الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما هي قصة عِبارة (الشعب يُريد إسقاط النظام) ؟

مصطفى القرة داغي

2012 / 5 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


عِبارة غَريبة سَمعناها على لسان ثورجية الشارع العربي في غمرة ما سُمّي بثورات الربيع التي إجتاحت الدول العربية خلال الأشهر الماضية، وهي عِبارة ليسَت عَفوية 100%، كما أنها ليسَت مِن نتاج نظرية المُؤامرة 100%. فالدوائر الأجنبية حاضِرة بكل تأكيد في ثنايا هذه الثورات، وسيكون غباءً منها ألا تفعل، وهي تعمل بكل تأكيد للإستفادة مِنها لخِدمة مَصالحها. فالبُسطاء الذين يُشكلون غالبية الشارع العربي لم يبتدعوا هذه العبارة، بل تلاقفوا بعدما طُرحَت لهم مُعَلبة مِن قبل البعض، وبدأوا يُرَدِّدون كلماتها بعَفوية الببغائات دون وَعي مِنهم بتداعياتها وتدعيات ما سيَحصل بَعدَها. فلو عُدنا للوراء قليلاً لوجدنا أنها رُدِّدَت لأول مَرة في تظاهرات الثورة المصرية، إذ لم نسمَع هذه العِبارة خلال تظاهرات الثورة التونسية، كما لم نسمَعها في الأيام الأولى للثورة المصرية، ولم تطلقها جموع المتظاهرين سوى بوقت يبدوا أنه قد أقتنِص لها، وهنا يَكمُن سِر القصة التي تكرّرت في تظاهرات الدول العربية الأخرى تِباعاً.
حسب رأيي المتواضع العِبارة أعِدّت وأطلِقت من قبل قوى وتيارات الإسلام السياسي الواسعة الإنتشار في المُجتمعات العربية ومن يَقف ورائها مِن دول إقليمية وغربية، وطُرحَت الى الشارع وأطلِقت بين صُفوف المتظاهرين في الأسبوع الثاني مِن الثورة المصرية. فقد خرَجت جُموع المتظاهرين بالأيام الأولى مُطالبة بإصلاحات لا غَير، ولم تتطرق لمَسألة إسقاط النظام مِن قريب أو بَعيد، وحتى ذلك الحين لم يَكن الأخوان والسَلفيون قد أتخذوا قرار المُشاركة بالتظاهرات، بل أعلنوا رَسمياً عدم مُشاركتهم فيها بأيامها الأولى، ولم يَنضمّوا رَسمياً لجُموع المُتظاهرين إلا بنهاية الأسبوع الأول منها، بعدما أستنتجوا بخبرتهم الطويلة في العَمل السياسي المُؤامراتي أن حُمّى التظاهرات التي بدأت بتونس ومصر وأنتقلت مِن دولة عَربية لأخرى هي فرصَتهم الذهبية التي ينتظروها مُنذ زمن، والتي لن تتكرر للتسَلل الى الحياة السياسية في هذه الدول والإستحواذ على حُكمها وتحقيق مَشروع خلافة إسلامية بدأ يُطرح علناً مِن قبل سلفيوا مصر وتونس وسوريا بدَعم مالي وإعلامي مِن إمارة الدَسائس وفضائيتها المَسمومة وواعض سلاطينها المَأجور، وبدأوا التخطيط للإستفادة مِن التظاهرات وتوجيهها لخِدمة مَصالحهم بما لايُثير حَفيظة الغرب مِن طبيعة التحرّك وشِعاراته المَطروحة، بأن يَتم التحريض على الإستمرار بالتظاهر وطَرح سَقف مَطالب مَعقول، حتى إذا إستجابَت الحكومة، يتم رفع هذا السَقف والقفز عليه الى حُدود غير مَعقولة لحَصر النُظُم الحاكِمة بالزاوية، ثم مُفاجئتها بعِبارة (الشعب يُريد إسقاط النظام) مما سَيَستفِزها ويُثيرها ويَدفعها لإستخدام القوة، ويُظهرها بمَظهَر النُظُم الوحشية الدموية، ويَستدعي تدخل المجتمع الدولي للضَغط عليها ومُطالبتها بالتنحي سواء دبلوماسياً كما حدث في تونس ومصر، أو بالقوة كما حدث في ليبيا، أو بالإثنين معاً كما يحدث اليوم في سوريا، ولتخلو الساحة بعدها لأصحاب الأجندات الظلامية ليبدأو ببَث سُمّهم الزعاف بين الناس بكل هدوء حتى تحين اللحظة المُناسِبة لسَطوهم على السُلطة كما في العراق.
