الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثمن الحرية

أيمن بكر

2012 / 5 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


أفضل أن أسمي ما يحدث في مصر بأولى خطوات الحرية التي ستأتي حتما بتجربة ديمقراطية محترمة، ولو بعد حين. فالديمقراطية نظام معقد يحتاج لعقليات تجاوزت حد الضرورة من جهل ومرض وفقر وهو ما تحقق لدى قطاع من شباب مصر الذين قاموا بالثورة ثم سرقها منهم بلا ضمير العسكر وتيارات الإسلام السياسي معا. هي حرية لأن الناس يختبرون للمرة الأولى وظيفة أخرى للفم غير الأكل والبصق والتفنن في كلمات النفاق والخنوع. تحرر الصوت للمرة الأولى ليعلن عن نفسه، فصرخ الناس وسبوا ولعنوا وعبروا عن كل ما حوته قلوبهم لسنين طويلة باندفاع لا يعرف التمهل أو التأمل أو التفكر أو مراجعة النفس. وما حدث في مصر من تصعيد لمرشح الإخوان ومرشح العسكر طبيعي وخير دليل. مرسي وشفيق كلاهما وراءه تنظيم صلب ومال سياسي يصرف بلا حساب على شعب تجاوزت عورة الفقر المكشوفة فيه 40%. وكلاهما يستغل عورة أخرى أشد خطورة وهي الجهل الذي سمح لتجار الدين بتوظيف العاطفة الدينية الصادقة لدى البسطاء وتحويلها إلى وقود سياسي يخدم حلمهم القديم في الوصول للسلطة. أما مجلس العسكر فقد تلاعب بعامل أخطر لعام ونصف، ونجح من خلاله في تمكين طبقة حكم مبارك (ومجلس العسكر جزء رئيس فيها) من استعادة تنظيمها، كما استطاع به السيطرة على ملايين المفزوعين من أقباط مصر ومن طبقاتها العليا الذين لم يذوقوا يوما مرارة حكم مبارك إلا فيما ندر. هذا العامل السحري هو غياب الأمن وما ينتج عنه من خوف أسطوري. لقد مارس العسكر تخطيطا منظما لا يمارسه ضد المصريين المسالمين إلا كاره لهم أو راغب في الانتقام منهم. تم تفزيع الناس في كل نواحي حياتهم، نزع العسكر الأمان تحديدا حيث اعتاد المصري أن يشعر بالأمان، فأعاد الملايين من بسطاء الأقباط وعلية القوم إلى حالة غريزية من الفزع يغيب معها العقل وتنتفي معها الكرامة، إذ لا مطلب لها سوى عودة الأمن. لاحظ مفزوعو مصر أن العسكر حين يريدون تأمين البلد في ساعات يقومون بذلك، وهو ما شهدناه في انتخابات البرلمان ثم في انتخابات الرئاسة، وحين يريدون تحويل حياة الناس إلى جحيم يفعلون ذلك أيضا في ساعات ثم يتركون الخوف يشوي أرواح البشر وعقولهم لشهور كي يصل العذاب النفسي إلى أقصاه، وبالتالي يصل الردع إلى أقصاه والاستسلام إلى أقصاه. وصلت الرسالة العنيفة لملايين الفقراء والبسطاء، وصلت للأقلية المسيحية وللطبقات العليا التي يرى أفرادها مصر لأول مرة كما يراها الفقراء المنتهكون منذ تفتحت عيونهم على الحياة. هكذا كان يكفي شفيق أن يلوح بمنديل الأمان لملايين المصريين كي يتغاضى من انتخبه عن شخصيته الانفعالية المهزوزة، وعقله المشوش. كان منديل الأمان الذي رفعه شفيق كافيا حتى ينسوا انتهاكاتهم هم شخصيا في عصر مبارك، ثم يغمضوا عيونهم عن عيني أحمد حرارة اللتين فقدهما في الثورة، ثم يدوسوا بأحذيتهم على دماء سالي زهران وأحمد بسيوني ومينا دانيال وخالد سعيد والشيخ عماد عفت وعلاء عبد الهادي ومئات الشباب الذين كانوا سببا في إخراج أصواتهم من كهوفها المتعفنة. ذهب ملايين المفزوعين بقرار غريزي صلب لن يعرفوا أثره سوى بتجربة اختيارهم على أرض الواقع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ألعاب باريس 2024: اليونان تسلم الشعلة الأولمبية للمنظمين الف


.. جهود مصرية للتوصل لاتفاق بشأن الهدنة في غزة | #غرفة_الأخبار




.. نتنياهو غاضب.. ثورة ضد إسرائيل تجتاح الجامعات الاميركية | #ا


.. إسرائيل تجهّز قواتها لاجتياح لبنان.. هل حصلت على ضوء أخضر أم




.. مسيرات روسيا تحرق الدبابات الأميركية في أوكرانيا.. وبوتين يس