الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مأزق الثورة المصرية

أحمد سوكارنو عبد الحافظ

2012 / 5 / 27
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


تشير مؤشرات نتائج الانتخابات الرئاسية غير الرسمية أن الفريق أحمد شفيق حصل على 5و24% مما جعله يحتل المرتبة الثانية وجعله يقترب من الدكتور محمد مرسى الذى حصل على 9 و24%. أما البرلمانى المخضرم حمدين صباحى فقد حصل على المرتبة الثالثة بنسبة 1و21% وتعد هذه النسبة أكبر من النسبة التى حصل عليها أبو الفتوح (وهى 8 و17%) الذى كان يدعمه حزب النور. لقد جاءت النتائج على نحو لم يتوقعه أبرع المحللين والخبراء السياسيين ثم سرعان ما توالت ردود الأفعال على الفضائيات والأرضيات. لعل البعض شاهد برنامج "ناس بوك" الذى تقدمه المذيعة اللامعة د. هالة سرحان حيث قام المهندس إبراهيم كامل بمداخلة أشار فيها أن هنالك مؤامرة تزوير فى الكشوف الانتخابية كأن يتكرر اسم ناخب عدة مرات فى لجان انتخابية مختلفة. وهذا الأسلوب أدى إلى الإدلاء بعدة آلاف من الأصوات المزورة. وربما يفرح الإسلاميون حين يسمعون هذا الكلام لأنهم يرغبون فى تفسير الإخفاقات التى حدثت على نحو يريح نفوسهم. لعل هؤلاء لا يرغبون فى الاعتراف بأنهم—بتصرفاتهم ومواقفهم—وضعوا الثورة فى نفق مظلم ملى بالمفاجآت، نفق نسير فيه باحثين عن نقطة ضوء يساعدنا فى الخروج إلى الحياة مرة أخرى.

ومكمن المفاجأة فى هذه النتائج هو أن مرشح الأخوان المسلمين قد تعرض للتصويت العقابى فى بعض المحافظات والمدن التى تعتبر من مراكز قوتهم وسطوتهم، كما شاهدنا فى الانتخابات البرلمانية السابقة فى محافظات كالقاهرة والإسكندرية والغربية والشرقية والقليوبية والمنوفية والدقهلية وبورسعيد والأقصر. الدليل على التصويت العقابى للإخوان المسلمين يتبين لنا إذا عقدنا مقارنة بين النتائج التى حققوها فى انتخابات مجلس شعب الثورة وفى الانتخابات الرئاسية. لا نبالغ إذا قلنا إن أحدا لم يكن يتوقع أن هذه المحافظات سوف تشهد تفوق شفيق أو صباحى على مرشح إسلامى. دعنا نبدأ بمحافظتين كبيرتين تعتبران من المواقع المضمونة للإسلاميين. لا شك أن العدد الأكبر من أعضاء مجلس الشعب المنتمين لحزب الحرية والعدالة يمثلون القاهرة حيث بلغ عددهم 26 عضوا. ومع ذلك فإن المرشح الرئاسى لهذا الحزب حصل على أصوات (589715 صوتا) أقل من صباحى (993764 صوتا) وشفيق (934198 صوتا). أما فى الإسكندرية التى تعتبر معقل السلفيين والإخوان المسلمين حيث حصل حزب الحرية والعدالة على 12 مقعدا فى انتخابات مجلس الشعب فقد استطاع صباحى أن يحصد أصوات الناخبين فى هذه المحافظة والتى تقدر ب602634 صوتا فى حين تراجع كل من محمد مرسى الذى حصل على 269455 صوتا وأبو الفتوح الذى حصل على 387747 صوتا.

