الحاكمة، بما فيها من يركبهم هوس الزعامة بأي ثمن، و لايبالون ان بقي العراق و ابنائه باطيافهم تابعين و اذلاّء في بلد ممزق يتناهشه كبار قراصنة العالم و المنطقة برؤيتهم للعالم بعينهم الواحدة . . سواء كانت ديناً ام طائفةً او قومية . . او نفطاً و يورانيوم.
و يحذّرون من ان الصراعات العراقية ـ العراقية دخلت و تدخل اكثر على محاور دولية خطيرة . . . بعيدة عن احلامٍ تُغنّى و آمالٍ تطرب لها النفوس، رغم اشاعتها للأمل الضروري لكل تغيير. و انه لمن الضروري ان لايغيب عن البال ان قوّة اي مكوّن عراقي تتضاعف فعلاً بالتضامن و التآخي مع المكوّنات العراقية الأخرى على الاسس الدستورية التي صُوّت لها . .
من اجل تحرر كل مكوّن من قيود خارجية تحاول تقييده، و من اجل السير على طريق تكوين قدرة البلاد بمكوناتها على مواجهة التحديات الدولية و الإقليمية و توافقاتها و صراعاتها سواء كانت مؤقتة او دائمة، لضمان حقوق البلاد و شعبها بعربه و كرده و كلّ اطيافه، و من اجل رفاهها و تطورها الاجتماعي و خاصة اوسع فئاته الكادحة من شغيلة اليد و الفكر باطيافهم.
و فيما يرى سياسيون و خبراء فائدة تقبّل الاطراف آلية حكم دستوري تقوم على اساس برامج "ائتلاف حكم" و "ائتلاف معارضة" ـ كما تنجح تجربة البرلمان الكوردستاني العراقي كنموذج ـ انسجاماً مع التطورات العالمية وآليات قواها الاقتصادية و حكوماتها . . يرى آخرون ان آلية حكم توافق القوى العراقية و فق برنامج سياسي و نظام عمل حكومي على اساس دستور لاتزال صحيّة، لتجاوز فتن دينية و طائفية لاترحم و لقطع الطريق على احتمالات تواصل اشعالها في المرحلة الراهنة، و بسبب استمرار وجود احزاب على اساس ديني و طائفي رغم التحولات الجارية في قسم منها نحو تشكيل احزاب سياسية . . بشرط تجاوز نظام المحاصصة الطائفية الجامد و اعتماد النزاهة و الكفاءة لصالح المصلحة الوطنية للجميع، و بشرط الالتزام بفقرات الدستور، و قطع الطريق على التلاعب بها او عليها بالمتاجرة بـ (المقدس) و (المصلحة العامة) او بالإدّعاء المنافق بـ (الأخلاق) . . التي صارت معروفة جهاتها و غاياتها و نتائجها .
بدلاً من استمرار دولة مؤسسات قاصرة اختلطت فيها السياسة، بالدين و المذهب و اساءت سلوكيات المتنفذين لهما، دولة غُيّبت فيها الشفافية و صار لايعرف فيها ما يجري و ما يتفّق و يُختلف عليه . . و لايعرف فيها اين يقع الحق و مع من في الواقع المعاش، و ليس فيما يُسطّر و ينظّر به على الورق . . و كأنها استمرار بواجهة جديدة للدكتاتورية السابقة تقسّمت على ورثة .

23 / 5 / 2012 ، مهند البراك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) تستقوي كياناتها المتنفذة بدول كبرى او اقليمية كما تشير معظم وكالات الانباء المحايدة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عزة.. ماذا بعد؟ | المعارضة الإسرائيلية تمنح نتنياهو -الأمان-


.. فيضانات في الهند توقع أضراراً طالت ملايين الأشخاص




.. مواجهة مرتقبة بين إسبانيا وفرنسا في نصف نهائي يورو 2024


.. الاستقرار المالي يثير هلع الفرنسيين




.. تفاعلكم | مذيعة أميركية تخسر وظيفتها بسبب مقابلة مع بايدن!