الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على هامش الثورة المصرية (52): ألغام العلمين والإنتخابات الرئاسية والدولة

عبير ياسين

2012 / 5 / 25
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


قال الأستاذ أن الفقراء لا يصنعون ديمقراطية فتوقفت أمام الكلمات وعدت إلى حالنا المصرى فالفقراء لا يشعرون بأن لهم حق فى الحياة، ومن لا يشعر بأن له حق فى الحياة لا يطالب ولا يجادل ويقبل بما تجود به الحكومة عليه بوصفه زيادة فضل وليس حق. وفى صباح اليوم الأول من أيام الانتخابات الرئاسية وعلى طريقة أن المشاكل فى مصر لا تعد ولا تحصى شاهدت برنامج عن العلمين وضحايا الألغام فى مصر على فضائية عربية. وقد أعاد البرنامج المقولة الخاصة بالفقر والديمقراطية إلى الواجهة. فى العلمين يعيش الناس بأطراف مقطوعة وفى حياة يمكن أن نلاحظ صور المعاناة المتعددة فيها على هامش تصوير الكاميرا والحوارات مع الضحايا. ورغم صور المعاناة فحديث الضحايا بالأساس ليس عن الدولة. فخطاب الضحايا بدلا من أن يركز على نقد الدولة وأجهزتها، أو تحميلها مسئولية ما هم فيه ركز على لوم الذات. لوم ظهر واضحا من أحاديث تركز على عدم الحرص فى التعامل مع الألغام أو التحرك فى المناطق رغم أن القاعدة البسيطة تقول أن تلك الألغام وجدت لعقود وكان لابد أن يتحرك أحد للتعامل معها بشكل مختلف. ولكن بالنسبة للضحايا فأن ما حدث ويحدث لهم هو القدر أو جزء من القدر وكأنه معطى شأن المعاناة التى تصاحب الحياة التى تحيط بهم.

ورغم تلك الصور لازالت بعض العيون مبتسمة خاصة لدى الأطفال من الضحايا الذين فقدو بالفعل بعض أطرافهم بسبب الألغام، ربما لأن ما حدث لهم جزء من واقع موروث لا اعتراض عليه، وربما لأن ما حدث يتم التعامل معه على أنه نتيجة لسلوك الأفراد أنفسهم فكلنا نتربى على الرضا بالقدر وتتحول مقولات الرضا بالقدر لخارج سياقها الدينى ويتم استخدامها من أجل تأكيد دعائم الإستبداد والرضوخ للظلم والقهر. ويتحول الرضا بهذا المعنى لأساس من أسس بقاء الإستبداد ولهذا يمكن أن ندرك أن مقولة الفقراء لا يصنعون ديمقراطية لا تحمل معنى طبقى أو استعلائى بقدر ما تقر حقيقة وتطرح التساؤل حول المفاهيم والقيم المرتبطة بغياب الديمقراطية أو بقاء الإستبداد ونموه وازدهاره.

كلمات عادت مرة أخرى مع المؤشرات الأولى للانتخابات الرئاسية والتى أحدثت نوع من الصدمة لدى البعض بعد أن أكدت على اختيار البعض -عدد غير قليل- لمرشح من الفلول لمنصب الرئاسة رغم الثورة والحديث عن الإصلاح ورفض الإستبداد. وضعية طرحت السؤال بصورة أخرى بالنسبة لى هل يتفق الجميع فى ربوع المحروسة على تعريف الإستبداد والإصلاح؟ هل نتفق جميعا على معانى واحدة لتلك المقولات؟ وهل مصر التى نرجوها تمثل بالفعل مصر واحدة لدى الجميع أم أن الاختلاف الأساسى القائم على مكان الفرد داخل المنظومة الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية يمثل عاملا أساسيا فى رؤيته لمصر والثورة ولمفاهيم الإستبداد والإصلاح التى نتحدث عنها وكأنها شئ معرف بذاته؟! الاجابة كما تؤكد الحلقة الوثائقية عن ألغام العلمين ومن يعيش وسطها ويفرض عليه أن يتعايش معها فى وضع الأهمال والتهمييش، وما أبرزته المؤشرات الأولى للانتخابات الرئاسية فى جولتها الأولى تؤكد أن هناك فجوة كبيرة بين المفاهيم والواقع وبين ما يقال وعموم الشعب المصرى. وأن الحديث عن مصر الأفضل يمثل قضية جدلية لأن ما هو أفضل للبعض ليس أفضل للجميع بالضرورة.

أكتب تلك الكلمات وسط تساؤلات كثيرة حول نظام أسس استبداده أحيانا كثيرة على منظومة الصبر التى عاش عليها الشعب المصرى، وعلى الفقر الذى يؤكد للفقير أنه غير مهم وأنه مهمش ولا أحد يهتم به وأن الاهتمام به أن حدث هو إضافة وليس أصل الاشياء.

اكتب تلك الكلمات وسط تساؤلات حول أجندة الانتخابات الرئاسية التى لازالت ترى فى القاهرة وبعض المناطق المحيطة محور الجدل، ولا تطرح برامج حقيقية لمشاكل المواطن مقابل كلمات كبيرة وبراقة لا تخضع للمحاسبة أو حتى للتقييم الموضوعى. أكتب تلك الكلمات وهناك تساؤلات كثيرة حول الفرز الجغرافى لمن أيد الفلول ومن رفض الفلول والأسباب التى أنتجت تلك الحالة الواضحة لبعض المناطق دون غيرها بشكل حاسم. فهل تم إنتاج خطاب ملائم لتلك المناطق؟ هل تم إنتاج خطاب يوضح ما هى الثورة وما هى الثورة المضادة وما هى مصر التى نرجوها وكيف يمكن أن نصل إليها، والأهم ما هو انعكاس تلك المفاهيم على حياتهم وعلاقتهم بالدولة؟ هل تم تفكيك حالة التجاهل والتهميش التى أنتجها عقود الظلم والفساد والإفساد؟!