لقد نجَحَت هذه الخطة وآتت ثمارَها في مصر، مُستغِلة طيبة وحِكمة الرئيس مبارك، الذي آثر التنحّي عَن السُلطة حقناً لدِماء أبناء شعبه، وحقق الإسلامويون بهدوء وخُبث ما كانوا يَصبون له، وقد تحركوا بنفس الطريقة ورفعوا نفس الشعار في ليبيا واليمن وكان لهم ما أرادوا، وهُم يتحرّكون اليوم بنفس الطريقة في سوريا، وقد نجَحوا حتى الآن بإظهار نظام الرئيس الأسد بمَظهَر الجلاد والوَحش المُفترس، فيما يظهرون هُم بمَظهر الضَحية والحَمل الوَديع. طبعاً ليس من حَقّي أن أعترض على إطلاق مُتظاهري هذه الدول لهذه العِبارة، فكل شعب(يُفترَض) أنه أدرى بمَصلحتِه ومَصلحة بلاده من الآخرين ولايَسعى بها للهاوية، لكن سؤالي لمُطلِقي هذه العِبارة ومَن ورائهم هو.. هل ينزل الوَحي عليهم بليالي مُعيّنة لنراهم ينهَضون صباحاً مُطلِقين عِبارة لم تكن مَسمُوعة حتى الساعات الأخيرة لليلة التي سَبَقت صَبيحة إطلاقها كماحدث في مصر مثلاً؟ لماذا لم ولا تُطلق هذه العِبارة مِن اليوم الأول ما دامَت هي النِيّة الحقيقية المُبَيّتة مِن التظاهرات؟ لمَ المُماطلة واللف والدوران والمُطالبة أولاً بإصلاحات مَهما تجاوَبَت مَعها حُكومات وقيادات هذه الدول يتِم المُطالبة بإسقاطها بحُجّة فقدان مِصداقيتها؟ لا بَل يُثار وبأثر رَجعي تساؤل سَخيف وخَبيث عَن سَبب عَدَم قيامها بالأصلاحات مُنذ زمن كما حَدَث في مصر ويَحدث اليوم في سوريا؟. كما نسأل..ماذا بَعد؟ وماهي الخطوة القادمة بعد إسقاط النظام؟ لأن مَن يُطلِق هكذا عِبارة كبيرة، عليه أن يكون مُستعداً لما سَيأتي بعدها بكل تداعياته، وأنا لم أرى ذلك حتى في الثورتين التونسية والمصرية اللتان تمَثلان برأيي أفضل هذه الثورات وأتأمل مِنهما خيراً لا أتأمله مِن الأخريات. فمَن مِمّن كان بمَيدان التحرير كانت له رؤية واضحة لمابَعد إسقاط نظام مبارك؟هل هُم الشباب الذين لم يَحصلوا حتى على 2% مِن أصوات الناخبين بإنتخابات مجلس الشعب؟ أم العَوام الذين كانوا يُشكلون غالبية المَوجودين؟ أم البرادعي ومَن يُساندونه؟ أم بَعض فناني الصَف الثاني الذين ركبوا المَوجة ونزلوا الميدان للعب دور بطولة بفلم سَيء الإخراج مُندّدين بظُلم وقمع نِظام وَفّرَ لهم حُرّية عَمَل كانوا يُحسَدون عليها في باقي الدول العربية، لكنهم وللأسف قلبوا له ظهر المجن وتصَرّفوا وكأنهم قد قضوا نُصفَ أعمارهم في سجونه ومُعتقلاته!
الخطير بهذه العبارة وهو ما بدأنا نلمَس تداعياته على واقع الدول العربية التي إبتليَت بهذه الثورات، هو ما تبيّن مِن أن مُصطلح النظام الذي طالبَت العَوام ومَن ورائها بإسقاطه لم يَكن مَقصوداً به النظام الحاكم كما بدا للوَهلة الأولى، بل النظام بما يَعنيه مِن كيان للدولة ومُؤسَساتها. فمَن وضَعوا هذه العِبارة وهُم غالباً مِن أتباع الإسلام السياسي لم يَكتفوا بتغيير النظُم الحاكِمة بهذه الدول، وهاهم يَسعون اليوم لإسقاط هيبَتها عِبر تدمير مُؤسّساتها العسكرية مِنها والمَدَنية لإعادة تركيبها بطُرُق هَجينة وفق أهوائهم المَريضة وأجنداتهم المَشبوهة،وحُجّتهم هي نفس حُجّة أحزاب الإسلام السياسي التي سَطت على السُلطة في العراق بعد2003، وهي أنها مُؤسّسات مُوالية للنظام السابق، وأتباعه مُتغلغلين فيها، وأنها جزء مِن مَنظومته السابقة الفاسِدة وغَيرها مِن الحُجَج السَخيفة. الدليل على ذلك ما رأيناه في العراق بعد2003 مِن حَل وإعادة دَمج لأغلب مُؤسّسات الدولة العراقية وإستبدالها بعَناصِر غير كفوءة مِن أتباع وميليشات أحزاب المُعارضة، ومانراه اليوم بمصر مِن تشويه لسُمعة وتأريخ واحدة مِن أكفأ الأجهزة الأمنية والعسكرية بالدول العربية وأكثرها حِرَفية وإظهارها كأجهزة قمع فاسِدة بمُواجهة (حَمامات سَلام بَريئة) لإفراغها مِن عَناصِرها الكفوءة غير المُوالية وإستبدالها بأتباعهم،وليس بعيداً عَن ذلك مايجري اليوم مِن تشويه لسُمعة الجيش السوري وإظهاره كجَيش وَحشي رغم ما يَسقط مِنه يومياً مِن ضَحايا تقتل بكل وحشية وتقطّع أوصالها على يَد خَبطة غَريبة مِن جنود وضُباط فارين وإسلاميين سوريين مُتطرفين وميليشيات قاعدة تجمّعَت مِن أغلب الدول العربية والإسلامية لمُحاربة ما تسَمّية بنظام الأسد الكافر!
