الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول التقشف والانضباط المالي في أوروبا

سميح مسعود

2012 / 5 / 25
الادارة و الاقتصاد


حول التقشف والانضباط المالي في أوروبا
بقلم الدكتور سميح مسعود

سقط نيكولا ساركوزي في الانتخابت الرئاسية واصبح الزعيم الاوروبي الحادي عشر الذي يطاح به من السلطة منذ اندلاع الازمة المالية العالمية في عام 2008 ، وبخروجه من الحكم اختارت فرنسا التغيير والتوجه نحو اليسار ونهجه الذي دعا له الرئيس الجديد طيلة حملته الانتخابية ، وحدد اهم أولوياته بتعزيز النمو الاقتصادي وتوفير المزيد من فرص العمل ، و إعادة التفاوض من جديد حول معاهدة الانضباط المالي الاوروبية بهدف اضافة جانب انمائي اليها يتم تمويله من قبل المصرف المركزي الاوروبي.
والمعروف ان المانيا صاحبة السطوة الكبيرة في صياغة معاهدة الانضباط المالي ، واقرار تطبيق اسلوب التقشف الماليفي دول الاتحاد الاوروبي، لكونها أكبر دائن في منطقة اليورو وصاحبة أقوى اقتصاد اوروبي ، ولهذا تعارض المستشارة الالمانية انغلا مركل التوجه الفرنسي الجديد ، وتعلن بين الحين والحين عنرفضها إعادة التفاوض حول المعاهدة بسبب انتخاب زعيم جديد ، وتؤكد على ان التقشف هو الحل الأمثل لضمان النمو والاستقرار في دول الاتحاد الاوروبي .
والحق ان الموقف الالماني فيه جانب كبير من الإستقواء على بقية دول الاتحاد من خلال تمسكه باسلوب التقشف المالي الذي يفرض الكثير من التضحيات على الاوروبيين ،لأن من تبعاته تقليص الوظائف والخدمات واجراء اقتطاعات في الرواتب والرواتب التقاعدية وغيرها من تدابير التقشف الاخرى، كما يفرض الكثير من القيود على ميزانيات دول الاتحاد ، والقيود على الدول نفسها إذ تعطي معاهدة الانضباط المالي الحق لمحكمة العدل الاوروبية في مراقبة الدول الاعضاء في مجال تنفيذ المعاهدة وفرض غرامات على الحكومات التي تنتهكها ، كما تعطي للمفوضية الاوروبية سلطة تدقيق ميزانيات الدول الاعضاء .
ولهذا كان خطاب اليسار الفرنسي واضحا منذ بدء الحملة الانتخابية برفضه بشكل جذري الوصاية الالمانية واسلوب التقشف والضبط المالي ، والتأكيد على ان النمو الاقتصادي وليس التقشف الشديد هو القادر على اخراج أوروبا من أزمتها.
وهذا الطرح على جانب كبير من الموضوعية لأن فرض التقشف في وقت يتراجع فيه الاقتصاد يؤدي الى تعزيز الأزمات ويزيدها حدة وسوءا ... يزيد الركود ، ويرفع من معدلات البطالة ، في وقت تعاني فيه أوروبا من بطالة مرتفعة واقتصاد راكد ، إذ وصل معدل البطالة في دول الاتحاد الاوروبي خلال اذار الماضي الى 10.9 % وهو أعلى مستوى له منذ بداية استخام اليورو في عام 1999 ، ويرتفع هذا المعدل كثيرا عند أخذ الدول الاوروبية فرادى ، فعلى سبيل المثال لا الحصر وصل معدل البطالة في اسبانيا خلال اذار الماضي الى 24 % ، وبلغ 51 % بين منهم دون ال 25 سنة من الشباب . . وعموما يتبنى الخطاب الفرنسي الجديد خطة ضد التقشف ،ويدعو للتركيز على حوافز اقتصادية لدفع النمو الاقتصادي ، ويطالب بمواجهة تداعيات ازمة الديون الاوروبية ، و البطالة المرتفعة والديون والعجوزات الكبيرة من خلال تخفيف الضوابط المالية التي فرضتها المانيا على دول الاتحاد ، وتبني دور تمويلي كبير للبنك المركزي الاوروبي ، لتنفيذ مشاريع استثمارية مالية في جميع المجالات ، تساعد على خلق فرص عمل جديدة ورفع مستوى المواطنين ، والوصول بامكانات دول الاتحاد الاقتصادية الى درجة عالية من الكفاءة .