عندما تشاهد البرنامج الوثائقى عما يمكن تسميته الحياة مع الألغام وفى بدايته وبدون معرفة مسبقة بالموضوع قد لا تعرف أنك تشاهد مصر فالهم والفقر والظلم ممتد فى العالم العربى وفى العالم، ولكن المهم أن ما تعكسه تلك الصورة هو حقيقة ما لدينا فى الداخل من اغتراب يجعلنا نعيش فى ما يشبه جزر منعزلة حيث توجد هوامش يتم تهميشها مرات ومرات وتصبح على أجندة عدد محدود من المتابعين أو العاملين فى المجال الانسانى أو الحقوقى. ولكن خارج تلك المجالات المؤسسية لا أحد يشعر بمعاناتهم وكأنهم فى عالم أخر لا يخصنا وليس جزء من الوطن، فقد تركتهم الدولة على الهامش وعليهم التعايش مع واقعهم دون انتظار أحد فهم على الهامش من الدولة كمؤسسات ومن فيرهم من الأفراد.

وهو وضع وللموضوعية ينتج على هامش الفساد والإفساد، فمع تواجد آليات غير موضوعية للصعود والترقى وأحيانا للحياة، يصبح الهم الفردى هو محور تركيز الأغلبية، فكل شخص يرغب فى النجاة بنفسه ولا يفكر فى غيره الا فى حالات محدودة. ويصبح من الممكن التظاهر من أجل هم خارجى -أقليمى أو دولى- بأكثر من التحرك من أجل شأن داخلى لأن الأول يحتاج تعاطف وتحرك محدود مقابل الحالة الثانية التى تحتاج لمجهود ومشاركة وتحرك أكبر وأكثر وضوحا. ففى الإطار العام، يؤدى الفساد والإفساد الممتد إلى فساد أعمق وأشرس فى داخل الأفراد. وهنا يمكن أن نطرح من خلال مشاهدة الفيديو تساؤلات أخرى بخصوص نظام مبارك وما أنتجه من فقر فى النفوس لا يخص هؤلاء الفقراء ماديا ولكنه يخص جماعات تفخر بأن تتولى رئاسة منظمة أو مؤسسة كنوع من الوجاهة الاجتماعية فى بعض الأحيان ولكنها لا تشعر فعليا بمن يفترض بها أن تمثلهم كضحايا الألغام أو بمعنى اخر ضحايا أهمال الدولة المصرية التى تعاملت معهم كمعطى ووسيلة من وسائل تثبيت الإستبداد... فيتحول وجود هؤلاء فى حد ذاته إلى مصدر وجاهة اجتماعية للبعض وفرصة للتواجد الإعلامى والحديث المنمق حول واقع هم أنفسهم جزء من تجلياته كالفلول فى مرحلة ما بعد الثورة وحديثهم عن الإصلاح والديمقراطية.

من جانبها تعاملت الدولة مع السكان المتضررين من الألغام ومع غيرهم فى ربوع مصر على أنهم كيانات على الهامش الغير مهم بالنسبة لها. فهم من جانب لا يهددون استقرارها وبشكل أساسى لا يهددون سيطرتها واستمرار النظام الحاكم، ولا يملثون قوة ضغط على النظام. وهم بالضرورة لم يكن أمامهم وسط عوامل الفقر والتجاهل إلا البحث عن وسائل للتعايش والاستمرار مع واقعهم.

قد يرى البعض أن الضغوط كثيرة والدولة لم يكن لديها ما يكفى من الإمكانيات، وأن هناك جهود تمت لتقديم بعض الدعم لضحايا الإلغام ولكن يبقى السؤال هل تم بالفعل تحقيق تقدم بديل فى مكان أخر فى الوطن؟ ومن يملك الحق فى أن يقرر عدم وضع قضية الألغام على الأجندة المصرية الخارجية؟ وهل يصلح ان يكون الدور المقدم هو تقديم بعض الدعم للضحايا بدلا من محاربة أساس الإصابة؟

وأن تم تعميم التساؤلات على عموم الوطن وقضاياه هل تم حل قضية ما لعموم الشعب؟ وهل تم تقديم خطاب واضح للشعب المصرى عن الإصلاح والإستبداد وعلاقته بالحياة؟!! فى كل الأحوال الوطن لدى البعض ليس تلك المقولات البراقة التى نكررها ولكنه مجرد مكان وجود وأحيانا مصدر ألم وعذاب وجرد. الوطن ليس معطى بالمجمل ففى جزء منه مرتبط بالدفء والسند كما نقول فى الأمثال الشعبية ولدى عدد لا بأس به قد يكون الدفء والسند محل تساؤل ما قبل وما بعد الثورة، وعندما يبحث الفرد عن خلاصه الذاتى كما تعود عبر عقود ممتدة لا يفترض أن نوجه له سهام النقد والتشكيك فى "الوطنية" بقدر ما يجب علينا أن نعيد تعريف المفاهيم والبدء من نقطة أساسية وهى تعريف الوطن كدفء وسند.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فصل جديد من التوتر بين تركيا وإسرائيل.. والعنوان حرب غزة | #


.. تونس.. مساع لمنع وباء زراعي من إتلاف أشجار التين الشوكي | #م




.. رويترز: لمسات أخيرة على اتفاق أمني سعودي أمريكي| #الظهيرة


.. أوضاع كارثية في رفح.. وخوف من اجتياح إسرائيلي مرتقب




.. واشنطن والرياض.. اتفاقية أمنية قد تُستثنى منها إسرائيل |#غرف