لنُعيد تجميع أجزاء سيناريو التظاهرات، ولنرَكبّه بهدوء كما سَمِعناه بآذاننا ورأيناه بأم أعيننا وهو يَتكرّر بشكل مُستنسخ في جميع الدول العربية التي شهدَت وتشهَد ثورات. فبدئاً تخرُج تظاهُرات سِلمية تطالب بإصلاحات وترفع مَطالب مَعقولة ومنطقية لا يختلف عليها إثنان وتحتاج وقت لتحقيقها لأنها تتعلق بهيكل الدولة ومُؤسساتها وقوانينها ودستورها، لكن ما أن تُعلِن الحكومة ترحيبها بمَطالب المُتظاهرين وتطلب وقتاً لدراسَتها، وتعِد بتحقيقها حَسَب الأولوية وفق الأطر القانونية والزمَنية المُتاحة، حتى نجد المُتظاهرين يَرفضون تصريحالها ويَصفونها بالكاذبة التي تحاول المُماطلة ولايُمكِن الوثوق بها لأنها تمَثل نظام فاسِد، ثم فجأة وعلى حين غرّة يَبدأ ترديد عِبارة(الشعب يُريد إسقاط النظام) بل وَصَل الحال بالبعض في سوريا لترديد عبارة(الشعب يُريد إعدام الرئيس!) لذا ماذا يُتوَقع أن تكون ردة فعل أي نظام سياسي حتى لو كان غربياً وقدوة بالديمقراطية عند سَماعِه لهكذا عبارة، فكيف إن كان شمولياً؟. طبعاً عند سَماع النِظام لعِبارة تطالب بإسقاطه مَهما فعَل وقدّم مِن تنازلات يبدأ بإستخدم القوة، ولتبدأ المِيديا المُوجّهة العربية والأجنبية برَسم صورة بشِعة لهذا النظام وتصويره كنظام دَمَوي مُتوَحِّش يَقمع شعبه، لإعطاء مُبَرّر لتدخل المجتمع الدولي بحُجّة حِماية الشعب ودَعم مَطالبَه بالحُرية والديمقراطية كما يحدث في سوريا حالياً.
كنا نتمنى أن تكون عبارة(الشعب يُريد إصلاح النظام)التي سَمعناها في الأيام الأولى لتظاهرات الشارعين التونسي والمصري صَيحة للعَقل والمَنطِق وليس للجَهل والظلام، وتحَرُّكاً عَفوياً فردياً لعُموم الناس وليس مُبرمَجاً لجُموع عَوام ثائرة بوَعي جَمعي يحرّكه ريموت كونترول أحزب الإسلام السياسي بهذه الدول ومَن يدعمها مِن دَوائر شَرقية وغَربية وفضائيات وأقلام مَأجورة، وهو ما تبيّن فيما بَعد بتغيير هذه العبارة السِلمية فجأة الى عبارات أستفزازية عِدائية صِدامية هي(الشعب يُريد تغيير النظام) ثم (الشعب يُريد إسقاط النظام) وصولاً لمَرحلة (الشعب يُريد إعدام الرئيس) وهو تغيير لم يَكن عَفوياً ولم يأتي مِن فراغ بل تحيط به هالة تساؤلات مُريبة، لكي نصِل الى أجوبتها علينا أولاً وقبل كل شيء أن نبحث عَن المُستفيد مما حَدَث ويَحدُث، وعمَن بدأ يقطف ثِمار هذه الثورات عَمَلياً على أرض الواقع، بعيداً عَن الشِعارات التي يبدوا أن مَفعولها قد إنتهى بسُقوط الأنظمة الحاكمة بهذه الدول، وأنا لا أرى مُستفيداً حتى الآن مما حَدَث في تونس ومصر وليبيا وما سَيَحدث في سوريا غير قوى الإسلام السياسي الأوسع شعبية وإنتشار بين شرائح واسعة مِن شعوبها والأكثر تنظيماً وإنضباطاً مِن باقي القوى السياسية بهذه الدول إن وجدت، فهي تتحَكم اليوم بأغلب مَفاصل الحياة في تونس ومَصر وتكتسح أول وأهم إنتخابات أجريَت فيهما بعد ما يُسمى بالثورات. بالتالي ما النهاية التي تنتظر هذه الثورات إذا كانت هذه هي بداياتها التي لا تبشِّر بخير؟

