الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة المضادة أفعى برأسين

مصطفى مجدي الجمال

2012 / 5 / 26
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


لم تمض سوى ساعات قليلة على إعلان النتائج شبه الرسمية لانتخابات الرئاسة.. وأصبحنا أمام وضع هزلي (ولا أجد تعبيرًا غير هذا).. فالإعادة في الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية ستكون بين اثنين يمثلان الثورة المضادة، رغم أنف كثير من التحليلات البراجماتية التي تحاول إعادة إيهام الناس بأن جماعة الإخوان المسلمين جزء أصيل وثابت من معسكر الثورة..

ذلك لأننا أمام مشروعين استراتيجيين متماثلين في الجوهر، وخاصة من حيث العداء للقوى العاملة والمهمشين، ومن حيث الإيمان بالمشروع الرأسمالي الفردي (الليبرالي الجديد) المطلقة يده في الاستغلال والنهب وترحيل الأرباح، وعدم تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية أو الرعاية الاجتماعية للمنكشفين اقتصاديًا.. ولكنهما- أي هذين المشروعين- قد يختلفان من حيث تخندق نخبة "نظام مبارك" أساسًا في عمق الدولة، واستخدام جهازها نفسه لتعظيم التراكم والتربح ولحماية وتدليل وتسهيل مصالح النخبة في القطاع الخاص، بينما ترتكز نخبة الإخوان في مجالات التجارة والمضاربات...، ولكنها تطمح أيضًا إلى وضع أيديها على ذات جهاز الدولة لتحقيق المزيد من التراكم.. كما يميل المشروع الإخواني إلى تحالفات مالية في الخليج فضلاً عن أن مال الإخوان المسلمين نفسه أصبح قوة لا يستهان بها دوليًا..

وعلى المستوى الشخصي للمرشحيْن الاثنين، مرسي وشفيق، فإنه لا يليق بمصر أبدًا، خاصة بعد ثورتها الكبرى، أن يحكمها أي من هاتين الشخصيتين الممسوختين، ففضلاً عن انتماءاتهما الطبقية وخياراتهما السياسية وفظاعة الإرث السياسي للجماعة السياسية/ العصبوية التي تقف وراء كل منهما.. هما شخصيتان تتسمان بالضحالة السياسية والتسطيح الفكري، بل وحتى يغيب عنهما أي من مقومات الكاريزما (مواهب الزعامة).. فأحدهما رغم شهادته العلمية العالية أقرب إلى الواعظ الديني والخطيب الساذج، والآخر رغم كونه طيارًا سابقًا هو أقرب إلى جنرالات المقاهي..

المهم أننا قبل أن نفكر في النقطة الرهيبة التي وصلنا إليها الآن، يجب علينا أولاً- كقوى ثورية- أن نتوقف فورًا عن لطم الخدود، فهو لا يفيد في شيء سوى زيادة المرارات.. ومما يؤذيني شخصيًا تلك السخائم التي ينشرها البعض من المحبطين على شبكات التواصل الاجتماعي في إهانة للشعب واختياراته، وكأننا نحن قد قمنا بكل ما علينا ولم نلق من الشعب سوى الجحود..

ويجب علينا ثانيًا ألا نتفرغ لكيل الاتهامات لبعضنا حول من وما هو السبب في الوضع التراجيدي الذي وجدنا أنفسنا فيه، فهذا لن يفيد أكثر من المزيد من تمزيق الصفوف. بالطبع من المهم استخلاص الدروس ولكن مع ممارسة النقد الرفاقي، وقبله النقد الذاتي..

ويجب علينا ثالثًا ألا نبادر باتخاذ مواقف عصبية في قضايا حاسمة، لأننا قد ندفع المزيد من الأثمان الغالية لخيارات خاطئة جديدة، ومن المهم أيضًا ألا نسمح للقيادات الأفراد بأن تعقد تسويات/ مساومات أو تدخل في خصومات دون التشاور الديمقراطي الشفاف مع الحلفاء والأنصار..

ولندخل في الموضوع مباشرة.. ونقطة البدء في اعتقادي هي ضرورة التحديد الدقيق لمعسكري الثورة والثورة المضادة، وهو أمر لا يجوز بالطبع أن يكون نتيجة اجتهاد قريحة فردية، إلا أنه بالإمكان تحديد الخطوط العريضة بالتأكيد..

لقد أدت ثورة 25 يناير 2011 إلى الإطاحة برموز أكثر نخب الرأسمالية المصرية فسادًا واستبدادًا وعمالة.. هذا صحيح، ولكن من الصحيح أيضًا أن مجريات الثورة بعد الإطاحة بحكم مبارك (ولا أقول نظامه) لم تؤدِ إلى اكتمال الإنجازات والمستهدفات المتصورة للثورة، لأسباب كثيرة جدًا، لعل أهمها ذلك الالتباس المرتبط بمشاركة جماعة الإخوان ثم السلفيين في اللحظات الحاسمة للانقلاب الثوري على رئاسة مبارك..

فنتيجة لتفاوت الأحجام وقوة التنظيم بين هذه الجماعات والقوى الثورية المبادرة، استطاعت تلك الجماعات أن تحدث الكثير من الشقوق والثغرات في صفوف الثورة، وأن تناور وتعقد الصفقات مع المجلس العسكري الذي تصور نفسه مخولاً بحماية النظام ككل حتى من نفسه، وباستقطاب واستيعاب وتوسيع النخب المتسلطة لتشمل تلك العناصر من مختلف قوى الإسلام السياسي..

أي أن اشتراك الإخوان والسلفيين وبقية فصائل الإسلام السياسي في لحظات "الانقلاب الثوري" قد أضفى عليها زورًا أنها من القوى الثورية، وليس من قوى الثورة المضادة، وانطوت هذه المغالطة ولا تزال على البعض من القوى الثورية والكثير من القطاعات الاجتماعية ذات المصلحة في الثورة..

تفرغ الإخوان المسلمون لجني المكاسب من الثورة، دون أن يدفعوا شهيدًا واحدًا فيها، ومارسوا أسوأ أنواع المساومات والمقايضات على حساب أرواح الشباب والقوى السياسية الثورية الرابضة في ميدان التحرير..

وكان من الطبيعي أن يتسبب هذا الاشتباك المعقد إلى صدام أو آخر في تلك المرحلة أو هذه.. بل كان من الممكن أيضًا أن تقع صدامات واختلافات داخل "الصف الإسلامي" نفسه.. وبالتالي فقد شاهدنا صراعات مختلفة (كثير منها "منخفض الكثافة") حول الدستور والوزارة وفي الانتخابات البرلمانية وأخيرًا الرئاسية.. وفي بعض الأحوال دُفِع الشباب دفعًا إلى خوض معارك دموية مع المجلس العسكري سقط فيها مئات الشهداء، بينما كان قيادات الإسلام السياسي هم أول من يتخلصون من المعركة وأول من يطلبون المغانم..

هناك نقطة جانبية لا مفر من التطرق إليها.. وهي أن الخبرات التاريخية وعلم النفس الاجتماعي للثورات يؤكدان على أهمية الشخصية الكاريزمية القائدة في كل ثورة، لا سيما في مجتمعات العالم الثالث. وقد تصور الكثيرون أن محمد البرادعي المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية يمكن أن يضطلع بهذا الدور.. ومن المهم هنا التأكيد على شجاعته ومبادرته.. غير أنه للأسف كان أقرب إلى شخصية الموظف الدولي منه إلى الزعيم السياسي.. حيث كان يُنتخب بطريقة أقرب إلى التعيين والتوافق.. أي أنه ليس شخصية صدامية, وحينما شعر أنه لن يكون المرشح الذي سينال تأييد الإخوان تراجع عن الترشح للرئاسة، مما أدخل القوى الثورية في بلبلة كانت في غنى عنها.. بل إنه لم يبادر حتى بإعلان تأييده لأحد المرشحين..

جاءت الانتخابات الرئاسية في هذا السياق المعقد.. والذي يمكن أن نضيف إليه عناصر أخرى مثل الاستخدام الذي لم يسبق له مثيل (ربما في المنطقة العربية والعالم الثالث) للمال السياسي، حتى أن التقديرات المتواضعة تتحدث عن مليارات الدولارات.. بينما القوى الثورية الأصيلة تعاني بالطبع من فقر مالي وإعلامي مشهود..

