الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرئيس الخاسر في البلد الفائز

مجدي مهني أمين

2012 / 5 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


فازت مصر بأول انتخابات منذ ستين عاما، وقال أحد المعلقين: بل أنها أول انتخابات منذ 5000 عام.

فقد عرفت الحضارة اليونانية تجارب في الديمقراطية، بل أن فلاسفتها صاغوا نظريات في السياسة والحكم والديمقراطية، إلا أن الحضارة المصرية لم تحظً بمثل هذه التجارب، كان الفرعون في صدر المشهد، والكهنة في خلفيته، تستتب له ولهم أركان الحكم، والمصريون يردون على هذا الحكم الهرمي الديني بحضارتهم وزراعتهم وفنهم ونظامهم وعلمهم وتقواهم، كانوا بحق صناع الحضارة، هذا الحضارة التي صمدت أمام التاريخ كي تشهد لهذا الشعب بصبره وبقدرته على العطاء في أحلك الظروف وأكثرها قسوة.

فازت مصر بهذه الانتخابات، فازت بعد أن روى أبناءها الأرض الطاهرة بدمائهم الزكية، فازت مصر تخليدا لشهدائها، والمفارقة في فوزها أن يسري قلق بين الناس، يسري القلق وهم يرون الأحزاب الدينية وهي تقوم بتوزيع أكياس الأرز، وزجاجات الزيت، وأنابيب البوتاجاز على الفقراء مستغلة عوزهم كي يستولوا على أصواتهم، يسري قلق من نوع مركب وله توابع، فهذه الأحزاب تسعى للاستيلاء على الرئاسة بعد أن حصدت الأغلبية في البرلمان، وأنها بهذا النصر تكون قد ضمنت وضع مصر في عباءة التيار الديني، أما توابع القلق فهو أن هذه الأحزاب ستصل للحكم كي تبقى، فهي أحزاب لا تحترم الديمقراطية، والدليل ما تقوم به الآن من تجاوزات ورشاوي للمواطنين كي تستولي على أصواتهم.

قد يكون هذا القلق مبرر ومشروع، ولكنه قلق قد أغفل أن مصر صنعت ثورة، وأن الثورة مستمرة ، وأن الثورة تبحث عن رئيس أما كي يكمل معها المسيرة ، أو أن يكون هو شخصيا موضوع هذه الثورة، فمصر لن تستقر إلا عندما يستقر نظام الحكم فيها لصالح الناس، هذا هو الواقع ، فالدول المستقرة كلها دول ديمقراطية، والمكانة الأولى فيها للمواطن، والرأي فيها للشعب، والحكم فيها يتم بمنطق الصالح العام وحقوق الانسان ؛ الإنسان الذي تفرغ فيها- أي في هذه الدول- للبحث والمعرفة والإنتاج والإبداع، تفرغ وهو آمِن للتفوق.

ولقد بدأنا ثورة كي نلحق بهذا النوع من الاستقرار المبني على العيش والكرامة العدالة الاجتماعية، وأصبح في أعناقنا، وأعناق البرلمان والرئيس القادم، دين لشهدائنا، لذا لن نتراجع إلا إذا استقر الحكم - لدينا نحن أيضا- على هذه الأسس لصالح الناس، لن نتراجع إلا إذا تحققت الأهداف التي خرج من أجلها شبابنا في 25 يناير، فتحقيق الأهداف هو السبيل الوحيد لرد الدين لشهداء الثورة.

فإن أتى رئيس مؤمن بالثورة، ستكون الفائدة الوحيدة هي أننا سنكسب الوقت، وسنسرع الخطى في تحقيق الأهداف، أما إن أتي رئيس لا يخدم أهداف الثورة، فستكون الفائدة هي تعميق أهداف الثورة، فالصراع مع أي رئيس أو أي نظام حكم جاء كي يخدم أهداف أو أجندات مذهبية أو مصالح ضيقة، سيكون مدعاة للمزيد من فهم أهدافنا وتعميقها لدى قطاع أوسع من الناس.

فلقد رفض البرلمان، غير الثوري، الميدان في بداية توليه المسئولية، وبعد ذلك نزل هذا البرلمان للميدان طالبا دعمه، ولن يخرج الرئيس، عن هذا الإطار، فالميدان هو المعمل الحقيقي للثورة، أما أن يعمل معه الرئيس منذ اللحظة الأولى ، أو أن يعمل الميدان منذ اللحظة بعيدا عن الرئيس كي يبني مستقبل مصر، فمصر هي الفائزة؛ فقد بدأت ثورة وتعلمت ألا تترك مقاليدها في يد أحد، ألم تكن خطيئتنا أننا تركنا مقاليدنا في يد عبد الناصر فانفرد بالحكم وقادنا للهزيمة؟ وألم تكن كل تجاوزات الرئيس المخلوع هي أننا أيضا تركنا في يده مقاليد حكمنا؟

هذه المرة نحن ننتخب رئيسا كي يحكم لا لكي يستلم مقاليد الناس، فالناس قد أصبح مصيرهم، بل والمصير السياسي لرئيسهم، في أيدهم، فلا خوف هذه المرة، فالشعب منتصر، والرئيس المتواطئ ضد الشعب هو الخاسر، بل أن الوقت الضائع معه - إن عمل ضد مصلحة الناس- سيكون وقت صراع تصقل في الثورة أهدافها، وتطور ميادينها كي تصبح مؤسسات وقوى سياسية تناهض أي تواطؤ ضد الشعب.

إن طوق النجاة هو التمسك وعدم التنازل عن أهداف الثورة؛ فالثورة مستمرة، والمجد للشهداء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البيت الأبيض: واشنطن لم تتسلم خطة إسرائيلية شاملة تتعلق بعمل


.. اتفاق الرياض وواشنطن يواجه تعنتا إسرائيليا




.. إسرائيل وحماس تتبادلان الاتهامات بشأن تعطيل التوصل إلى اتفاق


.. خطة نتياهو لتحالف عربي يدير القطاع




.. عناصر من القسام يخوضون اشتباكات في منزل محاصر بدير الغصون في