وهذا من شأنه أن يؤدي الى زيادة دور الدولة في الحياة الافتصادية ، وتعظيم دور القطاع العام ، تماما كما فعل الرئيس الفرنسي الاشتراكي فرانسوا متران عندما فاز بانتخابات عام 1981 وعمل على زيادة الدور الاقتصادي للدولة ، وتأميم بعض البنوك واعطاء دور كبير للقطاع العام في سياق تطورات وتغييرات اقتصادية ومالية كثيرة شهدتها الساحة الفرنسية خلال تلك الفترة.
وعليه يتوقع ان يحمل الخطاب الفرنسي الجديد في طياته تغييرات جوهرية في دور الدولةبتوفير دينامية فعالة لها في النشاط الاقتصادي ،خاصة في مجال تمويل مشاريع عامة تساهم في استحداث وظائف جديدة ، وشراء اسهم الكثير من المؤسسات المالية والبنوك المتعثرة ، وضخ السيولة النقدية فيها لانقاذها .
كذالك من المتوقعفي اطار التوجه الفرنسي الجديد ان يصار الى اصدار سلسلة من الاصلاحات للخروج من الازمة المالية الراهنة ، تشتمل على فرض ضرائب جديدة على الاغنياء ورجال الاعمال الاكثر ثراء ، وعلى رواتب ومكافات العاملين في البنوك والمؤسسات المالية ، وعلى معاملات الاسواق المالية ، إضافة الى ارساء قواعد صارمة لسلوكيات اقتصادية جديدة في الاسواق المالية تعمل على الحد من المضاربات ولجم المضاربين ، وخاصة فيما يتعلق بالمشتقات المالية المعقدة وصناديق التحوط والبيع على المكشوف والشراء بالهامش . .
هذا التوجه من شأنه ان يشجع على تبني قرارات اقتصادية تاريخية يتم من خلالها التخلي عن الليبيرالية الاقتصادية التي تقوم على تقليص دور الدولة وتعميم الحرية المطلقة في الاقتصاد بدون مراقبة فاعلة ، وترك الاسواق تصلح نفسها بنفسها دون أدنى تدخل من الدولة ، وهو النهج الذي اتبعته الدول الغربية في العقود الاربعة الماضية ، وساهم في اندلاع الازمة المالية العالمية الراهنة ، في ظل غياب الرقابة الحكومية و الدور الفاعل للقوانين والاجهزة الحكومية .
وهذا يتوافق مع مطالب عدد كبير من الاقتصاديين والسياسيين والمفكرين من مختلف الاتجاهات اليمينية واليسارية في الدول الاوروبية والولايات المتحدة الامريكية وبقية الدول الراسمالية ، ممن طالبوا منذ اندلاع الازمة المالية العالمية في عام 2008 بضرورة التخلص من الليبيرالية الاقتصادية التي افقدت الدول الراسمالية هيبتها وأوصلتها الى حافة الهاوية ... أجمعوا على أن كل ما لدى دولهم من ازمات ، هي ثمرة الافكار الخيالية المتطرفة التي طبقتها الليبيرالية الاقتصادية ، وعبروا في مناسبات كثيرة على أنها أخطر الأزمات التي عرفها النظام الرأسمالي منذ نشأته ، لأن نتائجها السلبية تطال الاقتصاد الحقيقي وتؤثر على تفاقم مشكلة البطالة والفقر وعدم القدرة على سداد الديون المستحقة.
مدير المركز الكندي لدراسات الشرق الاوسط – مونتريال*








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وزير الاقتصاد الفلسطيني لـ-الحرة-: إسرائيل لم تحول أموال الم


.. سعر جرام الذهب عيار 21 يستهل تعاملات اليوم عند 3160




.. البنك المركزى: تعطيل العمل بالبنوك الأحد


.. أسعار الذهب اليوم الأربعاء 26 يونيو 2024 في مصر




.. أخبار الصباح | ترمب يتقدم في مواجهة بايدن بفضل الاقتصاد وجور