وبعدما أنفقت الجماعات السلفية مبالغ مهولة على مرشحها المستبعد "حازم أبو إسماعيل".. لم يكن بوسعها سياسيًا أن تُسلم قيادها لجماعة الإخوان، فقررت تأييد المرشح "الملتبس": "عبد المنعم أبو الفتوح".. لأنه من الممكن إلزامه مستقبلاً ببعض من "برنامج" السلفيين لنشر وتطبيق المذهب الوهابي الظلامي في مصر.. خاصة وأن المرشح المذكور لا يستند على تنظيم حزبي خاص به، ولا يمكنه التملص من نفوذ السلفيين إلا بالعودة إلى جماعة الإخوان، وفي هذا مقتل آخر له..

أما جماعة الإخوان فقد طرحت التايكون الرهيب مالاً وجبروتًا "خيرت الشاطر" في مواجهة الخطر الداهم المفاجئ الذي مثله "حازم أبو إسماعيل".. لكن ترشيح الشاطر كان أكبر بكثير مما يمكن أن يتحمله العسكر، ومن ثم كان اللعب بورقة "عمر سليمان" الاستخباراتي المخضرم.. وفي النهاية حُلَّ الاشتباك الثلاثي باستبعاد المرشحين الثلاثة.. فلم يجد الإخوان مفرًا من التقدم بمرشحهم الاحتياطي (مرسي) واعتبار أن إنجاحه مهمة جليلة لإنقاذ سمعة الجماعة التي تدهورت بسبب الأداء البرلماني الرديء الذي أثار حنقة المواطنين.. ومن أجل المضي سريعًا في مشروعات الجماعة الخاصة بالدستور..

وفي الوقت نفسه أدرك المجلس العسكري مبكرًا أن هناك مخاطر تتعلق بخروجه الآمن، وبالوضعية الخاصة للجيش رغم صدور تطمينات من هنا أو هناك.. فأطلق العنان لشبكات الحزب الوطني كي تجمع نسيجها المتهتك، وتعيد بناء نفسها وراء مرشح يرضى عنه الجيش هو "شفيق"..

لقد كشفت الانتخابات الأخيرة عن فعالية جهازين انتخابيين جبارين.. أحدهما للإخوان يتمتع بقوة ودقة التنظيم وغزارة المال والإعلام فضلاً عن الأيديولوجية الدينية.. والجهاز الآخر هو ما تبقى وما أعيد بنائه من جهاز الحزب الوطني البائد الذي ظلت كثير من خلاياه "نائمة" لشهور انتظارًا للحظة الحاسمة، وهو عبارة عن شبكات واسعة ومعقدة: قبلية ووظيفية وأمنية (بما فيها تشكيلات للبلطجية ومعتادي الإجرام) ولها صلات قوية بالطرق الصوفية والإعلام والمؤسسة الدينية الرسمية بما فيها قيادات كنسية، وتستند إلى استخدام إمكانيات الجهاز الإداري كبنية تحتية لحملاتها فضلاً عن أموال غزيرة .. واستمات المجلس العسكري في حماية المرشح شفيق من قانون العزل السياسي الذي قدمه أنصار أبو الفتوح.. فقد كان شفيق بمثابة النقطة المجمعة القوية كي يتخلى أعضاء شبكات الحزب الوطني عن تقاعسهم وتخوفاتهم..

وأمام هذين الجهازين الجبارين.. كانت القوى الثورية قد دخلت في حالة يرثى لها من التفكك والإجهاد وضعف الرؤية الاستراتيجية.. إذ إن جل الائتلافات الشبابية التي عرفت أثناء الثورة تعرض للتفكك جراء التوزع على الأحزاب، أو ابتعاد البعض الآخر عن العمل الحزبي دون إدراك أن الطبيعة الفضفاضة للائتلافات (وهي من مزاياها في لحظة تاريخية محددة) يمكن أن تنقلب إلى عنصر سلبي ربما وصل ببعضها إلى التبدد وانصراف الكثيرين عن العمل السياسي بمعناه الحقيقي، وتصور أن النشاط الثوري قاصر على الإضرابات والاعتصامات..

وازداد الوضع تشققًا مع مجيء انتخابات الرئاسة.. إذ إن جزءًا كبيرًا من الثوريين (ومنهم يساريون من المتأثرين بفكر كريس هارمن) قد انضموا إلى حملة المرشح المفصول من الإخوان عبد المنعم أبو الفتوح، بدعوى أنهم يعملون على إنهاء حالة الاستقطاب في المجتمع بين الإسلاميين والعلمانيين، ومن ثم إعادة الصراع في المجتمع بين القوى الثورية وغير الثورية، حيث رأوا أن تلك وهذه موجودتان في كل التيارات.. بل إنهم اتهموا من لا يؤيد أبو الفتوح بالإسلاموفوبيا (الخوف من الإسلام).. وهكذا انتزعوا المصطلح من سياقه الغربي ليلصقوه باليساريين المصريين المسلمين والمسيحيين.. أي أنهم يساوون بين الإسلام وبين التيارات المستغلة للدين في السياسة، وهي بالطبع خدمة كبيرة ومجانية للإسلام السياسي..

ودلل هؤلاء على صحة موقفهم بعبارات كثيرة وردت في برنامج أبو الفتوح وخطاباته تؤكد على التزامه بالدولة المدنية الديمقراطية.. وهي بالطبع حجة شكلية مردود عليها بسهولة.. كما أغفلوا الحقيقة الساطعة التي تقول إن الرجل أُخرج من قيادة جماعة الإخوان المسلمين.. ولم يخرج هو منها.. ولم تُنقل عنه كلمة واحدة في نقد الجماعة.. أكثر من هذا تجاهل أصحاب هذا الاجتهاد المغزى وراء إعلان السلفيين تأييدهم له.. وكان من نتائج هذا الموقف المؤيد لأبو الفتوح أن خسر اليسار مئات الآلاف من الأصوات..

ومما زاد الطين بلة أن كان لليسار المصري (بما فيه اليسار الناصري) أربعة مرشحين.. ولم يبدِ أي منهم أي رغبة حقيقية في التراجع أو التفاهم، حتى بعدما لاح في الأيام الأخيرة من الحملات الانتخابية مدى التفوق والفرص التي تتفتح أمام المرشح الناصري حمدين صباحي. ولا يمكن لأحد إنكار أن العوامل الذاتية وقفت حائلاً أم إنجاز هكذا اتفاق.. وكانت النتيجة خروج ثلاثة من مرشحي اليسار بنتائج مخجلة لم يسبق أن مُنِي بها حتى في ظل تزوير السادات ومبارك.

ومرت الأحزاب اليسارية والقوى الثورية الشبابية بحالة من التشوش والتعارك حول المرشحين، لدرجة أن تصويت أعضاء الحزب الواحد (بدءًا من الحزب الديمقراطي الاجتماعي وانتهاءً بمنظمة الاشتراكيين الثوريين السرية) كان يتوزع على أربعة مرشحين وربما خمسة.. وقد حاول البعض التهرب من مسئوليته عن خسارة المرشح الناصري لكثير من الأصوات جراء هذا فلجأوا إلى حجة أقبح من ذنب، وهي أن أصوات المرشحين اليساريين (غير حمدين) جاءت هزيلة، ومن ثم فإنهم لم يتسببوا في خسارته.. لكنهم تناسوا أن اتفاق اليسار على مرشح واحد لم يكن ليشكل إضافة حسابية فحسب، وإنما لو تم لكان ذا قيمة رمزية عالية ستمنحه الكثير من الأصوات بمعدلات هندسية وليس حسابية.. أما الخسارة المسكوت عنها فهي أن مئات النشطاء اليساريين قد حيل بينهم وبين مساندة صباحي، وتسبب هذا الموقف نفسه في ابتعاد الكثير من النشطاء عن دعم أي مرشح سأمًا وعن عدم اقتناع أو التزام.

رغم كل هذا حقق المرشح الناصري نتائج مذهلة بإمكانيات مادية متواضعة أمام طوفان المال السياسي.. وحقق انتصارات مدوية حتى في معاقل الإخوان والسلفيين مثل الإسكندرية والقاهرة والدقهلية.. وكشفت المعركة عن شخصية كاريزمية تتمتع بالقبول الشعبي المعقول.. ومن واجب الثوريين حمايتها حتى من نفسه، حتى لا يدخل في صفقات ومساومات مستقبلية مثل خطئه السابق في التحالف مع الإخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية.. ولكن ربما الأمر كان أسهل بالطبع لو كان اليسار بكل أطيافه قد التف حوله..

