الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على هامش الإنتخابات الرئاسية الفرنسية : لا علاقة لفرنسوا هولاند باليسار ولا علاقة للحزب الإشتراكي الفرنسي بالماركسية اللينينية

عبدالله بنسعد

2012 / 5 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


إهتمّ الشارع السياسي في تونس كما في بقية البلدان العربية هذه الأيام بالإنتخابات الرئاسية الفرنسية كما إهتمت بها جل الصحف والنخب السياسية فحبّر العديدون مقالات طويلة حول هذا الموضوع وقد لفت إنتباهي شبه الإجماع الحاصل حول إعتبار "فرنسوا هولاند" هو الرئيس الأفضل للعرب بصفة عامة ولتونس بصفة خاصة.
أمّا ما تجدر الإشارة إليه فهو التركيز الكبير على أنّ فرنسوا هولاند هو مرشّح اليسار الفرنسي بإعتباره ينتمي إلى الحزب الإشتراكي وكأنّ الحزب الإشتراكي حزب يساري. فهل قرأ هؤلاء البرنامج الإقتصادي والسياسي الذي دافع عنه "فرنسوا هولاند" خلال حملته الإنتخابية والذي لا يعدو أن يكون برنامجا ليبراليا مصبّغ ببعض الأصباغ الإصلاحية التي لا تخرج عن برنامج الإشتراكية الديمقراطية التي دعمتها الإمبريالية من أجل بثّ الأوهام في صفوف العناصر الأقل وعيا داخل الطبقة العاملة ؟
1. من الإستعمار المباشر إلى الإستعمار الجديد
إثر الإنتعاشة التي شهدتها حركات التحرر الوطني في مختلف بقاع العالم بعد ثورة أكتوبر 1917 والدعم الذي لقيته من الإتحاد السوفياتي خاصة خلال فترة حكم جوزيف ستالين حصلت العديد من البلدان على إستقلاقها بعد تضحيات جسام (الصين ، الجزائر ، فيتنام ...) أو أرغمت البلدان الإستعمارية على الإعلان عن إستقلال بلدان أخرى لكنها في الحقيقة لم تقم إلا بتغيير شكل الإستعمار من إستعمار مباشر إلى إستعمار غير مباشر.
وكان لا بدّ من إنتهاج سياسة جديدة تحمي المصالح الحيوية للدول الإستعمارية فظهر الإستعمار الجديد كإستراتيجية بديلة حيث تواصل الإستغلال الإقتصادي ونهب ثروات المستعمرات القديمة مع ترك السلطة السياسية بيد طبقة حاكمة محلية تنفّذ ما أنيط بعهدتها.
ويرتكز الإستعمار الجديد على إستراتيجية "فرّق تسد" أو ما يعرف بسياسة "البلقنة" وهو ما يعني العمل على تقسيم أقاليم شاسعة كانت تاريخيا موحّدة إلى دويلات غير قابلة للحياة ولا تستطيع تنفيذ تنمية مستقلّة (أنظر ما حصل لبلدان اوروبا الشرقية والإتحاد السوفياتي).
كما تعتمد الإمبريالية على تحويل وجهة الصراع من صراع حقيقي أي صراع طبقي إلى صراع وهمي أي صراع قومي (في أوروبا الشرقية) أو صراع عرقي (في إفريقيا) أو صراع طائفي (في الوطن العربي) أو صراع ضدّ عصابات المخدرات (في أمريكا اللاتينية). كل ذلك من أجل قطع الطريق أمام كل محاولة لإعادة بناء حركة تقدّمية ثورية تمارس الصراع الطبقي والنضال الوطني.
فبالنسبة لفرنسا كان الإستفتاء الدستوري الذي قام به الجنرال ديغول يوم 28 سبتمبر 1958 لتأسيس ما سمّي بالرابطة الفرنكوفونية الإطار الذي نشط فيه الإستعمار الجديد لتدجين حركات التحرر الوطني الإفريقية أو ضربها مثلما وقع لأكبر تجمّع جزبي لدول غرب إفريقيا الذي كان يعرف بإسم التجمّع الديمقراطي الإفريقي (Rassemblement démocratique Africain)
2. نهب ثروات المستعمرات وأشباه المستعمرات
تعتبر فرنسا من أكثر الدول الاوروبية التي تعتمد على إفريقيا للحصول على حاجياتها من المواد الأولية الإستراتيجية التي تستعمل في الصناعات ذات التكنولوجيا العالية (الأسلحة الإستراتيجية ، الملاحة ، الجوية ، المفاعلات النووية ...).
ففرنسا تستورد/تنهب من إفريقيا 100 % من حاجياتها من الكوبالت ، من 87 إلى 100 % من الأورانيوم ، 83 % من الفسفاط ، 68 % من البوكيست ، 35 % من المنقناز إلخ
وقد حرصت فرنسا عند إمضائها على إتفاقيات الدفاع المشترك مع العديد من الدول الإفريقية في بداية الستينات على التنصيص على أن تكون لها الأولوية المطلقة في الحصول على المواد الأولية الإستراتيجية بل لها الحق كذلك في الحد من أي كمية تعتزم دولة إفريقية ما بيعها لدولة أخرى غير فرنسا بل والتدخّل لمنع بيعها أيضا عندما ترى أنّ مصلحتها تقتضي ذلك. ففي خصوص الأورانيوم ونظرا لأهمية البرنامج النووي الفرنسي حرصت فرنسا على ضمان تزودها بالكميات الضرورية. من ذلك أنها حصلت سنة 2000 على 17000 طن من الأورانيوم من بعض الدول الإفريقية وهو ما يمثّل تقريبا 76 % من الكمية التي بيعت في السوق العالمية.
