الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة بالتفويض ورئيس بالتزوير

مجدي مهني أمين

2012 / 5 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


الثورة المصرية ثمرة كفاح ، لم تكن نتيجة صدفة ، بدءً بعرابي، مرورا بثوراتنا من أجل الاستقلال، حتى جاءت ثورة يوليو، التي تجدد الكفاح طوال عهودها من أجل الحرية ، وازدادت درجته في عهد السادات، وبلغت أقصاها في عهد مبارك في التعبيرعن الرفض للفساد والتوريث وتراجع التنمية، وامتهان الكرامة، وغياب العدالة الاجتماعية.

وفي خضم هذا الكفاح، تحول يوم 25 يناير إلى ثورة أكدتها أنهار الدم التي تفجرت، ثورة قام بها الشباب نيابة عن الشعب، وعن سكان العشوائيات، وكل من يحيون تحت كل خطوط الفقر بعيدا عن أي مظهر لأية حياة كريمة. خرج الشباب نيابة عن أهلهم، كي يكفوهم عناء الثورة،؛ فقد كانت ثورة مثقفين، ولم تكن ثورة جياع. الثورة الفرنسية كانت ثورة جياع، وهؤلاء من واقع الغضب العارم ذهبوا للنهاية كانو كالنار التي لا تريد شيئا إلا دمار كل ما يعِن أمامها، حتى هدأت وخرجت للعالم بقيم الحرية والإخاء والمساواة.

قام الشباب في مصر بثورتهم كي يصدوا عن مصر يوما يخرج فيه الفقراء المعوزين في غضبة قد لا تبقي ولا تذر، وسلّم الشباب ثورتهم للمجلس كي يتولى بالإنابة إدارة المرحلة الانتقالية، وجرت في النهر مياه كثيرة، حتى وصلنا لانتخابات الرئاسة، يومي 23، 24 مايو، كي يخسر كل المرشحين الممثلين للثورة، ويفوز من قاما برشوة الناخبين بالزيت والأرز والسكر، أو بأصوات انتخابية وأرقام قومية مزورة. سقطت الرئاسة في يد من أنفردا عن كافة مرشحي الرئاسة بتمويل فاق كثيرا عشرة الملايين جنيه التي وضعتها اللجنة القضائية العليا كحد أقصى لتكلفة الحملة.

سقطت الرئاسة، ومعها الثورة، في يد من لم يحترما قوانين الانتخابات، ، سقطت بين التزوير والرشوة ، سقطت بين مرشح المؤسسة العسكرية التي تريد الحفاظ على مكتسباتها، وبين مرشح جماعة الإخوان الراغبة في مكتسبات تعيد بها مصر قرونا للوراء بعيدة عن العصر، وناسفة في طريقها أي مكتسبات حققتها مصر نحو الدولة المدنية الحديثة؛ بدءً بعصر محمد على وحتى الآن، يعني ها تمسك الخيط من بعد الحملة الفرنسية، والأرحج إنهم ها يكملوا في إتجاه عصر الدولة العثمانية، والمماليك، والدولة الأيوبية، والسلاجقة وأنت نازل، ها يقفزوا على العصر القبطي، مش ها يقفوا كتير على العصر الروماني واليوناني، ويرجعوا لعصر الفراعنة يلاقوا التماثيل والمعابد، وهنا يبدأوا التحطيم والتدمير، "يعني نستلم منهم مصر على نضيف، على البلاطة، أو على الحديدة معنويا وثقافيا وإنسانيا".

- الشباب لو نزلوا الميادين دلوقت هيجري الإخوان على الصناديق ويزكوا مرشحهم، زي ما عملوا ساعة انتخابات البرلمان لما سابوا الشباب في الميدان وجروا ينتخبوا مرشحيهم.

- الشباب لو راح الانتخابات، هيلاقي نفسه أمام أمرين يا يختار مصر من أول ثورة 23 يوليو وانت طالع، يا مصر من بعد الحملة الفرنسية وانت نازل.

