الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حقبة جديدة - صوت القدس والأسرى من الجزائر

علي شكشك

2012 / 5 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


حقبة جديدة
"صوت القدس والأسرى من الجزائر"
علي شكشك
في مناخات المعادلات الجديدة التي استجدت في الصراع العربي الصهيوني وبعد ما يقارب ستة عقود على بدء النكبة يكتشف الوعي الجمعي الفلسطيني والعربي أيضاً معادلاته الخاصة التي تنبت فيه بفاعلية انهماكه واهتمامه ومكابدته للتحدي المتمثل في كل معاني هذا المشروع الصهيوني ويبدع مسارب جديدة ومسارات خلاقة وطرائقَ بكر يتوازن بها ويتشبث من خلالها بحقه الأول الكامل والذي ما كان هذا المشروع الصهيوني إلا ليسلبه إياه،
فبعد المسارات الكثيرة والعميقة والاجتهادات التي انتظمتها الحركة الفلسطينية والعربية والتي تموجت صعوداً وتقدماً وهبوطاً وانحساراً حرباً شعبية وحروباً شاملةً .. معارك سياسية ومعارك دبلوماسية و معارك قانونية .. ميادين كثيرة ارتادتها أيادي وأقدام وقلوب الملايين كان حلمهم معها يعلو ويترقب مع أنفاسهم ويهبط معها، معارك ضارية على التمثيل السياسي كان فيها الروم أمامي وسوى الروم ورائي، بحكمة كبيرة تلمست الجماهير دروبها في متاهة صعبة ومناخات قمعٍ شرسة ليس من المجتمع الدولي والقوى المتحكمة الحاكمة التي أقامت "إسرائيل" فقط ولكن أيضاً من جهات تمارس وظيفة الكومبرادور في منطقتنا، الجماهير فعلت ذلك بحكمة كبيرة وشجاعة كبيرة وبصبر كبير، كانت الحركة الوطنية في أشد حالات تجليها ولهذا كانت في أشد حالات تمثيلها لضمير هذه الجماهير، أو العكس،
كانت قسوة المجتمع الدولي شديدة الوقع وكانت يده باطشة، وكان يتضح شيئاً فشيئا اللوحة النهائية التي يراد رسمها لنا، وكانت تتجلى نوايا الدولة التي أنشأتها الحركة الصهيونية، لم يكن المسار إلا التفافاً على الوعي ومراهنةً على الوقت لشرذمتنا وتشريدنا، ليس فقط جغرافياً ولكن من ذاكرة التاريخ أيضاً وقواميس البشر وأطالس تلاميذ المدارس وبروتوكولات المنظمات الدولية، وبدأ يتبلور في مكنوننا الجمعي العميق أن هناك إصراراً على إبادتنا الكاملة مغلفاً بمسارات السلام وابتسامات الجناة لحظةَ الجريمة،
بدا أنهم يتلهّون بنا ويخادعون الأمل فينا ويبتزّون عطشنا للتحقق الوطني لمساومتنا على جوهر حقوقنا وصلب ذاكرتنا، بدا أنهم كلمنا أوغلوا فينا كلما ازدادوا نهماً لارتياد مناطقَ أوسع وأعمق، وبدت هيمنهم وسطوتهم على مفاصل الحسم الدولي وعلى منتدياته تفصح عن نواياهم البعيدة، وكانت الحروب التي شُنَّت في السنوات الأخيرة تحاول أن تركّع الإقليم وتفسح مجالاً آمناً نهائياً للدولة الصهيونية، وبدأت أحلام اللاجئين تستشعر البرد، وكان الالتفاف على الاتفاقيات الموقعة مع الجانب الفلسطيني والحروبُ التي يشنها المستوطنون وتلك التي تحاول تثبيتنا في مقام العجز، فلا عودة ولا قدس ولا حدود، كانوا يتبادلون الكراسي مع لاءاتنا الثلاث في الخرطوم، وبدا أن ترسانة الشرعية الدولية تسعى لتغيير العالم وتكبيله بالتبعية وغيرها لتستقر الهيمنة على الجغرافيا والوعي،
في هذا المناخ تشكل وعيٌ عربي فلسطينيٌّ جديد على مهلٍ ولكن بغضب عالي الوتيرة، وبدا للجماهير أنها إن لم تتقدم هي وتقطع السياق فلن تكون إلا الضحية النهائية، كأن عهدها للأنظمة قد انتقض، في الوقت الذي تدرك فيه أنها متحللة من ضرورات الرسمية ومتخففة من أعبائها وأبعد عن مرمى نيران الترسانات المسلحة في ظلِّ وعيٍ وثقافة عالمية تمنح المدنيين حصانة وحقوقاً جديدة، وهي وإن كانت لمرامي مختلفة فلا بأس من الاستفادة من أجوائها، رغم أن المنظومة الاستعمارية إياها تطور أدوات حصار المفاهيم والتعريفات التي تحصنها حتى ضد المدنيين، وتضع تعريفاتٍ جديدة للأمن والإرهاب وتمدّه ليشمل الفكر والأيدولوجية والأنشطة الاقتصادية، ويعتمد بعضها قانون الأدلة السرية الذي ليس إلا استنساخاً كاملاً لقانون الاعتقال الإداري "الإسرائيلي" في تماهٍ كامل بين رعاة العالم الجديد والحركة الصهيونية وفي دلالة لا تخفي على التناصّ الكامل بينهما،