في الحقيقة ضاعت فرصة هائلة كانت قاب قوسين أو أدنى من أيدي القوى الثورية.. وهو ما يدعونا إلى استيعاب الدروس المسخلصة من المعركة التي لم تنته بعد..

أول درس هو الحاجة العاجلة جدًا لبناء جبهة ديمقراطية واسعة بين القوى الثورية، وخصوصًا فيما بين القوى الديمقراطية الثورية، لحماية الحياة والدولة المدنية ضد كل من "الدولة العميقة" (التحالف الشرير بين العناصر الفاسدة والرجعية في كل من القوى الأمنية والبيروقراطية وحتى جهاز القضاء..) والدولة الدينية/ الطائفية..

والدرس الثاني المهم هو ضرورة أن يكون لدينا تقدير جيد للمزاج النفسي- الاجتماعي للجماهير الشعبية في كل فترة، بل في كل يوم. ومن المؤكد أن هذا المزاج قد تغير كثيرًا بعد مرور عام ونصف على الثورة.. فعلينا أن ندرك أن هناك فئات اجتماعية ضعيفة ومستضعفة قد أصابها الإنهاك من جراء تعطل مصالحها اليومية في العيش والأمن وحرية التنقل..الخ. وليس في هذا أي انتقاص من ثوريتها وشرفها. وبالطبع أسهم في هذا ذلك الاستهلاك الزائد لأساليب في العمل كانت مؤثرة في أيام الانقلاب الثوري.. فمثلاً يجب أن نعلم ونتفهم أن كثيرًا من التصويت الذي جرى في الانتخابات الرئاسية تم من منطلق ما أسميه "التصويت المذعور"، مثل ذعر الحرفيين والمهنيين والعمال المياومين من متاعب العيش، ومثل ذعر الأقباط والمثقفين والفنانين من تصاعد نفوذ الإسلام السياسي، ومن ثم كان الارتماء في أحضان ممثلي النظام السابق/ الاستقرار..

والدرس الثالث المهم أنه لا يمكن تصور العمل الثوري على أنه يسير في خط مستقيم وباتجاه الأعلى دائمًا، دون التعرض لانتكاسات أو ضرورة التقاط الأنفاس لإعادة تنظيم الصفوف والتمهيد لمعارك أكبر.. كما أنه إذا كانت شبكات التواصل الاجتماعي (فيس بوك- تويتر..) قد لعبت دورًا إبان النظام الدكتاتوري السابق، فإنه لا يمكن تصور أن النتائج ستظل هكذا على الدوام، لأن القوى الرجعية تعلمت هي الأخرى كيف تستخدمها.. كما أن تطوير الثورة بل حمايتها أصبح يتطلب حملات كبرى للتواصل الجسدي المباشر مع الجماهير..

والدرس الرابع هو أن أهم الأوراق في أيدينا تتمثل في المطالب الاجتماعية/ الاقتصادية، ومحاكمة النظام السابق وإدارة المرحلة الانتقالية عن كل الجرائم التي ارتكبت، واستعادة ثروات مصر المنهوبة (بما فيها الشركات التي تمت خصخصتها بالفساد) والمهربة، وحماية مدنية الدولة وحرية الإبداع من قوى التسلط والظلام..الخ. وهذا النوع من النقاط البرنامجية هو الكفيل بعزل قوى الثورة المضادة بفرعيها..

نعم.. أعني الكلمة تمامًا.. مطلوب عزل قوى الثورة المضادة بفرعيها.. فهي عندي أشبه بأفعى خرافية ذات رأسين.. كلاهما سمه مميت.. ولكن الرأسين قد يتناهشان في بعض الأحيان.. ويجب علينا التعامل بحصافة مع هاتين الحقيقتين.. أي نرفضهما استراتيجيًا، مع أن نحاول تكتيكيًا الاستفادة من صراعاتهما "الثانوية"..

