الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موضوعات حول الدوغمائية : المقدمة

هشام صالح

2012 / 5 / 28
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


الماركسية دائماً كانت تحت قصف من الانتقادات الاذعة على أساس أنها تعاني من جمود , بالرغم من جوهرها العلمي . المعسكر – الفكري – للماركسية يتجزأ إلى عدة أجزاء ; الماركسيون ( الذين يؤمنون بأن الحياة في تطور دائم , و لا يقفون على اطلال القرن التاسع عشر و العشرين ) , الإصلاحيون ( الذين أزالوا القشرة الثورية لدى الماركسية و تمسكوا بمبادئ العدالة الاجتماعية , و المساواة ألخ ) , الماويون ( الذين يتبعون الخط الثوري و الفكري لدى ماو تسي تونغ ) , الستالينيون ( الذين يتبعون الخط الفكري و الثوري لدى يوسف ستالين ) , التروسكيون ( الذين يتبعون الخط الفكري و الثوري لدى ليون تروتسكي , و بهذا يؤمنون بالثورة الدائمة ) . كل هذه الاجزاء – الأساسية – التي ذكرتها المدروجة تحت المعسكر الفكري للماركسية ساهمت في تجميد الفكر الماركسي و تجريدة من مفهومة الحيوي , بإستثناء الماركسيون الذين لا يقفون على اطلال القرن العشرين ولا يكتبون بأقلام القرن التاسع عشر , و ربما يسأل القارئ : لماذا نسيّ الكاتب أن يدرج " اللينينية " أو " اللينينيون " كجزء من المعسكر الفكري الماركسي ؟ , كل هذه الأطياف , بإستثناء الماركسيين , يؤمنون باللينينية , و جميعهم في القرن العشرين حاربوا بعضهم البعض من أجل إثبات " لينينيتهم " , فماو تسي تونغ , من جانب , رفض النضال السلمي لأن لينين ذكر هذه العبارة في كتاباً ما , و ستالين من جانب آخر , أبتكر المصطلح " اللينينية " ليبتكر لنفسه قوة فكرية تستطيع أن تحارب كل من يعاديه و بهذا يؤمن ستالين أن هو من يلبي أو يطبق أفكار لينين , و تروتسكي قرأ لدى ماركس و لينين حول الثورة الدائمة و بهذا عارض ستالين حين قال " الاشتراكية في بلد واحد ". هنا نجد كيف حولوا – هؤلاء – الماركسية من فكر حيوي إلى فكر جامد ينسب إلى شخصيات معينة و أفكار معينة محاصرة بجدار لا يمكن الخروج منه , و هذا بشكل أو آخر , يسمى الدوغمائية .

