الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجمال والقبح وقسمة الانسان

بهروز الجاف
أكاديمي وكاتب

(Bahrouz Al-jaff)

2012 / 5 / 25
حقوق الانسان


لقد أثارت كلمات السيدة ليزي فيلاسكويز فينا الشفقة وهي تستنكر على الناس اختيارهم لها كأقبح أمرأة في العالم عبر فيلم قصير لها على شبكة اليوتيوب، وهي المرأة المصابة بمتلازمة مرضية جعلت في وجهها عيوبا (أي ليست المواصفات المثلى أو الوسطية كما يصنفها منظرّوا الجمال) ليس لها يد في نشوءها وليست براغبة لها، وأعادتنا الى مراجعة النعرة البشرية التي نبذت القبيح شكلا من البشر ونظرت اليه نظرة دونية. لقد انحاز الانسان الى الجمال على حساب القبح، وشبّه كل شئ مقدس عنده به بدأٔ من الله، فقد قالت المسيحية بأن الجمال منة من الله، وقال الاسلام بأن الله جميل يحب الجمال، وسمعنا بأن كل الانبياء جميلون وما فيهم من قبيح، فيما جال الفلاسفة والمفكرون والشعراء والكتاب في وصف الجمال وتأثيره الجاذب للنفس، أما المغنون فلا عجب أن قلنا بأن لابضاعة لهم سوى الجمال ليتغنوا به، ويحاولون أيضا زيادة جمال الصوت بجمال البدن لأن الصوت وحده لايشفي لمستمعيهم غليلا هذه الأيام ما لم يكن صاحبه جميلا ويرون جماله باعينهم. والجمال بطبيعة الحال هو ما يبعث على السرور فيما القبح نافر له، اما مقولة شبيه الشئ منجذب اليه فانها لا تنكر على القبيح حبه للجمال وتنكره للقبيح ولو شمله ايضا كما ذم الحطيئة نفسه (ماذا تقول لافراخ بذي مرخ حمر الحواصل لاماء ولا شجر). و شبهت الملائكة بنساء جميلات، ووعد المتقون في دنياهم نساء جميلات وغلمان جميلون في آخرتهم. أما فرصة العمل فهي أوفر لمن هو أجمل فيما يكون للأجمل نصيب طيب في الدنيا وجالب للسعادة أيضا الا ما حاد الجمال الى الغرور وهو من أبواب التعاسة. أما القبيح فعليه أن يغطي القبح بما يقبض على الحكمة والفكر والذكاء والفضيلة وهو نضال قد لايقدر عليه كل قبيح الا ماندر مثل سقراط و الجاحظ و سارتر و ابراهام لنكولن وستيفن هوكنغ. ولما كان ارسطو قد عرف الجمال بالفضيلة فانها الوسيلة لبلوغ الجمال لمن لايملكه حتى ولو جرى النظر اليها كجمال داخلي، ولكن ما ذنب من لم يكن جميلا وتسبب قبحه في تعاسته في الدنيا؟ أو ربما أقرنته بالتشاؤم ايضا، فما ذنبه ان كان مصابا بعاهة أو مرض فيكون شؤما؟ ولعلي أجد من المفيد أن أسرد ما رأيته بأم عيني حين كنت أؤدي خدمة العلم جنديا في قاطع شرق العمارة أيام الحرب العراقية الايرانية، حين ركب الجنود المجازون في سيارة (الأيفا) عند الساعة الرابعة فجرا لتنقلهم الى كراج التسفيرات في مدينة العمارة حيث الحافلات العسكرية التي تنقلهم الى بغداد والمدن الاخرى، وبعد أن تحركت الايفا لعدة كيلومترات انفجر احد اطاراتها، ولما كان الجنود يساعدون السائق في تبديل الاطار اجهر بعضهم بوجود وجه نحس بينهم وشخصوه بعينه اذ كان جنديا أعورا، فقالوا هو من تسبب في انفجار الاطار! وبعد أن أتموا كل شئ تحركت السيارة مرة أخرى والجنود يلفهم الشوق للوصول الى أهلهم ويأملوا بألا تفوتهم الحافلات، فاذا بأطار آخر ينفجر وعندها أيقن بعض الجنود بدعاية وجه النحس، فحملوا على الأعور وطردوه بعيدا عنهم ولم يركبوه معهم حين مرت بهم ايفا أخرى خالية. ولو سلّمنا بالتخلف هنا فما بالك في من حمل على فيلاسكويز في بلاد الحضارة والتقدم؟ الأنسان هو الانسان، جسد وعواطف وعقل، ولذلك فهو سواء في الحقوق الا ان العدالة لاتبدوا في الواجبات سوى ماندر أو ما قدمه القبيحون من ابداع وعطاء ليجعلهم، رغم أنف الأعراف، سواسية في اسناد الواجبات أو يوقف من نظرة الازدراء اليهم في أقل تقدير. واذا لم تكن فرصة الابداع متاحة لكل قبيح في المنظر فكيف الأخذ بأيديهم لأظهار براعاتهم؟ هل يمكننا أن نطالب القنوات التلفزيونية بقبول مذيعين و مذيعات قبيحي المنظر فيبدعوا فتتكيف عين المشاهد معهم فتذوب الفوارق؟ أم نطالب الناس أن ينتخبوا قبيحا زعيما لهم فيهنأوا بحكمته ويعادلوا كفة الجمال؟ اذن فكيف السبيل الى رفع الحيف عن القبيح بالاجراءات وليس العواطف؟ ولأن العرف في هذا الصدد أقوى من القانون الذي ليس له حول ولا قوة في رفع الحيف، فالاخلاق والاديان لم تقدرا على رفعه اجرائيا أيضا لانهما منحازان الى الجمال أيضا ويشاركان القانون الدعوة الى مساواة الناس بالحقوق دون أن يتفادا التمييز بين الجمال والقبح اللذان يجب أن ينظر اليهما على انهما ليسا بنقيضين في الانسان لكي لاندع (القسمة) في مظهر الانسان مدعاة لجلب السعادة من عدمها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بريطانيا تحطم الرقم القياسي في عدد المهاجرين غير النظاميين م


.. #أخبار_الصباح | مبادرة لتوزيع الخبز مجانا على النازحين في رف




.. تونس.. مؤتمر لمنظمات مدنية في الذكرى 47 لتأسيس رابطة حقوق ال


.. اعتقالات واغتيالات واعتداءات جنسية.. صحفيو السودان بين -الجي




.. المئات يتظاهرون في إسرائيل للمطالبة بإقالة نتنياهو ويؤكدون: