الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بركاتك يا ثورة.. مدد

إكرام يوسف

2012 / 5 / 27
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان



قضي الأمر! وانتهت الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة إلى النتيجة الواقعية والوحيدة. ولا أرى، في الحقيقة، مبررا معقولا لإحباط العديد من الأصدقاء إزاء هذه النتيجة؛ سوى أن البعض تعب من أعباء الثورة وتضحياتها، فبات يتوهم أن بالإمكان وصول رئيس ثوري للحكم يكمل الثورة بالنيابة عنا! متناسيًا أن هذا أقرب ما يكون للخيال غير العلمي بالمرة. فلم يعرف التاريخ وصول ثوري للرئاسة إلا بعد انتصار الثورة!
ولم تكن مفاجأة كبيرة أن يصل مرشح حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين إلى مرحلة الإعادة، مع ماهو معروف من قدرة الآلة الانتخابية للجماعة على الحشد، فضلا عن قدراتها المالية الهائلة القادرة على توفير أكثر أنواع الدعاية تكلفة، و شراء أصوات البسطاء في مختلف أنحاء البلاد. وإن كشفت النتيجة عن تراجع نسبي في شعبية الجماعة وحزبها بسبب أداء نوابهما في البرلمان الصادم لمن انتخبهم أملا في ان يلقى منهم اهتماما حقيقيا بمصالح الناس.
وليست هناك مفاجأة تذكر أيضا في فوز مرشح ينتمي للنظام القديم ـ تأرجحت التوقعات حتى يوم الانتخابات بين عمرو موسى وزير الخارجية الأسبق في النظام القديم وأحمد شفيق آخر رئيس وزراء في عهد المخلوع ـ وكان للإخوان فضل لا ينكر في هذه النتيجة أيضا؛ فقد عملوا منذ اليوم التالي لرحيل المخلوع، على تنفير البسطاء من الثورة. وتفننوا في تشويه الثوار والتشكيك في شرفهم الوطني والأخلاقي. وأشاعوا أنهم بلطجية ومخربون عطلوا عجلة الإنتاج، ويسعون للوقيعة بين الجيش والشعب، وتسببوا في الانفلات الأمني، بل وارتفاع الأسعار!.. ووصل الأمر إلى التحريض على المعتصمين أمام مجلس الوزراء احتجاجا على تعيين حكومة الجنزوري ـ يطالب الاخوان الآن بسحب الثقة منها! ـ وقال المتحدث باسم الإخوان في حديث تليفزيوني، أن المعتصمين بلطجية "وقتلاهم ليسوا شهداء ثورة ومصابوهم ليسوا مصابو ثورة" ( من شهداء مجلس الوزراء الشهيد عماد عفت وطالب الطب علاء عبد الهادي!) فكان طبيعيا أن يكفر قطاع كبير من البسطاء بالثورة، ويتطلعون إلى وهم الاستقرار الذي تصوروا انه سيتحقق مع رجال النظام الساقط. أضف إلى ذلك غطرسة أفراد الجماعة وتماديهم في استعراض القوة، بمجرد سيطرتهم على مجلس الشعب، حتى أنهم دفعوا بشبابهم إلى اقامة حواجز بشرية حول البرلمان لصد الجماهير الراغبة في توصيل طلباتها إلى نوابها، والاعتداء بالضرب على هؤلاء المواطنين. وركز نواب الإسلام السياسي على إثارة قضايا أبعد ما تكون عن أولويات الناس، من تقنين تزويج القاصرات والدعوة لختان الإناث، وإلغاء قانون التحرش، وهو ما أثار نفور قطاع كبير من النساء وعدد من الإخوة المسيحيين ـ ولا بد هنا من تحية الأنبا باخوميوس لإعلانه معاقبة المتورطين في الدعوة لمرشح بعينه ـ فكانت النتيجة أن صوت هؤلاء وهؤلاء بأعداد كبيرة لمرشح ينتمي إلى نظام قامت الثورة لإسقاطه. وأزعم أن ممارسات الاخوان طوال الشهور الماضية، كفيلة بدفع أعداد كبيرة للتصويت لصالح المخلوع نفسه إن رشح نفسه!
كان طبيعيا إذا أن يدخل الإعادة مرشحان أبعد ما يكونا عن طموح الثورة: الفريق أحمد شفيق الذي ظل طويلا يحجم عن استخدام تعبير "الثورة" وعندما اضطر إلى استخدامه، قال في حوار تليفزيوني "الثورة نجحت للأسف"! والدكتور محمد مرسي الذي ناصبت جماعته وحزبه العداء للثورة والثوار إرضاء للتحالف مع العسكر. وما أقوله لا يمس بأي حال شباب الاخوان، الذين انضموا إلى الثورة منذ بدايتها على مسئوليتهم الفردية، بعدما أعلنت الجماعة رفضها الاستجابة لدعوة الثوار. ولا أدل على ذلك من طرد الجماعة هؤلاء الشباب بسبب مشاركتهم في المليونيات الداعية لإنهاء حكم العسكر وتشكيل مجلس رئاسة مدني مؤقت يرعى صياغة الدستور وإجراء الانتخابات، وهو ما رفضته الجماعة بشدة دفاعا عن سيطرة المجلس العسكري الذي تحالفت معه. وكان قرار الطرد قاسيا وصادما، حيث فسره مسئولون في الجماعة بأن "الجماعة تتخلص من خبثها"!
قضي الأمر إذا، وصار من الواجب احترام نتيجة الانتخابات، حتى وإن أجريت وفق قواعد قانونية ليست مقبولة ـ حتى ممن دعوا للاستفتاء عليها بنعم فيما اصطلح على تسميته بغزوة الصناديق ـ ولم يعد من المفيد بكاء الثوار و أنصار الثورة على اللبن المسكوب. فالرئيس القادم ـ على أي حال ـ لن يكون عصيا على الخلع ما لم يحترم تضحيات المصريين التي أو صلته إلى سدة الحكم.
ولا شك أن عقودا طويلة من تغييب وعي الجماهير وكبح المشاركة السياسية، كان لها أكبر الأثر في ارتكاب الثوار أخطاء ليست قليلة أو هينة، حالت دون تشكيل تنظيم ثوري قوي حتى الآن، قادر على التأثير في الجماهير وحشدها لفرض مطالبها ومواصلة مهام الثورة. وإذا كانت المشاركة السياسة تتعلمها الشعوب المتقدمة وتتدرب عليها في المؤسسات المستقلة: بداية من اتحادات الطلاب والنقابات المستقلة والأحزاب السياسية وجماعات المجتمع المدني، فليس أمام الشعوب التي حرمت من هذه المؤسسات المستقلة، إلا التعلم وتراكم الوعي والخبرات النضالية عبر التجربة والخطأ. وهو أمر يستغرق وقتا طويلا بلا شك، ولا يضمن تحقيق نجاحات سريعة، غير أن هذا هو واقعنا الذي لا يجب أن نتجاهله، وهو يتطلب منا التحلي بطول النفس مع الإيمان بعدالة القضية وحتمية انتصارها، والاستعداد لدفع الثمن. فالحرية لا يمكن انتزاعها إلا بعد تسديد فاتورتها كاملة. ولا شك أن طريق انتصار الثورة حافل بالحفر والعثرات، والانتكاسات أحيانا وبعض المعارك الخاسرة، وعلى الثوار إدراك أن مسار الثورة لا ينبغي بالضرورة أن ينطوي على نجاحات متواصلة، وأن يتحلوا بالقدرة على استيعاب الإخفاقات، وعدم المبالغة في التوقعات. وكنت في أوائل أيام الثورة كتبت أن "الإفراط في التوقعات أقصر الطرق للإحباط" محاولة تحذير ابنائنا الثوار من تعجل النجاح، وتذكيرهم أن الخطوة الجبارة التي تحققت في أولى جولات الثورة، بإسقاط رأس النظام وعدد من كبار رموزه، لا تعني أن تستمر النجاحات على نفس الوتيرة.
وفي الوقت نفسه علينا ألا نقلل من شأن ما أحرزناه من نجاحات. ويكفي أن نتذكر أنه لولا ثورة شبابنا وتضحياتهم، لكنا الآن إرثا للمحروس نجل المخلوع. كما يرتفع وعي الجماهير تدريجيا مع تساقط الأقنعة تباعا، وبدأوا يتحررون تدريجيا من أسر المتاجرين بالدين. وتحطمت صورة الفرعون الحاكم، أو فكرة الرئيس الأب والرمز المهاب، بذاته غير القابلة للنقد. وشهد المصريون اليوم الذي يقف فيه مرشحو الرئاسة أمامهم قلقين يلتمسون رضاءهم، ويتملقونهم أملا في الحصول على أصواتهم! وسوف يتعلم الرئيس القادم أن المصريين ليسوا لقطاء يتطلعون إلى أب يهابونه، وإنما أحرارا يبحثون عن موظف لتولي أعلى منصب في الدولة، يدفعون راتبه من ضرائبهم، وعليه أن يكون أهلا للمنصب، وإلا فقد الوظيفة وصار مخلوعا بعد حين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. متداول.. أجزاء من الرصيف الأميركي العائم تصل شاطئا في تل أبي


.. قطاع الطاقة الأوكراني.. هدف بديل تسعى روسيا لتكثيف استهدافه




.. أجزاء من الرصيف الأمريكي الذي نُصب قبالة غزة تظهر على شاطئ ت


.. حاملة طائرات أمريكية تصل إلى كوريا الجنوبية للمشاركة في تدري




.. طلاب فرنسيون يحتجون من أجل غزة بمتحف اللوفر في فرنسا