3. الحضور العسكري والتدخّل الفرنسي في إفريقيا
مثلما أشرنا سابقا أمضت فرنسا مع العديد من مستعمراتها السابقة إتفاقيات للدفاع المشترك في بداية الستينات وقع التفاوض فيها من جديد في أواسط الثمانينات دون تغيير يذكر بل إمتدت هذه الإتفاقيات إلى دول لم تكن في دائرة النفوذ الفرنسي مثل كونغو كينشاسا (الزايير سابقا) وروندا وبورندي. وبذلك ضمنت فرنسا تواجدا عسكريا مباشرا في العديد من الدول الإفريقية وإن كان العدد الحقيقي للجنود غير معروف بصفة قاطعة لما يميّز مثل هذه المسائل للسرية فإنّ الرقم الأكثر تداولا يحوم حول 000 17 جندي يضاف لهم 000 13 جندي تتكون منهم قوة التدخّل السريع المحمولة جوا.
وللتاريخ يجب التذكير بأنّ فرنسا تدخّلت عسكريا في العديد من الدول الإفريقية وذلك لحماية مصالحا المباشرة عبر الحفاظ على الأنظمة العميلة القائمة في تلك البلدان ضد أي تهديد داخلي أو خارجي نذكر منها خاصة الغابون سنة 1964 ، التشاد سنوات 1960 و1963 و1968 و 1975 و1977 و 1980 و1983 ، موريتانيا سنة 1978 وإفريقيا الوسطى سنة 1979.
كما ساهمت بصفة مباشرة عن طريق "بوب دينار" عميل المخابرات العسكرية الفرنسية (إسمه الحقيقي جيلبار بورجيو حيث عاد نهائيا إلى فرنسا سنة 1991 وتوفي بها في 13 أكتوبر 2007 ) أو غير مباشرة عن طريق عملائها المحليين في العديد من الإنقلابات للإطاحة بالعديد من الرؤساء والقادة الأفارقة الوطنيين أوالماركسيين نذكر منهم على سبيل الذكر لا الحصر موديبو كايتا رئيس مالي في 19 نوفمبر 1968 ، همتني ديوري رئيس النيجر في 15 أفريل 1974 ، ماريان نقوابي رئيس الكونغو في 18 مارس 1977 ، ماتوي كيروكو رئيس البينين في 26 أكتوبر 1977 ، على صوالح رئيس جزر القمور في 13 ماي 1978 ، مختار ولد دادة رئيس موريتانيا في 10 جويلية 1978 ، طوماس سانكارا رئيس بوركينا فاسو في 16 أكتوبر 1987.
هذه بصفة عامة الثوابت التي ترتكز عليها السياسة الخارجية الفرنسية والتي نفذها على حدّ سواء جميع الرؤساء الفرنسيين سواء كانوا من اليمين أو ممن يسمونهم باليسار.
كما لا يمكن إنهاء هذه المساهمة حول موقف ما يسمّى بالحزب الإشتراكي الفرنسي من القضية الفلسطينية حيث معروف بأنّ هذا الحزب مخترق بصفة كبيرة جدا من اليهود المتصهينين. وقد سجّل التاريخ بأنّ أوّل رئيس دولة أجنبية يدخل الكنيست الصهيوني ويلقي فيه خطابا باللغة العبرية هو "فرنسوا ميتران" الرئيس الإشتراكي الأسبق و أنّ رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق ليونال جوسبان زار حائط المبكى بالمسجد الأقصى يوم 2 جويلية 2007 وبكى هناك إرضاء للصهاينة أما أكبر حادثة أثبتت كره القيادات المتنفّذة داخل ما يسمى بالحزب الإشتراكي الفرنسي للفسطنيين ودعمهم للصهاينة فهي قطعا الحادثة التي وقع فيها طرد الرفيق جورج حبش من فرنسا عندما سافر هناك للعلاج. فقد حصلت هذه الواقعة يوم 28 جانفي 1992 عندما سافر جورج حبش ليلا من تونس إلى باريس على متن طائرة خاصة للعلاج في أحد المستشفيات الباريسية بعد الإتفاق سرا مع رئيسة الوزراء الفرنسية إيديت كريسون على ذلك. لكنّ اليهود المتصهينين داخل الحزب الإشتراكي قاموا بترويج خبر زيارة جورج حبش الذي وبمجرّد أن وضع قدمه على أرض مطار أورلي بباريس وجد عشرات الكامراهات والصحافيين في إنتظاره مما جعله يعود إلى تونس وسط حملة ضدّ الفلسطينيين لم يسبق لها مثيل قام بتنظيمها اللوبي الصهيوني في فرنسا.
وفي الختام اقول للمطبلين والمزمرين للرئيس الفرنسي الجديد "فرنسوا هولاند" لا تحلموا كثيرا ولا تنتظروا هدايا من فرنسا مهما كان إسم الرئيس أو الحزب الذي يحكم.
قابس في 23 ماي 2012 د. عبدالله بنسعد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مدير المخابرات الأمريكية يتوجه إلى الدوحة وهنية يؤكد حرص الم


.. ليفربول يستعيد انتصاراته بفوز عريض على توتنهام




.. دلالات استهداف جنود الاحتلال داخل موقع كرم أبو سالم غلاف غزة


.. مسارات الاحتجاجات الطلابية في التاريخ الأمريكي.. ما وزنها ال




.. بعد مقتل جنودها.. إسرائيل تغلق معبر كرم أبو سالم أمام المساع