*يقول الفيلسوف سبينوزا: " الجماهير تسوقها العَواطِف وتحكمها الأهواء لا العَقل "

مصطفى القرة داغي
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كراهية النظام
محمد بن عبدالله ( 2012 / 5 / 26 - 18:27 )
كل ما كتبت صحيح



دعني أضيف ان لدى شعوبنا نفورا طبيعيا من كل أشكال النظام في شتى مجالات الحياة

لعل سبب هذا هو عقدة الاحساس بالنقص والصغار التي تجعل الناس يحسّون بالذل حين يطلب منهم آخر الالتزام بنظام معيّن أو قاعدة سارية

وأغلب ظنّي ان نفورهم وعقدتهم هذين وراء الانتفاضات والثورات التاريخية خاصة ما كانت ضد الاستعمار الاوروبي الذي كان سببا رئيسا للاعمار والتحضر حتى اذا ما تخلصت شعوبنا منه عادت مسرعة إلى هدم كل صور للمدنية والتحضّر (المستوردين) للعودة إلى طبيعتها الجامحة (الزرنتحية)

اخر الافلام

.. غانتس يهدد بانسحاب حزبه من حكومة الائتلاف ما لم يصادق نتانيا


.. مراسلتنا: استهداف موقع الرمثا الإسرائيلي في مزارع شبعا |#الظ




.. السعودية تشترط مسارا واضحا نحو إقامة دولة فلسطينية مقابل الت


.. الجيش الإسرائيلي يواصل تصعيده ضد محافظات رفح والوسطى وغزة وا




.. إلى ماذا تؤشر عمليات المقاومة في رفح مستقبلا؟