الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السخرية أسلوبا لفضح تناقضات المجتمع في رواية -ابن السماء- لمصطفى لغتيري.

مصطفى لغتيري

2012 / 5 / 24
الادب والفن


السخرية أسلوبا لفضح تناقضات المجتمع في رواية "ابن السماء" لمصطفى لغتيري.
الاستاذة نجية جنة
خريجة كلية الآداب
شعبة الإنجليزية


إن القراءة الأولى لرواية ابن السماء للأستاذ الكاتب المتميز مصطفى لغتيري ، لا يمكنها إلا أن تحيلنا على قراءات مفتوحة عديدة ، فهي بأسلوبها السهل السلس و الذي يميل فيه الكاتب إلى الترميز ، يمكن للقارئ البسيط أن يستلذ من خلاله الحكي (أي الأحداث والحبكة الروائية الممزوجة بالخيال و التي اتخذت من الواقع قاعدة لها ) ليجد نفسه وصل إلى نهاية يتمنى من خلالها أن يواصل أحداثا جديدة ، خصوصا مع الشاب اليافع إدريس المتنور بفضل متابعته للدراسة ، وربما لو وظفه الكاتب لكتب عدة أجزاء أخرى عن الحركة الوطنية التي سوف ينخرط فيها إدريس كما يبدو .

وبنفس الأسلوب الانسيابي السهل و اللغة البسيطة جدا ، سيجد القارئ المثقف نفسه أمام حبكة تمزج الواقع بالخيال ، بلغة ممتعة تحس معها بمتعة القراءة وستربطك بالرواية وتتجانس معها وتضع الافتراضات وتستنبط المعاني الخفية التي أراد الكاتب أن يخفيها وراء بساطة الأسلوب و الموضوع . وهذا ما يسمى بالسهل الممتنع . والذي سيوصل الرواية إلى الأدب العالمي .

إن رواية " ابن السماء " التي أثارت جدلا حول تسميتها ، يمكنها أن تعطينا انطباعات كثيرة قبل قراءتها ، كأن نظن أنها ستعالج مسائل دينية أو تخالفها ، أو تطعن فيها ، ولكن ما إن تشرع في الغوص في تفاصيل الأحداث و الشخوص حتى تجد أن الرواية تحمل هما ثقيلا و تجد البطل مثقلا بهموم اجتماعية لا خلاص منها ، وأن الكاتب همه الأوحد هو مناقشة قضايا المجتمع، سواء سياسية او إقتصادية او اجتماعية، و يعريها ويفضح المستور الراسخ ولا زال راسخا وسيستمر في الرسوخ مادام مسكوتا عنه.

وهنا أجد قراءتي المتأنية للرواية والأسلوب الساخر اللاذع الذي اعتمده الاستاذ لغتيري يذكراني بمسرحية الكاتب الانجليزي جورج برنارد شو وأسلوبه في " الرجل و الرجل الخارق " man and superman
فكلا الكاتبين يتخذان من أسلوب السخرية اللاذعة نمطا لاستقراء الواقع و النبش في مكنوناته ، هما معا يمتلكان زخما من الأفكار المتوارية وراء الفيض الإبداعي الذي لا نجده عند كثير من الكتاب ، يشتغلان على قضايا مجتمعية محضة و يصوران الواقع المرير و الفوارق الطبقية و الاحداث التاريخية التي تؤطر الواقع وتتحكم فيه.

فالبطل عند برنارد شو هو الدون جوان الشهير بغواياته الكثيرة للنساء، ولكن الكاتب اتخذه كرمز ليظهر من خلاله تصادم قوى الخير و الشر وجعله يتوارى الى السماء و بالخصوص في جهنم ، ويلتقي بأناس يعرفهم في حياته ليحاورهم ويظهر من خلال حواراته المتعددة وفلسفته في الحياة مدى فداحة الاخطاء السائدة في المجتمع والعيوب و الممارسات المسكوت عنها.