وهو ما يقودنا ويعود بنا إلى الموقف الحالي من جولة الإعادة في انتخابات الرئاسة.. وبدايةً أقول إننا سنكون كمن يصوب النار على رأسه إذا دعونا الجمهور لاختيار أي من مرسي أو شفيق.. سنفقد مصداقيتنا ونقطع الطرق المستقبلية على أنفسنا..

لا يجوز أن ندخل في مفاضلات شكلية بين استبداد العسكر واستبداد الإسلام السياسي، إذ إن كليهما متحد الجوهر، بل لا مانع من أن نشهد فصولاً مستقبلية في المساومات/ التسويات الخشنة بين رأسي الأفعى..

لسنا مجبرين على الاختيار بين طريقة الموت هذه أو تلك.. وهذه ليست انعزالية أو سلبية.. بل يجب فضح الاثنين، والاستماتة من أجل عزل الاثنين.. ولا يتطلب هذا أن يكون لدينا بالضرورة موقف من التصويت يوم الانتخاب.. إننا أمام ثورة مضادة تتعافى وتتجبر.. ربما تتشاجر فيما بينها على الغنائم.. أما نحن فنكسب مصداقيتنا بالدفاع عن مصالح الطبقات الشعبية، وعن الحريات الديمقراطية المهددة بالانتقاص، وعن الدستور المدني الإنساني.. شرط أن تكون قوى الثورة يدًا واحدة بحق..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - وهم المرشح اليساري
حاتم حسن ( 2012 / 5 / 26 - 15:41 )
ثمه مشكله حقيقيه في بعض التحليلات السياسيه وهي عدم التدقيق في استخدام
المصطلحات واطلاقها هكذا بغير تحديد----عن اي يسار بالضبط يتحدث الكاتب
وليدلنا علي مرشح واحد من المرشحين الاربعه الذين اسبغ عليهم صفه اليسار
قدم برنامجا يخرج عن اطار نظام الاقتصاد الحر القائم مع ادخال بعض التعديلات
التى تضمن تهذيبه باتجاه درجه مقبوله من العداله الاجتماعيه ربما حتي بمستوي اقل من الموجود ببعض النظم الراسماليه العريقه
اذا كان اليسار الذي قصده الكاتب بهذا المعني وهو اقرب لليسار الذي تمثله بعض
الاحزاب الاشتراكيه الديمقراطيه بالغرب والتى ترجع في اصولها الفكريه للرؤي
التى صاغها العالم الاقتصادى البرجوازي كنز---اذا كان الامر كذلك فعليه ان يكف
عن هذا الصخب عديم المعنى والذي يحمله باصطلاحات مضلله في احسن الاحوال
ولاتنتج سوي استقطابات علي غير اساس لافي البرامج ولا قي الواقع
ولو انه كلف نفسه بقراءه برنامج المرشح الذي اعتاد ان يكيل له الاتهامات باستخدام النهج الديماجوجي القائم علي التفتيش في النوايا لما وجد ايه فروقات
جوهريه بينه وبين باقي البرامج (اليساريه)


2 - مزيد من الوضوح يا أخ حاتم
مصطفى مجدي الجمال ( 2012 / 5 / 26 - 17:26 )
الأخ حاتم .. أرجو أن توضح أفكارك أكثر.. مع التعبير عن امتعاضي لاستخدام لفظة الديماجوجية لوصف كتابتي عن أحد المرشحين.. دون أن تذكر من هو هذا المرشح وأين كانت ديماجوجيتي.. ثم إن اعتبارك للمرشحين الأربعة غير يساريين فهذا حقك.. ولكنك لم تقل شيئًا عن الموقف المطلوب واكتفيت بالاستمتالع بتوبيخي دون ضرورة فيما أظن