وكذلك الحال فى المعاقل الأخرى فى محافظات الدلتا كالغربية حيث حصد الإخوان على 14 مقعدا فى مجلس الشعب غير أن المرشح الرئاسى شفيق استطاع أن يحصل على 421411 من أصوات الناخبين، وهذا العدد من الأصوات أكثر من أى عدد حصل عليه أى مرشح آخر. أما فى الشرقية التى تعتبر مسقط رأس مرسى مرشح الأخوان وحيث حصد الإخوان على 18 مقعدا فى انتخابات مجلس الشعب فقد استطاع شفيق أن يحصد 627808 صوتا بينما جاء مرسى فى المركز الثانى ب536634. ورغم أن الأخوان حصلوا على 10 مقاعد فى مجلس الشعب فى القليوبية إلا أنهم لم يستطيعوا منافسة الفريق شفيق الذى حصل على 395 ألف صوت فى حين حصل مرسى على 302 ألف و352 صوتا. وكذلك جاء شفيق فى المركز الأول فى المنوفية حيث حصل على 586345 صوتا بينما حصل مرسى على 203503. الغريب أن هذه المحافظة سبق أن انتخبت 12 عضوا من الإخوان فى مجلس الشعب. وكذلك الحال بالنسبة للدقهلية التى انتخبت 17 عضوا من حزب الحرية والعدالة فى مجلس الشعب إلا أن الأصوات التى حصل عليها المرشح الرئاسى لهذا الحزب (388525 صوتا) أقل من عدد الأصوات التى حصل عليها كل من شفيق (418527 صوتا) وصباحى (394553 صوتا). كما فشل الإخوان المسلمون فى منافسة صباحى فى بورسعيد حيث حصل مرشحها فى الرئاسة على 38439 صوتا فقط فى حين حصل صباحى على 104516 صوتا. وحتى فى الأقصر التى تعتبر من محافظات الصعيد حيث حصد الإخوان ثلاثة من إجمالى أربعة مقاعد أحرز شفيق أهدافا فى مرمى الإخوان حيث حصل على 47111 صوتا بينما جاء مرسى فى المرتبة الثانية ب 44720 صوتا.

لا شك أن هذه النتائج أدخلت الرعب فى قلوب الإخوان المسلمين الذين توقعوا نتائج أفضل من ذلك بكثير. لقد توقع النائب عصام العريان أن مرسى سوف يحسم الأمر من الجولة الأولى. من الواضح أن الإخوان لا يرغبون فى قراءة النتائج قراءة صحيحة، قراءة تبين موطن الخلل فى تصرفاتهم خلال الفترة السابقة. فهذا نائب إخوانى سكندرى يرى أن سبب تدنى الأصوات التى حصل عليها الدكتور مرسى مرده إلى تفتت الأصوات بين عدد من مرشحى الثورة كعبد المنعم أبو الفتوح وحمدين صباحى. وفى ظنى فإننا لا يمكن أن نفسر تناقص عدد مؤيدى الإخوان فى بعض مواقع الانتخابات الرئاسية على اعتبار أن أصوات الناس تفرقت بين عدد من المرشحين لأن الإخوان حصدوا الكثير من الأصوات فى انتخابات مجلس الشعب وفى ظل وجود أكثر من مرشح من المنتمين للثورة. كما إننا لا يمكن تفسير صعود شفيق بالمؤامرة وأن قوى النظام السابق هم الذين يدعمونه. هذا تبسيط للأمور ومحاولة القفز فوق الأسباب الحقيقية ومحاولات للهروب من مواجهة الحقيقة. ليس من المفيد أن يلجا البعض لورقة التزوير لتفسير الظاهرة. فإذا افترضنا أن هنالك تزويرا حدث لصالح شفيق فبماذا نفسر نجاح حمدين صباحى فى اختراق معاقل الإسلاميين فى القاهرة والإسكندرية ومناطق أخرى. هل تم التزوير لصالح صباحى أيضا؟

لابد من الاعتراف من أن سلوك الإسلاميين وممارساتهم البرلمانية ومواقفهم السياسية المضطربة هى التى أدت إلى تراجع الناخبين عن تأييدهم. لعل هذه الممارسات والتصرفات تتلخص فى النقاط التالية:

1. محاولة حزب الأغلبية الاستحواذ على الكعكة كلها، وهى التى تتمثل فى مجلسى الشعب والشورى وعدم مراعاة إشراك القوى الأخرى فى تشكيل الجمعية التأسيسية ولولا حكم المحكمة الدستورية لقاموا بكتابة الدستور من دون إشراك القوى الأخرى.

2. الرجوع عن التعهدات والوعود التى يقطعونها على أنفسهم، منها التعهد بعدم السعى للترشح على مقعد رئيس الجمهورية بل وقفوا فى مواجهة أبو الفتوح الذى أعلن عن رغبته فى الترشح ثم قاموا فيما بعد بترشيح أحدهم للرئاسة.

3. تأييد حزب الأغلبية لحكومة الجنزورى والتخلى عن شباب الثورة بل نعتهم بالبلطجة ثم الرجوع عن ذلك حين طالبوا بإقالة الحكومة لدرجة أن مجلس الشعب علق جلساته احتجاجا على استمرار الجنزورى.

4. التلكؤ فى إنشاء اللجنة الدستورية لحين ورود نتائج الانتخابات الرئاسية.

5. الشعور بالزهو والغرور والتأكيد أن شفيق سوف يفشل فى الحصول على أصوات كثيرة بل ذهب بعضهم إلى أن مرسى سوف يكتسح الانتخابات من الجولة الأولى. كما إن السلاسل البشرية التى شاهدناها تقدم دليلا على هذا الغرور، الغرور الذى عبر عنه صبحى صالح فى إحدى اللقاءات التلفزيونية حين قال—بلهجة متعالية— إن من يستطيع أن يفعل مثلنا فليفعل.

6. يعطون ظهورهم للثوار حين يشعرون بالقوة ويلجأون للتقرب والمداهنة حين يشعرون أن الأمور لا تسير فى مصلحتهم. مثال لذلك: حالة الصدمة والارتباك التى سادت فى المؤتمر الذى أقامه الإخوان يوم الجمعة 25 مايو الماضى حيث غازل العريان مرشحى الرئاسة، فصباحى مناضل وأبو الفتوح مجاهد وموسى دبلوماسى عظيم.

من الواضح أن الشعب المصرى العظيم الذى أنهى حكم الاستبداد والظلم يمر الآن بفترة عصيبة أو "بين نارين" كما يقولون، فهو يخشى الاستبداد الإخوانى الذى يسعى للاستحواذ على عدة سلطات: مجلسى الشعب والشورى والرئاسة ومن ثم تشكيل الحكومة وكذلك تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور. وهذا يمثل هاجسا مؤرقا للشعب. أما الخيار الآخر المتمثل فى أحمد شفيق فيعتبر إعادة إنتاج النظام السابق بكل أدواته وسطوته وهذا يمثل الرجوع إلى مربع صفر وعندئذ سوف يشعر الجميع كأن الثورة لم تقم بل ربما سيعود النظام أكثر شراسة من ذى قبل لأن عناصره التى عانت من الثورة سوف تعمل على إعادة امتيازاتها وكذلك تعمل على الانتقام من كل القوى التى تسببت فى إحداث الألم. وفى ظنى فإن المخرج من هذا المأزق يتمثل فى ضرورة قيام حزب الحرية والعدالة والإخوان المسلمين بإعادة الثقة التى بددوها من خلال خطوات واضحة تتبلور حول الشراكة لا المغالبة وإعطاء ضمانات موثقة حتى يطمئن الجميع على مستقبل الوطن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موجة سخرية واسعة من عرض حوثي للطلاب المتظاهرين في أميركا وأو


.. فرنسا: تزايد أعداد الطلاب المتظاهرين المؤيدين للقضية الفلسطي




.. ا?ستاذ بجامعة سان فرانسيسكو: معظم المتظاهرين في الجامعات الا


.. هل وبخ روبرت دينيرو متظاهرين داعمين لفلسطين؟ • فرانس 24 / FR




.. عبد السلام العسال عضو اللجنة المركزية لحزب النهج الديمقراطي