الجمود عكس الحيوية , الشيء الجامد لا حس له ليس له حركة, و الفكره الجامده هي الفكرة التي تقف عند محطة معينة لا تريد أن المتابعة, واقفة عند طلل لا تريد تركه , واقفة عند تراث و تاريخ تقدسه , هي الفكرة التي ترى من نافذة واحدة , من جانب واحد من دون الإطلاع على الجوانب و النوافذ الأخرى .
نقد الجمود الفكري أو الدوغمائية , يعني السعي إلى تنشيط الفكر . فالماركسية قبل أي شيء , فكرة حيوية متجددة نشطة لا تتوقف عند محطة أو عند نافذة واحدة , فهي دائماً تسعى إلى تجديد و تطوير نفسها لتلبي استغاثات و حاجات البشر . و لكن ما الذي جعلها – ظاهرياً – فكرة جامدة واقفه على أطلال ثورة أكتوبر ؟ ما جعل أصحابها يقدسون رموزها ؟ ما جعلها تفقد حيويتها التي نادى بها ماركس ؟ , هذه الموضوعات و الأسئلة جوهرية , و لابد من مناقشتها . فتحليل الحاضر لا بد أن يكون تحت منهج فلسفي إرشادي يستطيع تحليل الحاضر , لا يمكننا أن نعود 150 سنة لنعرف الجواب , لا يمكننا أن نرجع إلى الكتب القديمة و نبحث عن الأجوبة و كأننا نبحث عن معنى كلمة في القاموس ,أو مثل المتدين الذي يرجع إلى كتابه المقدس , الحاضر يحتاج إلى عقول حاضرة , و لا يحتاج عقل يعيش في فترة ما بين 1917 و 1991 .
الماركسية ليست جامدة , هي في الأصل حيوية , و لكن , أصحابها و أحزابها هم من تآمر على حيويتها و نشاطها و حولها إلى فكرة جامدة لأسباب عدة , منها , عدم إستيعاب الفلسفة من نواحيها الأساسية مما يؤدي إلى تقديس العبارات و الجمل و الكتب , و الجواب على كل الأسئلة بأجوبة جاهزة تخلو من أي دقة تحليلية. و ايضاً, لتلبية أغراض دعائية مما يجبر الحزب إلى تجميد العقول و الاقلام التي من الممكن تنتقد الفلسفة , و بهذا تتحول الفلسفة إلى عقيدة , أو من فلسفة إرشادية أفتراضية الصحة إلى فلسفة صحيحة مطلقة تخلو من الأخطاء و بهذا لا يمكن انتقادها .
فالمشكلة التي أصابت الماركسية , هي أن أصحابها حاولوا بكل شتى السبل أن يجمدوها تحت مناهج مكتوبة و دساتير محفوظة , فبيان الشيوعي اصبح بيان مقدس , و كتاب رأس المال أصبح المرجعية الفقهيه , و كتابات لينين أصبحت كتابات سماوية يجب تطبيقها , و النموذج السوفييتي و الدستور السوفييتي أصبح دستوراً محفوظاً بإعتباره دستور مقدس و صحيح و مكتمل . هذا النوع من الجمود قتل الحيوية الفكرية لدى الماركسية , و رفض تجددها في القرن العشرين , فمن قال شيئاً ردوا عليه : (( مرتد )) و من كتب شيئاً قالوا عنه : (( تحريفي )) , و هذا ما أدى إلى تكوين أحزاب ذات قيادات دوغمائية رافضة كل شيء جديد و حيوي .
من المعروف في أنجلترا الفيكتورية أن " الإعترافات " أو الجواب على الاسئلة الشخصية, على شكل استبيان نوعاً ما , كان شعبياً و منتشراً , و قد مارس كارل ماركس هذه العادة الشعبية حين كان في أنجلترا , فضمن الأسئلة التي طرحت عليه سُئل ما هو شعاره Motto , فجاوب : De omnibus dubitandum الشك في كل شيء, و هنا نرى كيف كارل ماركس , بكونه فيلسوف و مفكر , يشك في كل شيء , فلم يقول ماركس : الشك في كل شيء ما عدا نظريتي , فهو من خلال هذا الجواب يبين أن الإنسان يجب أن يشك في كل شيء لأن كل شيء قابل للشك , و كذلك نظريته , لا توجد حقيقة مطلقة هناك فرضيات و تأويلات فقط , و هذا ما يضيف الروح العلمي للماركسية , فهي قابله للشك , و من خلال الشك نستطيع أن نفهم الواقع الحالي , و نحلل بطريقة واقعية و صحيحة بدلاً من أستذكار و أسترجاع ذكريات القرن التاسع عشر و العشرين .
يدخل البشر في القرن الواحد و العشرين , قرن جديد , عالم جديد , عالم الإنترنت و التكنولوجيا , عالم متواصل ليس له حدود بين الدول , فالأمريكي يستطيع أن يكلم المصري خلال ثوان , و المصري يستطيع أن يكلم الصيني خلال ثوان , أصبح الولوج و الإستطلاع على العالم شيء سهل , و العالم أصبح في شكل قرية أو بكلمات أخرى يمر البشر في مرحلة العولمة , التي لا يمكن أن ننكر توقع ماركس لها , فالرأسمالية تختلف عن الرأسمالية الموجودة في زمن ماركس , لا ريب في ذلك , فالرأسمالية في زمن ماركس كانت في ريعان شبابها , أما الآن قد تحولت إلى قوة عالمية و قطبية مسيطرة , فلا يمكننا أن نحلل الرأسمالية اليوم بالعودة إلى الكتب التي يكسوها الغبار , لأن لا يمكننا تركيب مفاهيم قرن العشرون في القرن الواحد و العشرين ! , ماركس قد وضع الأساس و نحن يجب أن نبني فوق هذا الأساس لا أن نبجله و نقدسه , لأن هذا الأساس مجرد أساس غير كامل و لا بد من البناء عليه لنعرف و نحلل وفقاً لمعطيات العصر الحالي , ليس لمعطيات عصر مكانه في المتاحف .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مبروك البداية في الحوار
شامل عبد العزيز ( 2012 / 5 / 28 - 18:18 )
تحياتي للأستاذ الكبير هاشم صالح
أنا اقرأ لك في الأوان
حسناً فعلت بنشر مقالاتك في الحوار
بكلام موجز ودقيق وصلت أنت ووصلنا معك للدوغمائية التي نعاني منها- فعلاً تشخيص صائب ودقيق
ولا احب أن ازيد من الإطراء حتى لا يخرج التعليق عن السياق ويفهمه البعض بصورة مغايرة
تمنياتي بالخير


2 - الشكر لك الاستاذ شامل عبدالعزيز
هشام صالح ( 2012 / 5 / 28 - 20:35 )
اولاً - الشكر لك الاستاذ شامل عبد العزيز على تعليقك المشجع

ثانياً - أعتقد هناك سوء فهم حيال الأسم , أنا هشام صالح و ليس هاشم صالح . فلا أدري اذا انت كتبت - هاشم صالح - بالخطأ , أي, خطأ مطبعي أو أعتقاداً أنني هاشم صالح .
و لكن أردت أن أوضح أنني هشام صالح .

ثالثاً - على اية حال أكرر شكري لك يا استاذ شامل عبدالعزيز , و يسرني قراءتك لمقالي هذا و أتمنى أن تتابع مقالاتي القادمة , و سأبدأ بقراءة مقالاتك

أتمنى لك كل الخير


3 - يا كومونيوا العالم اتحدوا
فؤاد محمد ( 2012 / 5 / 30 - 23:02 )
الرفيق هشام تحية
الدوغمائية هي الافه التي ستسقطنا اذا لم نواجهها بشجاعه ونقد ثوري
يجب ان نكتب التاريخ بعد ان تخلصنا من الدوغمائيه السوفيتيه
مودتي واعجابي

اخر الافلام

.. VODCAST الميادين | علي حجازي - الأمين العام لحزب البعث العرب


.. حزب العمال البريطاني يخسر 20% من الأصوات بسبب تأييده للحرب ا




.. العالم الليلة | انتصار غير متوقع لحزب العمال في الانتخابات ا


.. Mohamed Nabil Benabdallah, invité de -Le Debrief- | 4 mai 2




.. Human Rights - To Your Left: Palestine | عن حقوق الإنسان - ع