في هذه البوتقة من المكايدة الجمعية للوعي والقلق والأمل وإمكانيات الفعل يتسع الخيال وتتفتق كوّات وتتبرعم الروح عن متنفسات وتتخلّق أدواتٌ ما كان لها أن تكون لولا جدلية الإيمان والمكابدة ولولا ذلك الشيء الكامن في منطقة اليقين واستبسال مكمن الكرامة في معركة الروح الأخير، فطاقة الحق على المواصلة ليس لها حدود، ولا يقف أمام جمع الإرادة جدار، تستأنس الجموع باجتماعها وتلدُ ما لا تتوقعه هي ذاتها من ذاتها، تصبح لحظة الكرامة جديرة بالتوقيع ومتجاوزةً لمجمل التحديات، ما الإنسان إلا إرادة، ويكفي التحدي لاستنهاض ما خفي من الكامن فيها، حين تكتشف ذاتها وتتلمس قدراتها وتفيض بداخلها، هي لذلك لحظة تحوّل تاريخي لآنها أيضاً لحظة كشف تاريخي تتجاوز فيه حسابات العلوم والدراسات المؤسسة على تجارب سابقة، فما يستجدُّ يكون انتباهاً جديداً سيضاف إلى تاريخ منظومات المعرفة ويؤسس لعوامل جديدة ومفاعيل تضاف إلى ما عُرِفَ حتى الآن،
في مثل هذا المنطق تبرعمت الانتفاضة وكانت جملةً تاريخية جمعية في سياقٍ اقتضاها وردّاً على مقولاتِ تلك المرحلة وعلى ثقافةٍ يُرادُ تكريسُها وإرادةٍ يُرادُ كسرُها،
وبهذه القراءة يمكن فهمُ كثيرٍ من الإبداعات في شكل الروح الفلسطينية في البرهة الأخيرة، فمناخ التظاهرات الدورية ضدّ الجدار وتقليدُ التضامن من الناشطين ومناسباتُ جلب الانتباه لعناوين القضية الفلسطينية في المطارات وعلى الحدود وسفنُ العودة وتجمعاتُ ذكرى بدء النكبة على الحدود كلُّها إبداعات تنمُّ عن مخزون جماهيري لا ينضب في ابتكار آليات تبقي الجرح مكشوفاً على بداهته وتمنحُ المشهدَ لونَ الصراع الشامل، كما تذكر الطغاة بطعم الروح الأول ويعيدهم إلى لحظة الصفر في المعادلة، شرعية دولة الحركة الصهيونية كلها باطلة، رغم اطمئنانهم في لحظةٍ ما إلى حساباتهم وصمت الدول الغارقة في دم المجتمع الدولي ورغم غفوتهم على الوساد النووية،
نملك ما لا يملكون، الحزن والجرح واليقين، ومنها حين يضيق الأفق يكفي أن نشرع حزننا على الريح فتأتلف جالياتنا في أوروبا وتستأنف جرحها الأول، للجرح دائماً طعمٌ أول، كأن لم تكن كلُّ هذه العقود، الهتاف أوّل، واليقين أوّل، ليكن سياقنا أوّلاً، كأننا نستأنف فقط حالتنا، كاليوم الأوّل، فبعد عدّة عقودٍ من صراعٍ كاد العالم أن يجمّده عند درجة المنفى تكون قصيدة "عابرون في كلامٍ عابر" عنواناً لمنتهى العودة إلى البداهة الأولى، وتكون سخريةً من ترسانة القهر وسلاسل الجدران وعربدة اطمئنانهم إلى أيّ مصير، كأنهم لا يزيدون على أن يهيئوا مراسمهم لإيقاع القصيدة الأخير، لتكن عناويننا كاملة وبرسم حقوق الإنسان وشرعة التكنولوجيا في زمن الاتصالات وعري المعارك وفوسفور الحضارة، تحتمي الشعوب بما يسنُّه العدوُّ من شرائع وسكاكين لحماية ذاته، فدولة الديمقراطية وحقوق الإنسان هي ذاتها التي تمتهن الأسرى وتنتهك الإنسان، وهي التي تتوسل شرعيتها من تميزها وتفردها في محيط مغاير لنكهة القرن الحادي والعشرين، ألا يكفي أن يكون الإضراب الجماعي للأسرى إذن مدعاةً لتزكمَ رائحتُهم أنوفَ الذين يعتقلون رائحة الأسرى وأنوفَ الذين يعتنقون رائحة المستوطنين، وألا يفسر ذلك رعبَهم ومسارعتَهم إلى المساومة على إنقاذ سمعتهم،
صوت الأسير مثل مفرداتٍ تتبرعم في كيمياء الروح الفلسطينية والعربية وفي مجتمعاتٍ كثيرة لا تني تستجيب للإنسان فيها، هي برعمة تتشكل جملةً في مقولة تستجيب لتفاعلات المرحلة وتشكل بمجموعها مقولة كاملة، هي إبداع شعب توافقت مفرداته على سيمفونيتها وعزفت حزنها وأسفرت عن جرحها في مرحلة تتلمس أدواتها الملائمة، كما أنّ لجان العودة مفردةٌ أخرى تنبضُ بطعم اليوم الأول للنكبة، والمدى مفتوحٌ لكلِّ الدروب التي تفضي إلى الانعتاق الكامل وعودة الروح، وهي كلُّها علاماتٌ على حقبةٍ جديدة غير قابلةٍ للهزيمة إذ أنها الروحُ الجمعية هي التي تبادر على طريقتها لامتلاك زمام الروح،








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس.. تناقض في خطاب الجناحين السياسي والعسكري ينعكس سلبا عل


.. حزب الله.. إسرائيل لم تقض على نصف قادتنا




.. وفد أمريكي يجري مباحثات في نيامي بشأن سحب القوات الأمريكية م


.. شاهد: شبلان من نمور سومطرة في حديقة حيوان برلين يخضعان لأول




.. إيران تتحدث عن قواعد اشتباك جديدة مع إسرائيل.. فهل توقف الأم