الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في قرار المحكمة الاتحادية العليا الخاص بالهيئات المستقلة

اسماعيل علوان التميمي

2012 / 5 / 27
مواضيع وابحاث سياسية



أصدرت المحكمة الاتحادية العليا قرارا حول الجهة التي ترتبط بها الهيئات المستقلة في الثامن عشر من شهر كانون الثاني 2011، ردا على استيضاح مكتب رئيس الوزراء ، جاء فيه بان ربط بعض الهيئات المستقلة ذات الطبيعة التنفيذية في عملها بمجلس النواب أمر لا يتفق مع اختصاص المجلس ويتعارض مع مبدأ فصل السلطات ولا يتفق مع ما جرى العمل عليه في برلمانات العالم ، كما تجد المحكمة الاتحادية أن ( ارتباط ) بعض الهيئات المستقلة بمجلس النواب لا يحول دون الإشراف على نشاطاتها من قبل مجلس الوزراء تطبيقا لاختصاصاته الواردة في الدستور ، باعتبارها جهات غير مرتبطة بوزارة .
أما بقية السلطات التي لم تحدد النصوص الدستورية ارتباطها بمجلس النواب أو مجلس الوزراء وتمارس مهام تنفيذية ، واخضع الدستور قسم منها ( لرقابة مجلس النواب ) أو جعلها ( مسؤولة أمام مجلس النواب ) ، فأن مرجعيتها لمجلس الوزراء ، ويكون لمجلس النواب حق الرقابة على أعمالها ونشاطاتها ، وتكون مسؤولة أمام مجلس النواب شأنها شأن أية وزارة أو جهة تنفيذية غير مرتبطة بوزارة ، سواء ذكر ذلك النص الدستوري أو لم يذكر تأسيسا على ما أورده من نصوص تعطي حق الرقابة لمجلس النواب على أعمال السلطة التنفيذية .


أثار هذا القرار الكثير من الجدل بين الكتل السياسية المختلفة وصدرت تفسيرات سياسية مختلفة من قبل قيادات سياسية وأعضاء مجلس نواب وبعض مسئولي هذه الهيئات المستقلة . كل جهة فسرت القرار بما يتفق او يتعارض مع مصالحها ، وجدنا من الضروري أن نقدم قراءة غير سياسية لقرار المحكمة الاتحادية الذي يعد ثاني قرار مثير للجدل بعد قرارها الخاص بالمقصود بالكتلة الأكبر.
الحقيقة إن كل المشاكل والاختناقات السياسية التي مرت وتمر بها العملية السياسية في العراق وآخرها ارتباط الهيئات المستقلة سببها الجوهري هو وجود الكثير من النصوص الدستورية الفضفاضة وغير الدقيقة ، حيث فشل المشرع الدستوري تماما في اختيار مفردات لغوية تعبر عن مقاصده ولعدم امتلاك المشرع الدستوري لرؤية سياسية متكاملة ومدروسة لمستقبل العراق السياسي ولطبيعة النظام السياسي الأصلح له ولضيق الوقت المخصص لكتابة الدستور ولأجواء عدم الثقة التي كانت سائدة بين المكونات الأساسية الخارجة لتوها من قبضة اعتى نظام دكتاتوري عرفته البشرية بعد الحرب العالمية الثانية ، ولكون اغلب أعضاء اللجنة من غير ذوي الخبرة السابقة في الحكم والادارة جاء الدستور فضفاضا وغير محكما وكان من نتائج ذلك حصول الكثير من لاختناقات والمنازعات بشان تفسير النصوص الدستورية المختلفة .
خصص الدستور الفصل الرابع من الباب الثالث للهيئات المستقلة وافرد لها المواد من 102-108بمعنى انه خصص لها سبعة مواد، بينما كان بإمكانه أن ينظم موضوع الهيئات المستقلة برمته بمادة واحدة فقط ، يعرف في بدايتها الهيئة المستقلة تعريفا جامعا مانعا يضمن ان تكون هذه الهيئات مستقلة تماما في قراراتها يختارها مجلس النواب وترتبط اداريا بمجلس الوزراء باعتبارها هيئات تنفيذية ثم يقوم بتوزيع أسماء الهيئات المستقلة التي نص على استحداثها بقانون عادي على فقرات المادة ، ويختم هذه الفقرات بفقرة أخيرة بدلا من نص المادة 108وهي المادة الأخيرة في فصل الهيئات المستقلة ويقول( يجوز بقانون استحداث هيئات مستقلة أخرى وحسب الحاجة ، ) . ونقترح النص التالي للمادة الخاصة بتشكيل الهيئات المستقلة

بيد إننا نجد الدستور استخدم مفردات مختلفة للتعبير عن معنى واحد ولم يكن دقيقا ولا صريحا في تحديد ارتباط هذه الهيئات فمرة نجد الدستور في المادة102 يقول(تعد ،و ، و هيئات مستقلة تخضع لرقابة مجلس النواب وتنظم أعمالها بقانون) بينما نجده في المادة 103 الفقرة أولا استخدم مفردات جديدة في وصف الهيئة المستقلة الذي ورد في المادة 102ولم يتطرق إلى الجهة التي ترتبط بها عندما نص على (يعد كل من ، ،وهيئة الإعلام والاتصالات ودواوين الأوقاف هيئات مستقلة ماليا وإداريا وينظم القانون عمل كل هيئة منها ) حيث أضاف هنا مفردات جديدة (مستقلة ماليا وإداريا) ثم عاد في الفقرة ثانيا من المادة نفسها ليحدد ارتباط هذه الهيئات إلا انه وصف ارتباط البنك المركزي بالعبارة التالية (يكون البنك المركزي مسئولا أمام مجلس النواب ويرتبط ديوان الرقابة المالية وهيئة الإعلام والاتصالات بمجلس النواب) فنجده مرة يقول يكون البنك المركزي مسؤولا امام مجلس النواب ومرة يقول يرتبط ديوان الرقابة المالية وهيئة الاعلام والاتصالات بمجلس النواب ولا ندري ما هي الحكمة من استخدام التعبيرين وما هو القصد من كل منهما سوى إضافة المزيد من الإرباك على النص الدستوري المتخم بالإرباك أصلا .
في حين نجد المادة 103 ثالثا نصت صراحة على ارتباط دواوين الأوقاف بمجلس الوزراء وكذلك نجد المادة 104 نصت صراحة على ( تؤسس هيئة تسمى مؤسسة الشهداء ترتبط بمجلس الوزراء وينظم عملها واختصاصها بقانون )
بينما نجد الدستور سكت تماما في المادة (105):عن ذكر الجهة التي ترتبط بها الهيئة العامة لضمان حقوق الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم حيث نصت هذه المادة على(تؤسس هيئةٌ عامة لضمان حقوق الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم، في المشاركة العادلة في إدارة مؤسسات الدولة الاتحادية المختلفة، والبعثات والزمالات الدراسية، والوفود والمؤتمرات الإقليمية والدولية، وتتكون من ممثلي الحكومة الاتحادية، والأقاليم والمحافظات

وكذلك سكت الدستور في المادة106عن ذكر الجهة التي ترتبط بها الهيئة العامة لمراقبة تخصيص الواردات الاتحادية حيث نصت ) تؤسس بقانونٍ، هيئةٌ عامة لمراقبة تخصيص الواردات الاتحادية، وتتكون الهيئة من خبراء الحكومة الاتحادية والأقاليم والمحافظات وممثلين عنها، وتضطلع بالمسؤوليات الآتية:
أولا :ـ التحقق من عدالة توزيع المنح والمساعدات والقروض الدولية، بموجب استحقاق الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم.
ثانياً :ـ التحقق من الاستخدام الأمثل للموارد المالية الاتحادية واقتسامها.
ثالثاً :ـ ضمان الشفافية والعدالة عند تخصيص الأموال لحكومات الأقاليم أو المحافظات غير المنتظمة في إقليم، أو وفقاً للنسب المقررة.
كما نجد الدستور سكت أيضا عن الجهة التي يرتبط بها مجلس الخدمة الاتحادي كما جاء في المادة 107): يؤسس مجلسٌ، يسمى مجلس الخدمة العامة الاتحادي، يتولى تنظيم شؤون الوظيفة العامة الاتحادية، بما فيها التعيين والترقية، وينظم تكوينه واختصاصاته بقانون (
بينما كان يمكن صياغة كل ما يتعلق بالهيئات المستقلة بمادة واحدة فقط بدلا من تخصيص فصل كامل للهيئات المستقلة وكما يلي:ـ
المادة المقترحة لتحل محل الفصل الرابع من الباب الثالث برمته والمخصص للهيئات المستقلة " تشكل بقانون هيئات مستقلة ماليا وإداريا ترتبط بمجلس الوزراء وتخضع مباشرة لرقابة مجلس النواب وتكون في قراراتها مستقلة تماما لا سلطان عليها غير الدستور وقانون الهيئة ويتم ترشيح رؤساء هذه الهيئات والدرجات الخاصة في كل هيئة من قبل مجلس الخدمة الاتحادي وفق شروط ومعايير تنافسية مهنية شفافة يضعها مجلس الخدمة الاتحادي ويتم المصادقة على تعيين المرشحين من قبل مجلس النواب ، وهي :ـ
أولا - البنك المركزي العراقي
ثانيا- ديوان الرقابة المالية
ثالثا-هيئة النزاهة
رابعا-المفوضية العليا لحقوق الإنسان
خامسا-هيئة الإعلام والاتصالات
سادسا-هيئة ضمان حقوق الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم في المشاركة العادلة في إدارة مؤسسات الدولة الاتحادية المختلفة والبعثات والزمالات الدراسية والوفود والمؤتمرات الإقليمية والدولية وتتكون من ممثلي الحكومة الاتحادية والأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم .
سابعا-هيئة مراقبة تخصيص الواردات الاتحادية الاتحادية وتتكون من خبراء من الحكومة الاتحادية والأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم للتحقق من الاستخدام الأمثل للموارد المالية واقتسامها بما يضمن الشفافية والعدالة في تخصيصها لحكومات الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم وفقا للنسب المقررة بموجب الاحصائيات السكانية والمحرومية .
ثامنا- مجلس الخدمة الاتحادي ويتولى حصرا تعيين موظفي الدولة كافة وحسب الدرجات الشاغرة التي تخصصها وزارة المالية لدوائر ومؤسسات الدولة كافة وكذلك ترشيح رؤساء الهيئات المستقلة والمدراء العامين في دوائر الدولة كافة وتعيينهم بعد مصادقة مجلس النواب عليهم ويضع المجلس أسس وشروط منافسة عادلة وشفافة ومعلومة توضع على شكل نقاط ترجيح واضحة لا تقبل اللبس يمكن احتسابها بيسر وحسب طبيعة العمل والاختصاص المطلوب للوظائف والمناصب التي يجري التنافس عليها ويعد باطلا تعيين أي موظف في أية دائرة ومؤسسة من مؤسسات الدولة إلا من خلال هذا المجلس .
تاسعا- دواوين الأوقاف
عاشرا- مؤسسة الشهداء
حادي عشر-المفوضية المستقلة العليا للانتخابات .
حادي عاشر-يجوز استحداث هيئات مستقلة أخرى حسب الحاجة والضرورة بقانون .

من هنا ولكل ما تقدم يمكن النظر إلى قرار المحكمة الاتحادية الخاص بارتباط الهيئات المستقلة بأنه قرار سليم من الناحية الدستورية .حيث ان ارتباط هيئات تنفيذية بالسلطة التشريعية يعد مخالفا لمبدأ الفصل بين السلطات الذي اعتمده دستور 2005 . وان اختيار رؤساء واعضاء الهيئات وكذلك حجب الثقة عنهم من قبل مجلس النواب يحررهم من اي ضغط يمكن ان تتعرض له هذه الهيئات من قبل الحكومة الاتحادية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسلسل إيريك : كيف تصبح حياتك لو تبخر طفلك فجأة؟ • فرانس 24 /


.. ثاني أكبر جامعة بلجيكية تخضع لقرار طلابها بقطع جميع علاقاتها




.. انتشار الأوبئة والأمراض في خان يونس نتيجة تدمير الاحتلال الب


.. ناشطون للمتحدث باسم الخارجية الأمريكية: كم طفلا قتلت اليوم؟




.. مدير مكتب الجزيرة يرصد تطورات الموقف الإسرائيلي من مقترح باي