فابن السماء عند لغتيري اتخذ من الصمت وسيلته لرفض الواقع وممارساته الملغومة ، و علاقته بالسماء اتخذت منحى آخر وهو الهبوط عكس الدون جوان ، الذي صعد إليها، وانتظار الفرج في الدنيا و الذي سوف لن يكون إلا برجوعه إلى السماء حيث الصفاء و النقاء، فابن السماء و الدون جوان لهما نفس العلاقة بالسماء وهي العلاقة الجدلية المتواجدة منذ الازل ملازمة للإنسان ألا وهي صارع الخير و الشر – الشيطان و الملاك- فهي علاقة حميمية تقاربية ، وتنافرية ضدية على اعتبار أن الشيطان ملازم للإنسان، وبطلنا يلازمه تهوره ، الذي يتجلى في سلبيته المتواصلة اتجاه كل المواقف.

فعلاقة البطلين بالسماء ماهي سوى نفور من الواقع المعيش ، فبطل لغتيري مؤمن و مسالم ، طرد من نعيم السماء ليجد نفسه و سط تعقيدات الدنيا ، يصادف الفشل و يتعرض لاستغلال بشع من طرف الناس ، ولكنه يتحلى بالصبر في انتظار ان يعود الى السماء ليهنأ ويتخلص من تعقيدات الواقع المرير الذي يظهر أنه سوف لن يتحسن أبدا . فالكاتب بأسلوبه الساخر جعل البطل حائرا ومربكا ، وحتى سلوكه غير واضح لا يجد منفذا سوى الدخول في غيبوبة إرادية يحاول من خلالها إبداء تمرده و رفضة لواقعه .وهنا يمكننا أن نقول بأن الكاتب أيضا أراد أن يناقش ويسخر من ظاهرة التصوف التي كانت متفشية أثناء فترة الاستعمار ، فالبطل عوض ان يحاول تغيير واقعه و يتشبث بالأمل ، يستكين و يرضى بما هو فيه و يختفي وراء فكرة الولي الصالح ، فهو بطل مسلوب الارادة رغم قوته الجسدية ، وكأنه يعاني من انفصام في الشخصية .نفس البطل في مسرحية برنارد شو ،الذي سيطر على كل من حوله وقهرهم بحجته في الحوار ولكنه لم يجد ضالته إلا في العالم الآخر ، فهناك حقق مبتغاه وكشف كل النفاقات وكل الممارسات المسكوت عنها في المجتمع وعاش في تناغم تام.

وإذا استحضرنا الفترة التاريخية لبرنارد شو نجد تشابه الاحداث مع الواقع الذي تناوله الغتيري ، فأوربا في تلك الفترة كانت تعرف تطورات على جميع الاصعدة سواء السياسية او الاقتصادية او الاجتماعية ، فالثورة الصناعية خلفت مشاكل وفوارق طبقية عانى منها المجتمع لفترات طويلة ، نفس الشيء في رواية ابن السماء فرغم قوله في الجزء الاول أنه يحاول مع البطل منذ عشر سنين حتى يجد له إطارا خاصا به يرضيه ، إلا انه نشرها في الوقت الراهن أي فترة ما يسمى بالربيع العربي و الثورات المناهضة لقوى الظلم و الاستبداد و الفساد. فالرواية عادت بنا الى زمن الاستعمار الفرنسي بالمغرب وزمن استحواد الفكر الخرافي مع انتشار ظاهرة الاولياء
و الصالحين ، واستبداد القواد الموالين للاستعمار بالسلطة ،وانتشار ظاهرة البغاء ، فالرواية تحاول فضح الممارسات الدينية و السياسية والمجتمعية التي كانت متفشية في تلك الحقبة التاريخية .
وبطله ما هو إلا الانسان العربي المستلب سواء أكان في فترة الاستعمار او في هذه الفترة ، فالمجتمع العربي لم يزده الاستقلال الا رسوخا في كل الممارسات الخرافية والعقائدية الخاطئة وانتشار الدعارة والاستبداد وتعايش الانسان المغربي او العربي معها وكأنها سلوكات مسلم بها .

خلاصة القول أن رواية ابن السماء للأستاذ لغتيري جاءت لتعري الواقع وتفضح كل الممارسات والسلوكات المسكوت عنها سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية .

الأستاذة نجية جنة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة


.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟




.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا