الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الغرابة في -بلاغ في الولع- للشاعر سلمان داود محمد

علاء كعيد حسب
شاعر و كاتب صحفي

2012 / 5 / 26
الادب والفن


نجح الشاعر "سلمان داود محمد" في قصيدته "بلاغ في الولع" من إماطة اللثام عن أفقٍ شعري لا يبلغه غير المتفردون، بحيث أضحت الغرابة مفتاحا لاقتران العاطفةِ بتفصيلاتها و ملامحها الخفية، دون تغييبِ عناوين رئيسية و أخرى صغيرة، مما ارتقى بالقصيدة و معها المتلقي إلى مستويات بعيدة عنه و لا يُدركها، تفصح عن وجدان الشاعر و ما يشهده من مخاض و صراعاتٍ بين عدة مكونات شعورية، تتحد و تنفصل و تتوحد و تتجزأ، ليغدو المد جزرا و الجزر مدا في المخيال الشاعري، و تصير تراكمات الذات و المرحلة و المحيط، بكل تناقضاتها، لَبِنَاتٍ متراصة في أفقٍ من نوع أخر، يعيدُ صياغة مفاهيم القارئ الجمالية من جديد، و يَخْلُقُ صلة حسيةً بينه و بين كل ما هو غرائبي.

لا يتجادل اثنان في أن الشاعر "سلمان داود محمد" بارع في إبداع و خلق ما قد يعتبره البعض مبهما و غير مألوف، فلكل إحساس عنوانه الخاص و سيرته الذاتية. و حيث يتقاطع السؤال و اللاوعي يتجلى البوح صورة و تكمن عاطفةٌ بين أسارير اللغة، و حيث الفرح طفيفٌ هناك وجع متقد يرمي بشرر، ما يتيح سلسلة من الارتدادات في فكر المتلقي، تفرض عليه استحضار النتائج و مراجعة أسبابها، بملامح وجدانية تتفتح على المجاز المطلق، فتتخذ كل بسمة عنوانا و كل دمعة توقيع، و غير ذلك محض افتراء:
كل دمعة
لا تحمل توقيعك
باطلة

لن نبتعد عن الألم و نحن نغوص في قصيدة "بلاغ في الولع"، و لو قليلا. فهي رحلتك و رحلتي..هي مسيرة الإنسان المثقلة بالأسى، إلا من هنيهات يسرقها دون قصد من فكي السبيل. كما أن الطفولة تستوقفك مرات أمام تفاصيل جامدة في الذاكرة، لا تزعزعها الرتابة أو الأيام، فتحضنك أرصفة الوجع بكل قوة و تعتصرك النوافذ المترعة على طوابير الضوء:
و كما القميص المشنوق بحبل الغسيل
أتقاطر بكل نداي على سطح أيامك
و أشتم الغيوم
تلك الواقعة في طابور الضوء

لقد خط الشاعر "سلمان داود محمد" عواطفه على حقيقتها، مطمئنا لصدق رؤياه، فكان وطن نفسه و كل متاهة كانت له بيتا فيما الخطى عائلة. لذلك تحمل جزاء عناق الزهر و تدمير الحدائق بذنبه، في بيئة انتشرت فيها (باسم الجمال) العقد و الجراثيم:
لأني مشتبه به
في اعتناق أزاهيرك،
اعتقلوا الحدائق كلها
في ثكنات تصنع العطور

و بين همس و همس، عالم غرائبي نسجه الخيال المفرط، و من الفوضى خلق ما هو بديع التكوين. هذا الأسلوب الفريد الذي اختاره "سلمان داود محمد" يحسب له و يميزه عن الكثير من الأصوات الشعرية، و يضعه في خانة خاصة مع أخريين يساهمون في تجديد الروح الشعرية بعالمنا العربي. و لأن كل شيء غريب، فوحدها الغرابة ينطلق منها الشاعر إلى عاطفة المتلقي، ليترك بصمته في ذائقته و يشعل بذلك شراراتٍ في وجدانه، ربما انطفأت، في واقع غير ثابت، يغير فيه العصفور صوته و تتقمص فيه الفراشة دور الحمار:
على فراش الموت تهذي حدائقي
زئير عصافير
نباح زهور
و نعيق فراشات

و لحظة تكره من تحب تكره ذاتك مباشرة، لكنه كره مزيف لا يتحقق مع الحب، فالبداية و النهاية هي الأخر، و كل المظاهر التي ترافقها عواطف و انطباعات، تغدو دون معنى في غياب المقصود الذي تشكلت به الحكاية و صار العنوان و المدلول:
لقد كنت البلاد..البلاد..البلاد
و كنت القرابين
و لكنك..با للأسى..ضائعة
و دليلي ضرير..
سأكرهني كثيرا..

و رغم الألم الذي يفضح الشاعر و يكشفه لقارئه على امتداد القصيدة، فإن الرضا بالمصير و الطمأنينة واضحان كنجمين سماويين. فهو سبيل العاشق إلى معشوقته، و ما أجمل العشق إذا ارتبط بوطن هو البدايات و النهايات، يستحق التضحية لأجله في لحظة محسومة عند قارعة الغروب، بكل شجاعة و نبل:
فألقيت التحية على بقايا رماد احتراقاتي معك،
ثم افترشت دمي
على قارعة الغروب
و مت..

قصيدة "بلاغ في الولع" نقطة مشرقة في شعرنا العربي الحديث، تجعل الشاعر العراقي "سلمان داود محمد" في مكانة خاصة، تخول له الإبلاغ عن كل ما يكتنف الإنسان، من أسى تحفظه المسافات و الجمال، و فرح خفيف بعمر نبضة قلب، و هذه القدرة الفريدة في التعبير، يؤكدها في "بلاغ في الولع" .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب


.. عاجل.. الفنان محمد عبده يعلن إصابته بمرض السرطان في رسالة صو




.. انتظرونا غداً..في كلمة أخيرة والفنانة ياسمين علي والفنان صدق