الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لقــد إنتخبنـــا العـــــراق

هادي الخزاعي

2005 / 2 / 1
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


كانت مسافة الطريق الطويلة التي ركبتها أنا وعائلتي المتلهفة أكثر مني للوصول الى المركز الأنتخابي الخاص بيوم القرار العراقي، وهو يوم الأنتخاب العراقي. لقد اختصرتْ تلك المسافة كل سنوات العمر بمفردة وجيزة ، وهي " أن أنتخب "، والتي من خلالها سأمارس لأول مرة حقي في أنسانيتي المفقودة منذ عقود ثقيلة كُممتْ فيها الأفواه وغُيبتْ فيها مفردة الحرية.
لقد كانت أشبه بدورة زمان مسجلة على رقاقةِ فلمٍ لم أتبين من تفاصيلها المريرة، أي لون غير الأسود والمعتم وقليل من اللون الأبيض المضبب.
لقد كانت دورة الزمان تلك، الطويلة نسبيا، تشكل زمن وعيًّ السياسي ومسافة علاقتي مع ظاهرة الأنتخابات مشاهدة وممارسة.
لم أشهد في رقاقة زمني تلك التي أدرتها في ذهني سوى مشاهد عراقية متفرقة حتى لا تُعد على اصابع اليد الواحدة، مشاهد شحيحة من كل شيء، تلك التي مارستُ فيها اللعبة الأنتخابية بتفاصيلها العامة، وقد كانت فقط في عملي السياسي (الحزبي) والمهني في فرقي المسرحية التي عملت فيها ( فرقتا مسرح الصداقة وفرقة المسرح الشعبي ـ الستون كرسي ـ في بغداد ) وما خلاها فأني لم أتعاطى مع مفردة الأنتخاب إلا من خلال ما كنت أسمع أو أقرأ. لذا لم تكن تشكل في وجداني كظاهرة عامة تمارس في أصقاع العالم، غير مشتهى مستحيل يقع في آخر المدى، ومستوى تحقق هذه الممارسة لا يعدو أن يكون أكثر من وجد مصلوب على قازوق لا يتصل بالأرض.
وحتى تلك المرات القليلة الضيقة الحيز التي مارست فيها تلك اللعبة الأثيرة، ما كانت لتخلو من فرط من اليقين والقليل من الشك في صحة سيروتها والى ما ستؤول أو تصير، ولكني كنت منسجما معها بكل تفاصيل المعنى التي تضمها، ومؤمن بالنتائج التي كان يتمخض عنها
فرز الأصوات ولا يتسرب الى وجداني الشك بصحة النتائج تلك.

اكاد لا أصدق هذه المشهدية الملونة، فها أنا اليوم أبحر قريبا من مرفا وجدي فأتطلع الى مسافة السنين الطويلة التي فصلتني عن الأقتراب من ذلك الصندوق العجيب الذ ي يشبه في نظري صندوق الدنيا الذي كان يلامس دوما كنانة طفولتي فتلوح في ظلمة ذلك الصندوق الخرافي، الكائنات والمدن العجيبة ، فأستريح لتلك النصوص البصرية المشبعة بروائح الأساطير، فيأسرني الحلم حتى وأنا أترك صف الصبية الذين ينتظرون فسحة ليشاهدوا ما شاهدت.
يا لهذا الصندوق الأنتخابي الذي سأضع فيه ورقة أحلامي الخالية من الشكوك فيمن سأختار ، هذا الصندوق الذي جذبني وغيري اليه كعيون الشمس، متطامنين الى ما سيكون من مرتجى .
في لمحات من ذلك الأسترسال المتراكض المح أبتسامات عائلتي التي تتفيأ بالسعادة، رفيقة العمر التي أحتملت أكثر مما أحتملت أنا من غربة ومشقة وعذابات زمن الأغتراب الممتد من أول زغب الحب الى آخر تصريح بعمر أبنتنا التي يسمح لها بأن تنتخب، أبنتنا التي أنجبتها غربتنا القاسيه، ولكنها تنشقت عشق العراق من عطور مشاعر العراقيين الذين رافقناهم ورافقونا في خضم تلك المساحة الشاسعة من جغرافية أغترابنا.
أشهد أن لحظة وقوفي أمام صندوق الأقتراع كانت لحظة ولا كل سنوات العمر،حتى اني كنت مملوكا لمشاعر أن أمسك بالورقة الأنتخابية أطول ما أستطيع من اللحظات فتحايلت على الواقف الى جانب الصندوق فَقَبلتُ الورقة ووضعتها على رأسي كي أكسب لحظات أطول ومن ثم أودعتها صندوق الدنيا العراقية التي نتمناها دنيا جديدة لكل العراقيين المؤمل فيهم أن يرفضوا أن يعود بهم التأريخ الى وراء عند ظهور أي ملمح لشبح دكتاتور كالذي كان، ومهما سيرتدي من قفطان وبأي الألوان حتى كان لون الحياة.
وضعنا نحن الثلاثة سباباتنا في حبر الجنة البنفسج كما فعل ذلك الملايين من العراقيين وكانهم وكأننا نقول نحن بنوك يا عراق أحببناك بعهد يشبه عهد الحرة التي قصت جديلتها حتى تتحقق أرادتها. مبروك للذين فرحوا للعراق ولهم، ومبروك للذين غشتهم الفرحة عبر ضحكة أو دمعة فقد رأيت فيهم أنهم قد صوتوا للعراق بغض الطرف عن الرقم الذي أشروه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتصامات الجامعات الأميركية وانعكاسها على الحملات الانتخابية


.. ترامب يكثف جهوده لتجاوز تحديات الانتخابات الرئاسية | #أميركا




.. دمار غزة بكاميرا موظفة في الا?ونروا


.. رئيس مجلس النواب الأمريكي يهدد بإسقاط التا?شيرة الا?مريكية ع




.. 9 شهداء بينهم 4 أطفال في قصف إسرائيلي على منزل في حي التنور