الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثنائيات التضليل وجولة الإعادة... صرخة أخيرة

محمد مصطفى سليم

2012 / 5 / 27
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية



مادمنا سندخل جولة الإعادة بين طرفين؛ فكثيرٌ من التضليل آت لا محالة في ذلك؛ لأن قيام أي تنافسٍ على ركيزتين، يحيل الوعي المتابع له إلى بنيةٍ ثنائية في توصيفه، وهنا يكمن الخطر؛ إذ سنستمع إلى كثير من التوصيفات الثنائية لرمزي المرحلة النهائية، اللذين سيقرران مصير ثورة شعبية، وهما أحمد شفيق ومحمد مرسي. وللأسف ليس هناك بديل للشعب المصري؛ صاحب هذه الثورة، إلا الاتفاق، وللأسف الشديد- أيضًا- يبدو لي أن الطريق إلى هذا الاتفاق غير ممهدٍ حتى هذه اللحظة، بل ستتدخل قوى داخلية مؤسسية وقوى خارجية لتعرق طريق الاتفاق؛ ليصبح نوعًا من المجاز لا الحقيقة. وليس هذا نوعًا من سبق الأحداث، وإنما قراءة في قماشة الواقع السياسي في مصر، فلقد وصفنا هذا السيناريو؛ سيناريو الإعادة، في مقال سابق، وحذرنا من أن دخول أحد ممثلي الماضي (موسى أو مرسي) إلى مرحلة الإعادة، سيعني فوزه بالرئاسة، لكننا نعود، قبل فوات الأوان، بصرخة تحذيرية أخيرة حول آلية التضليل، التي ستنطلق من التوصيف الثنائي للمشهد في مصر، ولعلّ هذه الصرخة تؤتي أكلها، قبل أن تهبَّ ريح العسكر.
إن جموع الثائرين ممن شاركوا في الثورة، ولاسيما بعد خطاب التنحي، لا يختلفون على وجوب أن تكون ثنائية المشهد السياسي الرئاسي، مع جولة الإعادة، ممثلة في (الثورة والثورة المضادة) حتى يحافظوا على الحد الأدنى من مسار الثورة النبيلة في سعيها للوصول إلى بعض أهدافها. والحقّ يقال بأننا لم نكن في حاجة إلى هذه الصدمة الخانقة في نتيجة الجولة الأولى؛ كي نقر بأن المشهد في مصر، بعد ما يقرب من العام ونصف العام، سيؤول إلى هذه الصيغة الثنائية البديهية، التي طُرحت مع أول أيام التّنحي، غير أن أسوأ ما في الأمر أنها صيغةٌ وجدت من يستغلها في تهدئة التظاهرات المتكررة تارة، وإطالة أمد الفترة الانتقالية تارة ثانية، وربما في تبرير بعض الأخطاء القاتلة تارة ثالثة، ورابعة، وخامسة، إلى أن استقرت بنا الحال عند تساوي كفتيّ الثنائية؛ الثورة والثورة المضادة، بعد أن كنا نظن أنها حلاة روح للهو الخفِيّ، وسرعان ما ستنتهي إلى تلاشٍ أكيد، ولكن أثبتت الأيام أن بعض الظن هراء.
إن الأيام القادمة في غاية الحساسية، وسيكون فضاء مصر نهبًا للتوجيه والتضليل عبر صياغة هذه الثنائية، وتحويرها، قصدًا لا اعتباطًا، إلى صورٍ من ثنائيات متنوعة، تفتت الناس حول طرف (الثورة) وتدفع ببعضهم للالتفاف حول طرف (الثورة المضادة)، وكل هذا سيجري باسم القانون، والشرعية، والأمن، والاستقرار، وظروف المرحلة، والديمقراطية التي ننشدها جميعًا؛ لذا علينا بالحذر الشديد، والتنبه لأي توصيف يُبعد مشهد الجولة الثانية خارج هذه الثنائية الأصيلة في أي مجتمعٍ ثائر (الثورة والثورة المضادة).
وأوّل صيغة ثنائية ستُلقى علينا صباح مساء، وكأننا في درس الحفظ والتسميع، هي (الدولة الدينية والدولة المدنية) وهي الثنائية التي ستجد لها أرضية وذاكرة لدى الناس؛ لأنها ثنائية قديمة جديدة، ملأت بها النخب المثقفة الدنيا، وشغلت بها الناس في بحثهم عن ثقافة العيش والخبز والتعليم الجيد والحياة الصحية الكريمة.
وعلى كلٍّ، فإنها ستطرح بقوة لصياغة جولة الإعادة بين معتركين، هما: الدولة الدينية (مرسي) والدولة المدنية (شفيق)، ولك أن تتخيل، أيها القارئ الواعي، مدى ما ستتكئ عليه هذه الصيغة من طرحٍ مغرضٍ يستثمر فزّاعات اللّحى، والجماعة، والتخلف، والوراء، والجمود، وتقييد الحريات؛ مما سيُفضي في النهاية إلى التفتيت، وربما إلى الصمت، الذي قد يتواطأ- من دون قصد- ليصبّ في طرف ممثل الحزب الوطني المنحل، الذي ينشد مدنية الدولة، بأمنها، وتقدمها، وحريتها ...إلخ.
وها هي تباشير هذا التفتت قد بانت، منذ اللحظة الأولى للانتهاء من فرز الأصوات، وقبل أن تُعلن النتيجة الرسمية للجولة الأولى؛ إذ أعلن بعضهم في الفضائيات، مثل عمر حمزاوي وغيره، وفي التويتر والفيس بوك مثل نوارة نجم وغيرها، أنهم سيقاطعون الانتخابات، فمؤكد أنهم لن يمنحوا أصواتهم إلى شفيق، ومؤكد أيضًا أنهم لن يمنحوا أصواتهم لمرسي، مكتفين بالمقاطعة، والمقاطعة- في حد ذاتها- فعلٌ نبيل، لكنهم بهذا يؤكدون الخطأ الفادح نفسه، الذي وقع فيه حمدين صبّاحي وأبوالفتوح، حينما كانا دون المسؤولية السياسية، فغلّبا الفرد على المجموع، وقدما الخلاف على الاتفاق في الفعل الثوري، الذي كان من المفروض له أن يظل عباءة القصد، التي ينبغي أن تصان، ويُستهدى بها في قراريهما، فكان ما كان من تفتيتٍ خدم غيرهما في الصعود؛ ليخرج كلّ منهما بصدمة الشارع وجموع الثوار فيما آلت إليه الجولة الأولى من خيبةٍ ووجعٍ، لم ولن يُمحى من الذاكرة، إلا بحيازة ورقة الإدارة المدنية للدولة المصرية، بوصفها ريادةً مصريةً في المنطقة عبر انتخابات رئاسية شعبية، وهو ما يجعلهم، في بعض تحليلاتهم، يلقون باللائمة على الإخوان حينما أعلنوا ترشحهم للرئاسة؛ فأحدثوا شرخًا كبيرًا في الأصوات. وللأسف الشديد سيُعيد الفصيل المقاطع الكرّة نفسها، وستكون الخيبة نفسها في نهاية الطريق، فلعلهم يفقهون.
ومن دون قصدٍ في التضليل، قدم عبدالباري عطوان، وهو يوصّف المشهد المصري في الجولة الثانية للانتخابات، من خلال افتتاحية جريدة (القدس) صباح السبت 26 مايو ثنائية (الدولة والإسلام السياسي) وهي ثنائية غير مجدية تمامًا في هذه المرحلة، رغم وجود ملامحها بوضوح في مشهد مصري غير مخبوء؛ فقد يسهم طرح هذه الثنائية- حاليًا- بقدرٍ غير قليلٍ في التضليل الشديد لجموع المقترعين؛ بما سيخدم وضعية طرف (الدولة) التي لا يختلف على استقرارها ودعم مكوناتها مصريان، لكن اقتران الإسلام بالسياسة في طرف (الإسلام السياسي) غير محمود السمعة لدى المصريين، بفضل ما فعله إعلام مبارك إلى الآن من تشويه وتزييف. ولعل عبدالباري عطوان كان مدفوعًا في صياغة هذه الثناية بما استقرأه في رسالة التهديد الضمنية التي أوردها عمر سليمان، أحد جنرالات الدولة المطلعين أكثر على ما وراء المشهد المصري، وقبل أيامٍ من الانتخابات، في حواره لجريدة (الحياة) مع جهاد الخازن حول التهديد بانقلاب عسكري حالة أن يؤدي الاختيار الشعبي إلى فوز مرشحٍ إسلامي، وهنا نحن أمام مناخ يثير الفزع والرعب والتضليل.
وللأسف الشديد، فإن الآخر الغربي، وعبر وسائل الإعلام المتنوعة، كان أكثر تحديدًا في صياغة هذه الثنائية وتوصيفها بوضوحٍ تام، فالنيويورك تايمز وصفت مواجهة شفيق مع مرسي، على أنها صراع العسكر مع المعارضة، وهو السيناريو الأسوأ للثوار على حد تعبير لوفيجارو الفرنسية، فضلاً عما صرحت به الفاينانشال تايمز البريطانية من نجاح شفيق في تعبئة أنصار الحزب الوطني ليواجه المعارضة، وكأننا أمام مشهد دولة مبارك بكل آلياتها، التي أكد شفيق التزامه بأركانها المنهارة، وأيقظ جموع المحليات في محافظات مصر؛ ليراهنوا على فوز شفيق بالرئاسة؛ لأنها مسألة حياة أو موت بالنسبة لهم، وهو ما جعل شفيق يذهب إلى أبعد مما صرّح به عمر سليمان، عندما أكد أن رئيس مصر الحالي لا يجب أن يكون مدنيًا صرفًا، وأن هذه المرحلة تتطلب أن يكون رجلاً عسكريًا، ثم أعلن المتحدث الرسمي باسم شفيق في الجارديان، يوم السبت 2 مايو، أن الثورة قد انتهت وماتت(The revolution has ended – Shafiq spokesman) بالإضافة إلى ما أبرزته بعض الصحف الغربية من أن شفيق ممثل العسكر في انتخابات الرئاسة.
وهذه كلها توصيفات تدعم القول بأن حالة انعدام الثقة في مصر مثّلت أداة كبرى في تشكيل ثنائية ما كُنّا نحب أن نطرحها بيننا، وهي ثنائية الشعب وإدارة المجلس العسكري. الذي يجعلنا نتساءل كثيرًا عما يعنيه من تأكيداته المستمرة بأنه على الشعب أن يرضى بالنتيجة النهائية للانتخابات، والنتيجة هذه من اختيار الشعب نفسه!! فكل هذا أفلح في إثارة الفرقة بين الجموع؛ ليقف الثوار مع الرافضين الثورة في وأد قداسة الشهداء... فيا أيها الأحياء تحت الأرض عودوا، فإن الناس فوق الأرض ماتوا.
اللهم مصر .. اللهم مصر... اللهم مصر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - إننا نعيش أزمة حقيقية
حسني إبراهيم عبد العظيم ( 2012 / 5 / 28 - 15:53 )
أحييك د.محمد على تحليلك الرصين للمشهد المصري، ولا شك أن الثورة المصرية تعيش أصعب لحظاتها على الإطلاق، ولا أحد يعلم على وجه اليقين إلى أين تسير الأمور، لقد صدمنا بما أفرزته نتائج الانتخابات، وصدمنا أكثر بردود الفعل التي جاءت عقب هذه النتائج، م أبلغ عبارتك التي ختمت بها المقال :( فيا أيها الأحياء تحت الأرض عودوا، فإن الناس فوق الأرض ماتوا) إنها أصدق تعبير عن أزمتنا الراهنة تقبل تحياتي

اخر الافلام

.. اشتباكات بين الشرطة ومتظاهرين مؤيدين لفلسطين في أورلاندو


.. فيديو: ابنة كاسترو ترتدي الكوفية الفلسطينية وتتقدم مسيرة لمج




.. Vietnamese Liberation - To Your Left: Palestine | تحرر الفيت


.. آلاف المحتجين يخرجون في مدينة مالمو السويدية ضد مشاركة إسرائ




.. اشتباكات بين الشرطة الإسرائيلية والمتظاهرين المطالبين بإسقاط