3 - الاستاذ مصطفي الجمال-الايضاح مطلوب منك
حاتم حسن ( 2012 / 5 / 26 - 23:44 )
في تعليقي طلبت منك ان تدلنا علي مرشح واحد من الاربعه الذين اسبغت عليهم
صفه اليسار قدم برنامجا يخرج عن اطار نظام الاقتصاد الحر مع التاكيد علي تدخل
الدوله بدرجه او باخري لضمان درجه مقبوله من العداله الاجتماعيه بما لايجعل
هناك فروقات جوهريه بين هذه البرامج وبين برنامج المرشح الذي اشبعت اليساريون الذبن ايدوه سخريه وهو ابو الفتوح---اما التفتيش في نوايا الرجل استنادا الي تاريخه مع اعفاء اخر من نفس المعيار فليس من الموضوعيه في شئ
ماذا لو اتهم احد المرشح الناصري بانه سوف يسعي لالغاء الاحزاب واعاده الاتحاد
الاشتراكى وفتح المعتقلات للماركسيين والاخوان - انت لن تصدق ولا انا
فلماذا تدعونا لتصديق ان ابو الفتوح سوف يعمل على تاسيس دوله دينيه لمجرد انه اعلن التزامه بالشريعه الاسلاميه -وهنا دلني علي حزب واحد اعلن رفضه الصريح للماده الثانيه
التوضيح مطلوب منك وليس مني -اما تعبير الديماجوجيه فلم اقصد به اساءه ولكن توصيف امنهج في التناول مع كامل الاحترام لشخصك الكريم


4 - الاستاذ مصطفي الجمال-الايضاح مطلوب منك
حاتم حسن ( 2012 / 5 / 26 - 23:51 )
في تعليقي طلبت منك ان تدلنا علي مرشح واحد من الاربعه الذين اسبغت عليهم
صفه اليسار قدم برنامجا يخرج عن اطار نظام الاقتصاد الحر مع التاكيد علي تدخل
الدوله بدرجه او باخري لضمان درجه مقبوله من العداله الاجتماعيه بما لايجعل
هناك فروقات جوهريه بين هذه البرامج وبين برنامج المرشح الذي اشبعت اليساريون الذبن ايدوه سخريه وهو ابو الفتوح---اما التفتيش في نوايا الرجل استنادا الي تاريخه مع اعفاء اخر من نفس المعيار فليس من الموضوعيه في شئ
ماذا لو اتهم احد المرشح الناصري بانه سوف يسعي لالغاء الاحزاب واعاده الاتحاد
الاشتراكى وفتح المعتقلات للماركسيين والاخوان - انت لن تصدق ولا انا
فلماذا تدعونا لتصديق ان ابو الفتوح سوف يعمل على تاسيس دوله دينيه لمجرد انه اعلن التزامه بالشريعه الاسلاميه -وهنا دلني علي حزب واحد اعلن رفضه الصريح للماده الثانيه
التوضيح مطلوب منك وليس مني -اما تعبير الديماجوجيه فلم اقصد به اساءه ولكن توصيف امنهج في التناول مع كامل الاحترام لشخصك الكريم


5 - لهذا لم اذهب لاختيار احدهما
محمد البدري ( 2019 / 1 / 10 - 09:18 )
عزيزيز الاستاذ مصطفي الجمال
توقفت في المقال من بدايته عند ورود اسمي - مرسي وشفيق
ربما اعود لتعليق آخر بعد استكماله. كيف وصلت سخونة 25 يناير الي هذا الدرك البارد من الشعور لتعيد لنا وجهي نظام يوليو، مرسي وشفيق
والاهم خروج مواطنين لاختيار احدهما بعد ترديدهم شعار الشعب يريد اسقاط النظام، فذلك دليل علي فساد ما اشد اتساعا
هناك عوار يبدو انه جزء من نسيج ثقافة المصريين حكاما ومحكومين واعتقد ان مرده الي غموض او ربما عدم وجود علاقات صحيحة وسليمة وموضوعية بينهما. فالعلاقات في المجتمعات الرأسمالية او الاشتراكية كلها محددة الملامح وتقوم علي اسس موضوعية.

تحياتي

اخر الافلام

.. الجيش الأمريكي يعلن إسقاط صاروخين باليستيين من اليمن استهدفا


.. وفا: قصف إسرائيلي مكثف على رفح ودير البلح ومخيم البريج والنص




.. حزب الله يقول إنه استهدف ثكنة إسرائيلية في الجولان بمسيرات


.. الحوثيون يعلنون تنفيذ 6 عمليات بالمسيرات والصواريخ والقوات ا




.. أمر أميري بتزكية الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح ولياً