الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سقوطُ المدينةِ القديمة

ابراهيم البهرزي

2012 / 5 / 25
الادب والفن


سقوطُ المدينةِ القديمة

أبنةُ شيخِ التجّارِ تجلسُ على الناصية ِ, يمرُّ الصباغ ُالسكران ُ ويدسُّ الفرشاةَ بينَ افخاذها , احمرَ او اسودَ لونُ الدُهان ِ ,
لن يُغيّرَ من الواقعةِ شيئاُ , فبعدَ قليل ٍ سيَمرُّ شاعرٌ شعبيٌّ يلهو بمنخرهِ ويتغزل ُبها , والناصيةُ يحاذيها نهرٌ عجوزٌ
يسكر ُعلى ضفافه ِاللوطيّون َ وقدامى الشيوعيين َوالبعثيينَ , وسَيمرُّ شرطيٌّ من اجلافِ الريفِ بلحيةٍ نابتة ٍ للتوِّ ,
يطردُ الصبّاغَ والشاعرَ الشعبيَّ ويأمرُ قدامى الحزبيينَ واحداثَ المناويكِ بالعودة ِالى البيت ِ قبلَ اوان ِمنعِ التجوّلِ ,
ليتجَوّلَ الليلَ كلّه ُ في مفاصلِ ابنة ِ شيخ ِ التجّار ..


وفي الصباح ِ
يَلتهمُ الكبّة َالمحشوّة َ بامعاء ِالبقرِ الفاطسِ الخارجونَ توّاً من المساجدِ وعماّل ُالتنظيفِ الذين َلا ينظفونَ مؤخّراتهم
ومُثقفوا المقاهي الذينَ لا يكفّون َعن المزاحِ

السَمجِ المشفوعِ بالهتافِ القديمِ نفسه , بادّعاءات النضالِ التي ترذرذ من اسنانهم الُمثلمة ِ بَصلاً ورجيعَ روثِ البقرِ
في الامعاءِ الفاسدةِ , وبعَد قليلٍ سَيمرُّ الشيخُ او السيّدُ ليقفوا مرتبكينَ جَلالاً لحَذلقتهِ اللغويّةِ , ومن ثمَّ يمرُّ حديثُ الذكرى
فيتذكر الاجنّة ُ رفقتهم في ارحام ِالامّهاتِ المسكيناتِ ويمرُّ اللصُّ جميلا ً ضحوكاً بين صفوفِ المحتفلينَ باعيادِ الشعبِ ...


في الظهيرة ِ
حيث ُتطوف ُ الشياطينُ خببا ًفي الازقةِّ العتيقةِ يفتحُ المعَلمُ المتقاعدُ كتابا ً ويجلسُ على دَكةِ العتبةِ وحينَّ تمرُّ صَبيّة َجاره ِالسمراءَ لترمي القمامةَ في راسِ الزقاقِ يفتعلُ معها حديثَ القمامة ِ, تطيلُ الاصغاءَ للعَم ِّوهو يمدُّ اصبعينِ
لاغيرَ عبرَ فتحةِ بنطاله ِ, وبعدَ قليلٍ يمرُّ غلامَهُ البندنيجيِّ فيصرفها ويؤجلُ لحظته ُ ساعياً الى الفرن ِ,حيثُ ظهيرةَ
الافران ِ مفروشةً باكياسِ الطحينِ والشياطين ِ والفتى البندنيجيُّ ُّ لايريقُ لمُعلمهِ كاساً على ترابٍ , وحتى حين َ
تجيء الوالدة ُالرؤوم ُ بسفرطاسِ الغدوةِ , حتى حينَ ترى مُعلّمَ الحيِّ لاهثاً معروقا ً على اكتافِ وليدها فانَّ التحيّة َ
واجبةٌ وما بينَ اولاد المَحلّة ِ يبقى العَرْضُ واحداً ..



