الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوم الغضب العراقي

فايز شاهين

2005 / 2 / 1
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


تهديدات الإرهابي أبو مصعب الزرقاوي وجماعته من السلفيين الوهابيين الذين كفّروا كل من يشارك في الانتخابات العراقية وأباحوا دمائهم، فشلوا فشلاً ذريعاً في محاولاتهم اليائسة لإيقاف رياح التغيير الديمقراطي في العراق. لقد فشل الزرقاوي وأتباعه في جر الشعب العراقي إلى حرب أهلية، كما فشل في إيقاف مد الناخبين الذي تجاوز كل التوقعات في احتشادهم أمام مراكز الاقتراع حتى مع عدة عمليات إرهابية في أكثر من مدينة قُتِل فيها أكثر من أربعين مواطناً وستة رجال أمن وجُرِح أكثر من 90 مواطناً آخر.
فشل الزرقاوي وفشل كل من راهن على ما يُسمّى (المقاومة العراقية) التي هي خليطاً من البعثيين والإرهابيين ممن فقدوا مصالحهم بعد سقوط صدام، وآخرين من السلفيين الوهّابيين من خارج العراق الحاقدين على الشعب العراقي ليس لسبب سوى أن أكثريته من الشيعة مما يعني حصول الشيعة على حقوقهم المنتهكة خلال عدة قرون مضت؛ وهذا بالنسبة لهم خط أحمر لا يمكن القبول به.
لقد دفع الشعب العراقي ثمناً باهظاً خلال فترة نظام البعث البائد، ودفع المزيد منها خلال العامين الفائتين، على أمل أن تتحقّق الديمقراطية في العراق ويتم اجتثاث الإرهاب وأتباعه من الداخل والخارج. الصور التي تناقلتها وسائل الإعلام العربية بالذات فرحةً بالمجازر في العراق وأملاً في فشل العملية الانتخابية جعل العديد من المتطرفين والكارهين للعراق وشعبه يحلم في تحقق تلك الأهداف الخبيثة، لكن الله والشعب العراقي خيّب آمالهم.
يوم الغضب العراقي تمثّل في زحف غير مسبوق لصناديق الاقتراع في كل محافظة في الشمال والجنوب، في الشرق والغرب والوسط، في كردستان كما في البصرة والنجف، في بغداد وفي الفلوجة وبعقوبة وغيرها. المشاركة الشعبية العارمة بدت واضحة منذ بداية التصويت، وازدادت بشكل كبير مع مرور الوقت أعلن فيها الشعب العراقي، رجالاً ونساءً، عن فرحتهم الغامرة، بل إنها كما قال أحدهم "نشوة"، وما صورة أحد الناخبين حاملاً أمه الطاعنة في السن على ظهره ليوصلها إلى صناديق الاقتراع إلاّ دليلاً على هذا الغضب الراقي المتحضر لهذا الشعب المظلوم.
يوم الغضب العراقي تمثّل في ظهور أكثر من مسؤول رافعاً إصبعه المصبوغ بالحبر كدلالة على تصويته في هذه المسيرة الحضارية قائلاً بأنها المرة الأولى التي يُتاح للعراقيين التصويت بحرية، لا كبقية الدول العربية والإسلامية التي لم ترى النور بعد. التوقّعات الرسمية تُشير إلى أن نسبة التصويت في هذه الانتخابات وصلت إلى ما يزيد على 60% من أعداد الناخبين، وفي بعض مناطق كردستان وصلت نسبة الناخبين "تقديرات مبدئية" إلى أكثر من 90%، وفي النجف وصلت إلى أكثر من 80%.
إن الحكومات العربية التي راهنت على فشل الديمقراطية خوفاً منها ووصولها إلى مناطق أخرى من العالم العربي والإسلامي، وكذلك الحكومات التي راهنت على فشلها كُرهاً للشعب العراقي قد خسرت، وربح من راهن على الحرية والمساواة والتعددية. ربح من راهن على بزوغ فجر جديد أساسه المجتمع المدني وحقوق الإنسان والمحاسبة وحرية الأديان واحترام الأقليات والمشاركة الكاملة لكل فئات الشعب.
في الوقت الذي تُعلن فيه الصحف والمجلات المحلية عن ابتداء حملة الانتخابات البلدية السعودية والتي لا تُلبي أقل القليل من طموح المواطنين بعد سنواتٍ عجاف دامت أكثر من مائة عام؛ تعلّقت قلوبنا بأمر أهم من هذه الانتخابات المهزلة، تعلّقت قلوبنا وأعيننا بالانتخابات العراقية الشاملة والحرة وكأنها تعنينا مباشرة.
دموعنا انهمرت، وألسنتنا أصابها التلعثم ونحن نشاهد الجموع الغفيرة من هذا الشعب المظلوم كالمطر تنـزل على صناديق الاقتراع في العلن تقول لا للإرهاب، ولا للتمييز ولا للطائفية ولا للظلم، ونعم للتعددية والحرية والمساواة. قالوها علناً، ونقولها بصوت خافت خوفاً من الجلاّد، فالحرية والمساواة والتعددية وحقوق الإنسان، تُمثّل جرائم يُعاقب عليها القانون في بلاد الحرمين. دموعنا انهمرت اليوم، كما انهمرت فرحاً بسقوط حكم نظام البعث وكما انهمرت فرحاً حين قُتِل عدي وقصي أبناء الطاغية، وكما انهمرت فرحاً حين تم القبض على صدام في جحره.
يوم الغضب هذا لن ننساه وسيكون شُعلةً مضيئة كما كان يوم انتخابات أفغانستان وسقوط نظام التخلف، نظام طالبان هناك. يوم الغضب هذا هو الطريق الذي اختاره الشعب العراقي هاتفاً لا لرفع السلاح بل لرفع بطاقات الانتخاب والتصويت السلمي والحر ليبقى العراق وطناً حراً أبياً يترفّع فوق الفروق العرقية والدينية والطائفية. إن مستقبل العراق يحمل في طيّاته العديد من الأحداث والمفاجآت بدون شك، منها العمل على دستور دائم وبناء بقية مؤسسات المجتمع المدني آملين أن نرى العراق مركزاً مُشِعّاً ينير ما حوله من ظلمات في بقية الدول العربية والإسلامية التي تُعاني من أنظمة لا تختلف عن نظام البعث كثيراً إن في الصورة أو في الجوهر.
نُبارك للشعب العراقي هذا النصر السلمي الحضاري، ونُبارك لأنفسنا بهذا النصر أيضاً، فهو نصر لكل القيم النبيلة التي طالما حلِمنا بها وحلِم بها كل إنسان به قلبٌ ينبض وضميرٌ حي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا قررت مصر الانضمام لدعوى جنوب إفريقيا في هذا التوقيت؟ |


.. بيسان ومحمود.. أجوبة صريحة في فقرة نعم أم لا ??????




.. دول أوروبية ستعترف بالدولة الفلسطينية في 21 مايو/أيار


.. -مطبخ مريم-.. مطعم مجاني ومفتوح للجميع في العاصمة اللبنانية




.. فيديو مرعب يظهر لحظة اجتياح فيضانات مدمرة شمال أفغانستان