الشباب ممكن ييأس من هذا وذاك، ويترك الثورة ويروّح، ويسيب اللي يحصل يحصل، وها ييجي نظام حكم غير عابئ بالناس ولا إحباطاتهم، واللي ها ييجي ها ينفذ مشروع المؤسسة أو الجماعة اللي دعمته، وقد يبالغ الشباب في اليأس والصمت، وهنا تأتي ثورة الجياع، من أراد الشباب بثورتهم تجنبها، ثورة تأكل الأخضر واليابس من إناس دفعهم الفقر والإمعان في التجاهل، دفعهم للكفر بكل شئ، وكأن النهر بركان من غضب ونار.

فهل يتعقل من في يدهم الأمر ويقدموا تنازلات عملية عن مصالحهم أو قناعاتهم الأيديولوجية الضيقة؟ هل لهم من الوعي ما يدفعهم للتكفير عن ذنوبهم وتقديم تنازلات فعلية تعيد للثورة دفئها بدلا من هذا الصقيع الذي أتي به دعاة الاستقرار ودعاة الدولة الدينية؟ هل لهم من التجرد والحصافة كي يقدموا تنازلات حقيقية من أجل مصر؛ دون هذه التشبثات التي تفرضها عليهم مؤسساتهم أو جماعتهم؟ هل يمكن لهم أن يتعقلوا في هذا الوقت الذي يمكن أن يُقال فيه كلام، قبل أن يأتي وقت تنصهر فيه الكلمات والحروف في أتون الفوضى والغضب بما لا قِبل لأحد بنتائجه؟

لعلها فرصتنا الأخيرة فلو فاز أحد المرشحيَن بالرئاسة، وكأن هذا هو الأمر الطبيعي، ولو سارت الأمور بعد هذا النجاح (المفترض) وكأن هذا هو العادي والديمقراطي، فعلينا أن نتوجس خيفة، بين غد قد يُحكم بقبضة من حديد، أو قد تُجَر فيه مصر لدولة خارج التاريخ.

- نتوجس خيفة، ليس من هؤلاء الحكام، ولكن من ردة فعل شعب فقد صبره.

وهنا لن تكون تضحيات الشباب في ثورة 25 يناير إلا مجرد ثغرة فُتحت في جدار الخوف كي يخرج منها شعب يسترد تاريخه كله، ويسترد حقوقه بالكامل، سيخرج العاجز، والمريض، ومصابي الانيميا والبلهارسيا، والنساء المعيلات، واليتامى، وأطفال الشوارع، لن تكون ثورة بالتفويض هذه المرة، وسيلحق الشباب بأهلهم يناولنهم عكازاتهم ولاوزام ثورتهم كي يهدموا في طريقهم كل ما يتصورنه "سجن باستيل" مادي، نصبه دعاة الاستقرار، أو معنوي، نصبه دعاة الدولة الدينية.

لو عاد الشباب 25 يناير بخفي حنين، ستخرج مصر كلها، إن عاجلا أو آجلا؛ فالثوة قامت كي تبقى، ولا عزاء لمن يعتقد أنه قادر على أن يخدع الناس، دون أن يلبي فعلا وبوضوح وعن طيب خاطر مطالب ثورتهم في دولة ديمقراطية مدنية، مطالب ثورتهم في دستور يكتبه كل المصريون، وحاكم في خدمة الشعب، وأمن حرفي في خدمة المواطن لا النظام الحاكم، وعدالة في الأجور، وصحة وتعليم جيد.

ولنأخذ العِبرة من التاريخ، من تاريخنا نحن، فكم تقدم المصلحون قبل ثورة يوليو بمشروعات للإصلاح الزراعي، لم يعبأ بها من كانوا في الحكم وقتها، وبلغ الظلم الاجتماعي مداه، فجاءت ثورة يوليو لتقر هذا الإصلاح الزراعي في غضون 45 يوما. فعلى من في يدهم القرار أن ينظروا لما هو عادل وفي مصلحة الناس، لأنه يصب في مصلحتهم هم أيضا، ينظروا للعدالة أن لم يكن من باب التجرد فليكن من باب الفهم السياسي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو: الكوفية الفلسطينية تتحول لرمز دولي للتضامن مع المدنيي


.. مراسلنا يكشف تفاصيل المرحلة الرابعة من تصعيد الحوثيين ضد الس




.. تصاعد حدة الاشتباكات على طول خط الجبهة بين القوات الأوكرانية


.. برز ما ورد في الصحف والمواقع العالمية بشأن الحرب الإسرائيلية




.. غارات إسرائيلية على حي الجنينة في مدينة رفح