عَصرا ً
حيثُ وقتَ الوجاهة ِ, يستحمُّ الجميعُ بماءِ النهرِ العجوزِ ذاتهُ , المفاسدُ كلها تذهبُ في الرغوة ِ, فليسَ سوى
احاديثُ الامجادِ :
ناكحُ الاخت ِ يُسبّحُ لاخيها
ناكحُ الامِّ يرشُّ البخورَ لابنها
ناكحُ الزوجةِ يؤاخي زوجَها
ناكحُ الابنة يفاخر ُبابيها
ويطوف ُفي المكانِ رحمانُ الرفقة ِ , مملكة ٌفاضلةٌ تتمايلُ طرباً قربَ ضفافِ النهر ِ, الشرطيُّ القديم ُنفسهُ
يرفع ُرايةَ السلامِ على المدينةِ , فأنْ انت َ تضحكُ يا اخي وانا ضحكت ُ فلا جريمة َ ستتركُ اثراً في سَراويلنا ..
وهل تتربصُ الاعين ُجسداً سُربلتْ جُناباته ِ بضحوكِ الثيابْ ؟



وعندَ الغروب ِ
قرابة َان يطلقَ الآسُ اشذاءهُ , يدخلُ الغامضونَ معرضَ الوجوه ِالمخروعةِ , في الحقيقة ِهم ليسوا غامضينَ
بقدرِ ما هُم متغامضين َ, نظاراتٌ سود ٌ معَ اوّلِ الغروبِ ,حقائبَ مُعلقة ٌفي الاكتافِ , كتبٌ مضمومة ٌعلى الخصورِ
كما الانساتِ الوجلاتِ ورؤوسٌ لا تستقرُّ على كتفين ِ,احقادٌ مكتومة ٌ تحت عيونٍ فارغة ٍ , وبعدها يضطربُ الزاغُ ,
رفرفاتُ مذبوحينَ وعواء ٌمختلطٌ وسُخريات ٌمُصطَنعات ٌ, هكذا تنتنُ الفاكهةُ ايها البقال ُ الغبيّ , فجة ًوذاتِ نزيز ٍ,
متراكمة ً على عَطنها , يخفُّ المرهقونَ من كدِّ النهارِ سراعاً لمنازلهم , وهم يحتفلونَ بجيفة ِنهاراتهم الكسلى
مزاحاً شبيها ً بزنا المحارم ِ...


الليل ُ
باقصى سُكونهِ , شرفُ هذهِ المدينة ِالوحيد ُ, سُمعتها النائمة ُ في المقابرِ المحيطة ِ بالمدينة ِ , يطلقُ النار َعلى ذكرياتِ
المُسوخ ِ , على التماثيل ِالتي يقيمونها تحتَ ظل ِّالغبارِ , تلكَ الوجوه ُ المتقيحّةُ بسمومِ الادعياءِ , وهي تصدح ُفي غيرِ
زمانها , وتطوفُ مُتعجبة ً, في غيرِ مكانها , وتضحك ُ تياّهة ً بمديح ِاشباهها , تلكَ الاخطاءُ الوطنية ُ, وهيَ تداومُ على كسرِ
ذراع الوطن ِ, ذلك الذي لن يجدَ مدينة ًيعودُ اليها , غيرَ هذه المدن الجديدة بمسوخها , بالماعز ِالراقصِ رعونة ً
على اوابدِ الحقول ِ, بالفطائس ِ التي تغني وتفتعلُ الذكرى وتجترحُ مستقبلا ً من السفاهةِ وخفّةِ المغزى ..

24-5-2012








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة والدة الفنانة يسرا اللوزي وتشييع جثمانها من مسجد عمر مك


.. يا ترى فيلم #شقو هيتعمل منه جزء تاني؟ ??




.. رقم قياسي في إيرادات فيلم #شقو ?? عمرو يوسف لعبها صح??


.. العالم الليلة | محامية ترمب تهاجم الممثلة الإباحية ستوري دان




.. نشرة الرابعة | السعودية.. مركز جديد للذكاء الاصطناعي لخدمة ا